شركة ترمب للعملات المشفرة تجري محادثات تعاون تجاري مع “بينانس”

تُناقش “وورلد ليبرتي فاينانشيال” (World Liberty Financial)، إحدى شركات العملات المشفرة التابعة لعائلة دونالد ترمب، التعاون التجاري مع أكبر منصة لتداول الأصول الرقمية في العالم، “بينانس هولدينغز”، التي أقر مُؤسسها بالذنب في عدم اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الإرهابيين، ومستغلي الأطفال، والكيانات في الدول المفروض عليها عقوبات من استخدام خدمات المنصة، بحسب أربعة أشخاص مطلعين على المحادثات.
لم تتضح بعد المرحلة التي وصلت إليها المحادثات، أو ما إذا كانت ستؤدي إلى أي صفقات أو مشروعات، بحسب المطلعين الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لخصوصية المفاوضات. وأشار اثنان منهم إلى أن المحادثات تضمنت احتمال إنشاء عملة مستقرة -عملة مشفرة مدعومة بالدولار- مع “وورلد ليبرتي”.
بدأ الرئيس ترمب وأولاده الترويج لـ”وورلد ليبرتي” في سبتمبر، وتحصل عائلة ترمب على ثلاثة أرباع صافي إيرادات المنصة، وفق مستندات التأسيس.
إضافة إلى ذلك، أجرى ممثلو عائلة ترمب محادثات مع “بينانس” حول الاستحواذ على حصة في ذراعها الأميركية “بينانس يو إس”، بحسب ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” الخميس، نقلاً عن أشخاص مطلعين على الأمر. بينما لفت مؤسس “بينانس” تشانغبنغ تشاو في منشور على منصة “إكس” إلى أنه لم يجر محادثات عن صفقة في “بينانس يو إس” مع أي شخص.
ويتكوف يفتح باب المفاوضات مع تشاو
أقر تشاو بالذنب في 2023 في انتهاكات لقوانين مكافحة غسل الأموال مكّنت الجماعات الإجرامية والمنظمات الإرهابية، ومن بينها حركة حماس، من استخدام “بينانس”. أُفرج عن تشاو -المعروف باسم “سي زي”- من منشأة إصلاحية في لونغ بيتش، ولاية كاليفورنيا، في سبتمبر بعد قضاء عقوبة بالسجن لمدة أربعة أشهر. كما سددت “بينانس” غرامة قدرها 4.3 مليار دولار. ويحث تشاو إدارة ترمب على منحه عفواً، وفق تقرير “وول ستريت جورنال”.
بعد ثلاثة أشهر من الخروج من المنشأة الإصلاحية، اجتمع تشاو مع ستيف ويتكوف، الشريك المؤسس لـ”وورلد ليبرتي”، في أبوظبي خلال مؤتمر “بتكوين مينا 2024″، بحسب اثنين من المطلعين. يشغل ويتكوف حالياً مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ويُرتقب أن يجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع، في إطار جهود إدارة ترمب لوقف الحرب التي اندلعت عندما غزت روسيا أوكرانيا منذ ثلاث سنوات.
لم يتبين مغزى اجتماع ويتكوف وتشاو في ديسمبر. غير أن المحادثات بين شركتي العملات المشفرة اللتين تأسستا على يديهما، تجري منذ ذلك الحين، بحسب الأشخاص الأربعة المطلعين على الأمر.
لم يرد ويتكوف مباشرة على طلب التعليق، وكذلك المتحدث باسم البيت الأبيض.
كشف ويتكوف أنه بصدد تصفية أصوله المشفرة، واستثماراته العقارية، ونقل ملكية الحيازات إلى أولاده لتجنب أي تضارب محتمل في المصالح.
رفض ممثل “بينانس يو إس” التعليق يوم الخميس، ولم يرد ممثلو “وورلد ليبرتي” على طلبات التعليق.
لا يزال تشاو المساهم المسيطر في “بينانس”، ويبلغ صافي قيمة حصته 36.9 مليار دولار، وفق مؤشر “بلومبرغ” للمليارديرات. وقد تنحى من منصب الرئيس التنفيذي في نوفمبر 2023، عندما أقر بذنبه في الإخفاق في تطبيق برنامج لمكافحة غسل الأموال.
وقال ريتشارد تنغ، الذي حل محل تشاو رئيساً تنفيذياً للشركة، في فبراير أنه يرى فرصة لـ”إعادة ضبط جديدة ونقطة بداية أخرى” في عهد ترمب، إلا أنه لم يكشف عن أي خطط.
ترمب يغير موقفه من العملات المشفرة
سيشكل التعاون التجاري مع “بينانس” توسعاً في انخراط ترمب في قطاع العملات المشفرة وتضارباً محتملاً في المصالح، إذ تعيد إدارة ترمب صياغة القواعد التنظيمية التي ستؤثر على “بينانس” ومنافسيها.
في عهد ترمب، علقت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية إجراءاتها القانونية تجاه قطاع العملات المشفرة بشكل رئيسي، بما يشمل دعوى في حق “بينانس” وتشاو. لم يكف إقرار تشاو بالذنب أو تغريم “بينانس” لتسوية الدعوى، التي تزعم أن الشركة سمحت بشكل غير مشروع لعملاء أميركيين باستخدام المنصة، وخلطت أصول المستثمرين بأصول تشاو، وانخرطت في التلاعب في التداول.
وصف ترمب “بتكوين” بأنها احتيال في 2021، إلا أنه غير موقفه خلال حملته الانتخابية الرئاسية الثانية، حيث حضر مؤتمراً لـ”بتكوين” في ناشفيل في يوليو 2024، وتعهد بأن يجعل الولايات المتحدة “عاصمة العملات المشفرة في العالم”. وفضلاً عن تخفيف القيود التنظيمية، تقترح إدارته دعم الأصول الرقمية ببناء الحكومة احتياطي من “بتكوين” والعملات الرقمية الأخرى.
عائلة ترمب تروج لـ”وورلد ليبرتي”
بعد أسابيع قليلة من مؤتمر ناشفيل، بدأ ترمب وأولاده الترويج لـ”وورلد ليبرتي”، وكشف أنها تطور منصة لتداول العملات المشفرة، وقال في مقطع مصور نُشر على منصات التواصل الاجتماعي: “نتبنى المستقبل بالعملات المشفرة، ونترك خلفنا البنوك الكبرى البطيئة القديمة”.
تأسست “وورلد ليبرتي” على يد رائدي أعمال لهما شهرة محدودة ومسيرة مهنية غير معتادة. وعرفهما ويتكوف، مطور العقارات في فلوريدا الذي يلعب الغولف مع الرئيس، على عائلة ترمب. كان أحدهما هو تشيس هيرو، الذي اعتاد سابقاً بيع “مطهرات قولون” للتخسيس، وتقديم دورة للثراء السريع باشتراك شهري قدره 149 دولاراً، كما وصف نفسه بأنه “حثالة الإنترنت”.
روَّج ترمب وأولاده لـ”وورلد ليبرتي” في بث مباشر من مار إيه لاغو في سبتمبر، لكن مبيعات عملتهم المشفرة كانت بطيئة حتى فاز ترمب بالانتخابات، إذ بلغت مبيعات الشركة من رموز “وورلد ليبرتي” 300 مليون دولار حالياً، بحسب موقع بيانات العملات المشفرة “دون أناليتكس” (Dune Analytics)، وهذا رغم عدم السماح للمشترين بإعادة بيع العملات الرقمية حتى الآن، وعدم استحقاقهم لأي أرباح.
تحصل عائلة ترمب على 75% من صافي الإيرادات، بما يشمل عائدات بيع الرموز المشفرة، باعتبارها أجراً، بحسب مستندات لـ”وورلد ليبرتي”، فيما يحصل ويتكوف وأولاده على 12.5% من صافي الإيرادات، بحسب المستند الذي يحدد منصب ترمب بصفته “كبير داعمي العملات المشفرة” (Chief Crypto Advocate)، وأولاده إيريك وبارون ودونالد الابن في منصب “سفراء ويب 3”. تجدر الإشارة إلى أن عملة “وورلد ليبرتي” منفصلة عن عملة ميم “ترمب” التي أطلقها الرئيس الأميركي قبل تنصيبه لبضعة أيام، وقد تجاوز سعرها مستوى 70 دولاراً، إلا أنه تدهور إلى نحو 10 دولارات منذ ذلك الحين.
عملة مستقرة مرتقبة
تشير الشركة إلى خطط لإطلاق عملة مستقرة منذ أكتوبر، عندما أشاد بها منظموها في بث مباشر على منصة “إكس”. وتشكل العملات المستقرة -التي تحدد قيمتها عند دولار واحد لأنها مدعومة بأصول حقيقية- الشريحة الأكثر دراً للأرباح في قطاع العملات المشفرة. فتجني “تيذر هولدينغز” (Tether Holdings)، مصدرة أكثر عملة مستقرة رواجاً في العالم، رسوم معاملات عن عمليات التداول، وتحصل على فائدة على الأصول الاحتياطية التي تدعم عملاتها. وبلغت أرباح الشركة 13 مليار دولار العام الماضي.
تُتداول العملات المستقرة بشكل عام على المنصات، وتُعد “بينانس”، المسؤولة عن أكثر من نصف إجمالي عمليات تداول العملات المشفرة، إحدى أكبر منصات تداولها.
خلال اجتماع مع الرؤساء التنفيذيين لقطاع العملات المشفرة بالبيت الأبيض في 7 مارس، تعهد ترمب بدعم جهود الكونغرس الأميركي لـ”توفير الوضوح التنظيمي للعملات المستقرة المدعومة بالدولار”.
تجنب تضارب المصالح
طرحت “ذا ترمب أورغانيزشن” (The Trump Organization)، شركة العائلة، إطار عمل أخلاقي قبيل بدء ولاية ترمب الثانية، ولا يفرض هذا الإطار أي قيود على السعي لتنفيذ أي صفقات تجارية جديدة مع الشركات الأجنبية، ما يمثل تحولاً عن نهج الشركة لتجنب تضارب المصالح الذي اتبعته عند تولي ترمب الرئاسة لأول مرة في 2017. وكشف ترمب أن مصالحه التجارية ستوضع تحت تصرف صندوق استئمان يديره أولاده، وأنه لن يضطلع بأي دور في اتخاذ القرار، وسيكون له قدرة محدودة على الوصول إلى البيانات المالية.
وعن ذلك قال إريك ترمب لوكالة “رويترز” في ديسمبر، خلال مقابلة على هامش مؤتمر “بتكوين” في أبوظبي: “المؤكد أنه سيكون هناك حاجز فاصل كبير بين أي شيء تتعلق بشركتنا وأي شيء له علاقة بالحكومة”.
اتهام “بينانس” بتسهيل غسل الأموال
تنقلت “بينانس”، التي أسسها تشاو في شنغهاي في 2017، من بلد لآخر، وتجنبت إنشاء مقر رئيسي في أي دولة، وخلفت وراءها سلسلة من الجهات التنظيمية التي اتهمتها بتجاهل القواعد. ورغم رواجها الكبير في الولايات المتحدة فيما مضى، إلا أن حصتها السوقية تراجعت نتيجة الأزمات التنظيمية.
كان التحقيق الذي أدى إلى إقرار تشاو بالذنب واسع النطاق. حيث ادعت الولايات المتحدة أن “بينانس” انتهكت قوانين مكافحة غسل الأموال خلال سعيها السريع إلى التوسع. ولفت ممثلو الادعاء إلى أن الشركة سمحت بإجراء معاملات بقيمة 898 مليون دولار مصدرها إيران، التي كانت خاضعة للعقوبات الأميركية، وأن المسؤولين التنفيذيين كانوا على دراية تامة باستغلال الأطراف سيئة النوايا لمنصة التداول.
خلال الإعلان عن إقرار الشركة وتشاو بالذنب، استشهد ممثلو الادعاء برسالة كتبها موظف في إدارة الامتثال في “بينانس” نصها: “نحتاج لإعلان يقول: هل أصبح غسل أموال المخدرات بالغ الصعوبة حالياً؟ انضم إلى (بينانس) وسنقدم التسهيلات اللازمة”.
التحقيقات ضد “بينانس” مستمرة
وصفت لجنة تداول السلع الآجلة الأميركية (CFTC) برنامج “بينانس” للامتثال بأنه “صوري”، وقالت إن الشركة انخرطت في استخدام “استراتيجية مدروسة لاستغلال الثغرات التنظيمية”. وقد أدى غياب الضوابط إلى تمكن جماعات إرهابية -من بينها حركة حماس، وتنظيم القاعدة، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وتنظيم داعش- من تلقي تمويلات عبر منصة التداول، وفق وزارة الخزانة الأميركية.
قالت وزيرة الخارجية الأميركية حينها، جانيت يلين، في موعد التسوية إن “إخفاقات (بينانس) المتعمدة هي التي سمحت بتدفق التمويلات إلى الإرهابيين، ومرتكبي الجرائم الإلكترونية، ومستغلي الأطفال من خلال منصة التداول”.
تشير “بينانس” إلى أن لديها ضوابط أفضل وتلتزم بالقواعد في جميع أنحاء العالم حالياً. لكن الشركة لا تزال قيد التحقيق في عدد من البلاد؛ فكثف ممثلو الادعاء الفرنسيون في يناير التحقيق في غسل الأموال عبر “بينانس”، وقاضت نيجيريا الشركة في فبراير، وتطالب بأكثر من 80 مليار دولار تعويضاً عن خسائر اقتصادية وضرائب متأخرة، وفق مزاعم الدولة.