اخر الاخبار

صادرات الصين إلى بريطانيا تقفز وسط مؤشرات على تغير خريطة التجارة

تقوم الشركات الصينية بزيادة شحناتها إلى بريطانيا لمستويات لم تُسجّل منذ سنوات، في مؤشر محتمل على أن القوة الصناعية الآسيوية وجدت منفذاً تصديرياً لا تعيقه الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

تشير البيانات الرسمية من الجانبين إلى ارتفاع في قيمة الصادرات الصينية إلى المملكة المتحدة، وذلك بعد أن فرض ترمب رسوماً جمركية باهظة على منتجات ثاني أكبر اقتصاد في العالم، قبل أن يُخففها مؤخراً.

سجّلت صادرات الطرود الصغيرة والإلكترونيات قفزات لافتة، ما قد يشير إلى إعادة توجيه الشحنات لتفادي الرسوم الأميركية.

وتعزز هذه الأرقام الدلائل على أنه مع تقليص الحواجز التجارية التي فرضها ترمب لاعتماد أميركا على المنتجات الصينية، فإن الطلب على تلك الصادرات لا يختفي، بل يتحول إلى وجهات بديلة.

القلق من “الإغراق” قائم

رغم توصل بكين إلى اتفاق مع إدارة ترمب لتخفيف أعلى الرسوم المفروضة، إلا أن التهدئة تُعتبر هشة، إذ لا تزال الرسوم الأميركية على السلع الصينية مرتفعة عند 55%، أي أكثر من ضعف المعدلات التي كانت سارية قبل بداية ولاية ترمب الثانية في 20 يناير.

وقال وزير الأعمال البريطاني جوناثان رينولدز إن وزارته تراقب آثار التحويل التجاري، ومستعدة لاستخدام صلاحياتها لمنع الإغراق في السوق البريطانية، مثل واردات الصلب الرخيص.

كما قد تحمل هذه الطفرة في السلع الصينية الرخيصة الموجهة إلى بريطانيا آثاراً مزدوجة. فمن جهة، قد تُسهم في خفض التضخم بسرعة؛ ومن جهة أخرى، قد تُضعف المنافسين المحليين من حيث الأسعار.

أعلى مستوى في عامين

بحسب بيانات معدّلة موسمياً من مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، ارتفعت واردات السلع من الصين إلى 6 مليارات جنيه إسترليني (8.2 مليار دولار) في أبريل، بزيادة 11% عن العام السابق، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عامين. 

كما تشير بيانات غير معدّلة من بكين إلى أن الصادرات إلى المملكة المتحدة في مايو كانت الأعلى منذ منتصف عام 2022، متجاوزة المعدلات المعتادة لهذا الوقت من السنة.

وقال سانجاي راجا، كبير الاقتصاديين في “دويتشه بنك” بالمملكة المتحدة، إن هذه البيانات “قد تكون لها آثار مهمة على التضخم، حيث من المرجح أن يؤدي تحويل التجارة إلى المملكة المتحدة، إلى ضغط نزولي على أسعار السلع الأساسية”.

وأضاف: “من الطبيعي توقّع حدوث بعض الإغراق التجاري عبر أوروبا، لا سيما في السلع المنزلية والملابس وسلع الترفيه”.

مؤشرات على إعادة توجيه شاملة

أحد المؤشرات على التحويل التجاري هو ارتفاع شحنات الطرود الصغيرة من شركات مثل “شي إن” و”تيمو” إلى المملكة المتحدة وأوروبا بسرعة خلال مايو، بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوماً من بين الأعلى على وارداتها من الصين.

ارتفعت صادرات الصين من الطرود الصغيرة إلى المملكة المتحدة بنسبة 66% في مايو مقارنة بالعام السابق، لتسجل رقماً قياسياً بلغ نحو ملياري دولار في أول خمسة أشهر من العام الجاري.

وكان مصدرون صينيون للسلع ذات القيمة المنخفضة والموجهة مباشرة للمستهلكين، قد أعلنوا أنهم سيحوّلون صادراتهم إلى أسواق بديلة فور فرض الرسوم الأميركية. ويبدو أن هذا ما حدث بالفعل في مايو، إذ بقيت الصادرات العالمية مستقرة تقريباً رغم الانخفاض الكبير في الشحنات المرسلة إلى أميركا.

كما تظهر بيانات مماثلة لدى دول أوروبية أخرى، إذ ارتفعت شحنات الطرود الصغيرة إلى مختلف أنحاء التكتل الأوروبي المؤلف من 27 دولة.

وفي قطاع الإلكترونيات، تعيد التجارة أيضاً تموضعها. فقد ارتفعت صادرات الهواتف الذكية الصينية إلى المملكة المتحدة بنسبة 26% في أول خمسة أشهر من العام، بينما تراجعت قيمتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 18%. كما زادت شحنات الحواسيب إلى المملكة المتحدة بنسبة 11%، في حين انخفضت بنسبة 25% إلى أميركا خلال الفترة نفسها.

التضخم تحت المجهر… والبنك المركزي يترقّب

يراقب صناع السياسة النقدية في بنك إنكلترا هذه البيانات عن كثب لمعرفة ما إذا كان تحويل التجارة قد يُسهم في كبح التضخم بوتيرة أسرع في المملكة المتحدة.

وقد يقدم المصدرون الصينيون خصومات في محاولاتهم السريعة لتصريف المنتجات التي كانت مُعدّة في الأصل للسوق الأميركية، ما قد يُساعد على وقف الارتفاع الأخير في أسعار السلع، والذي ساهم بدوره في دفع التضخم الإجمالي في بريطانيا إلى 3.4%، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عام.

لكن كاثرين مان، العضو الخارجي في لجنة السياسة النقدية، شكّكت مؤخراً في جدوى هذا الأثر، مشيرة إلى أن تجار التجزئة قد يستخدمون الخصومات لإعادة بناء هوامش الأرباح التي تآكلت بفعل التضخم.

وقال توماس سامبسون، أستاذ الاقتصاد المشارك في كلية لندن للاقتصاد: “تُظهر البيانات إشارات أولية على تحول صادرات الصين نحو المملكة المتحدة”. وأضاف: “لكن الزيادات حتى الآن لا تزال صغيرة نسبياً، والبيانات الشهرية التجارية شديدة التقلب، لذلك من المبكر استخلاص استنتاجات كبرى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *