اخر الاخبار

هل تصريحات ترمب عن الاقتصاد الأميركي مضللة؟ إليك الحقيقة

تحدث الرئيس دونالد ترمب أمس الأول أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي لاستعراض رؤيته لفترة ولايته الثانية، التي لم يمض عليها سوى 6 أسابيع وشهدت بالفعل اضطرابات في القوى العاملة الفيدرالية، وتدهور العلاقات مع الحلفاء، واندلاع حرب تجارية.

يتمتع ترمب بفرصة كبيرة لتمرير أجندته التي تشمل فرض الرسوم الجمركية ومنح تخفيضات ضريبية وتقليص الإنفاق، وذلك بفضل سيطرة حزبه على غرفتي الكونغرس الأميركي، الأمر الذي يأتي في وقت لا يحظى فيه الديمقراطيون بتأثير ملموس ومنقسمون حول استراتيجيتهم. فرضت إدارته أمس الأول رسوماً 25% على الواردات من المكسيك وكندا، بالإضافة إلى رسوم جديدة 10% على الصين، وهي زيادة جديدة بعد عملية رفع مشابهة طُبقت قبل شهر.

نستعرض فيما يلي أبرز تصريحات الرئيس الأميركي في الشأن الاقتصادي والتي أدلى بها خلال خطابه، مع التحقق من صحتها ووضعها في سياقها الصحيح.

ترمب: “جو بايدن سمح بخروج أسعار البيض عن السيطرة.. ونحن نعمل بجد لإعادته إلى الانخفاض”.

يحتاج هذا إلى توضيح السياق. صحيح أن تكلفة البيض ارتفعت خلال فترة الرئيس الديمقراطي السابق وأصبحت رمزاً لارتفاع الأسعار وأسعار الفائدة وغيرها من الأزمات الاقتصادية، لكن السبب الرئيسي وراء ذلك يعود إلى تفشي إنفلونزا الطيور.

جرى إعدام ملايين الطيور منذ ديسمبر الماضي، بعدما ضرب الوباء مزارع إنتاج البيض في ولايات مثل أيوا وكاليفورنيا ونورث كارولاينا، ما دفع متاجر البقالة إلى فرض قيود على الكميات المسموح بشرائها، كما رفعت المطاعم من أسعارها. ووفق مؤشر الأسعار القياسي الصادر عن خدمة “إكسبانا” (Expana) لرصد الأسعار، بلغ سعر الدستة من البيض الأبيض الكبير في الولايات المتحدة الأميركي مستوى قياسياً تجاوز 8 دولارات في فبراير الماضي، مقارنة بـ2.97 دولار قبل عام.

ترمب: “عانينا من أسوأ تضخم خلال 48 عاماً، وربما حتى في تاريخ بلادنا، الأمر غير مؤكد”.

هذا التصريح مغلوط. كان إجمالي الزيادة في أسعار المستهلكين خلال فترة بايدن أعلى مما سجله أي رئيس آخر خلال الأربعين عاماً الماضية، لكنه ليس الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.

كما أن سياسات ترمب -بما في ذلك ضخ 3.5 تريليون دولار في شكل شيكات تحفيزية ومساعدات أخرى لمواجهة الوباء- إلى جانب مشكلات سلاسل التوريد عندما عاود الاقتصاد الأميركي الانتعاش، لعبت دوراً رئيسياً في وصول التضخم في الولايات المتحدة على أساس سنوي إلى أعلى مستوى خلال 40 عاماً مسجلاً 9.1% خلال يونيو 2022، قبل أن ينخفض إلى 2.7% خلال نوفمبر الماضي، عندما اُنتخب ترمب، ثم بلغ 3% في يناير المنصرم.

ترمب: “سنحقق إيرادات بمليارات ومليارات الدولارات ونخلق وظائف لم يسبق لنا رؤيتها من قبل”. (يقصد خططه المتعلقة بالرسوم الجمركية)

يحتاج هذا التعليق لتوضيح السياق. صحيح أن الرسوم الجمركية تولد إيرادات للولايات المتحدة الأميركية، لكن الصين وغيرها من الدول الأجنبية لا تدفعها، إذ يتحمل مستوردو البضائع الأميركيون تكلفة هذه الرسوم، ما يعني في النهاية أن الشركات والمستهلكين الأميركيين هم من يدفعون الثمن من خلال ارتفاع الأسعار.

خلصت دراسة أكاديمية تعود لـ2019 إلى أن المستهلكين والشركات الأميركية تحملوا معظم تكاليف الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب خلال ولايته الرئاسية الأولى، وأنه بعد احتساب تداعيات الإجراءات الانتقامية، كان المزارعون والعمال في القطاعات الصناعية -وهم من بين الفئات التي دعمت ترمب في 2016- أكبر المتضررين من الحروب التجارية.

ترمب: “الرسوم الجمركية تهدف إلى جعل أميركا غنية مرة أخرى وجعلها عظيمة مرة أخرى، وسيحدث ذلك بسرعة. قد تكون هناك بعض الاضطرابات، لكننا بخير مع ذلك. لن يكون الضرر كبيراً”.

يحتاج هذا إلى توضيح السياق. يرى ترمب أيضاً أن الرسوم الجمركية وسيلة للمساعدة في تمويل التخفيضات الضريبية التي تعود لـ2017 التي ستنتهي صلاحيتها قريباً، والتي تبلغ 4.5 تريليون دولار، وحتى تعويض العائدات الضريبية التي جمعتها الحكومة الأميركية من ضرائب الدخل على الأفراد والشركات، والتي بلغت تريليوني دولار.

لكن منذ الحرب العالمية الثانية، لم تتجاوز الإيرادات الجمركية في العادة 2% من إجمالي الإيرادات الفيدرالية، وفقاً لتقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي في يناير الماضي. ووفقاً لتقديرات معهد “بيترسون” للاقتصاد الدولي العام الماضي، فإن حتى رفع معدل الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة الأميركية إلى نحو 50% لن يؤدي إلا إلى تحقيق إيرادات قدرها 780 مليار دولار، لكنه سيضر بالنمو الاقتصادي.

يشعر المستهلكون والشركات بالقلق. فقد كشف استطلاع أجرته شركة “هاريس بول” (Harris Poll) لصالح “بلومبرغ نيوز” أن ما يقرب من 60% من البالغين في الولايات المتحدة الأميركية يتوقعون أن تؤدي رسوم ترمب الجمركية إلى ارتفاع الأسعار، وأن 44% يعتقدون أن هذه الرسوم ستكون على الأرجح ضارة بالاقتصاد الأميركي. كما ورد ذكر الرسوم الجمركية 700 مرة خلال مؤتمرات الإعلان عن الأرباح الفصلية عبر الهاتف للشركات في مؤشر “ستاندرد أند بورز500″، وهو رقم قياسي، وفق تحليل أجرته “بلومبرغ نيوز” لنص المناقشات خلال المؤتمرات”. 

في الواقع، الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب بالفعل على الصين وكندا والمكسيك ستكلف الأسرة الأميركية النموذجية أكثر من 1200 دولار سنوياً، بحسب تقديرات معهد “بيترسون”.

ترمب: “سنحقق نمواً في صناعة السيارات لم يسبق لأحد أن رآه”، وأضاف أنه تحدث مع مسؤولين تنفيذيين في قطاع السيارات الذين أبدوا حماسهم. كما ادعى أنه يجري بناء مصانع جديدة.

يحتاج هذا الكلام إلى توضيح السياق. حذر الرئيس التنفيذي لشركة “فورد موتور” من أن فرض رسوم على الواردات من كندا والمكسيك سيتسبب في”ضرر كبير” بقطاع السيارات الأميركي، بينما قالت شركة ” ستيلانتيس” (Stellantis)، المصنعة لسيارات “جيب” (Jeep)، إن رسوم ترمب ستضعها في موقف ضعيف أمام منافسين أجانب. تشير دراسة جديدة أجراها معهد “أندرسون” الاقتصادي إلى أن تكلفة تصنيع سيارة رياضية متعددة الاستخدام ستزيد بما لا يقل عن 4 آلاف دولار، بينما ستكون الزيادة أكبر بثلاث مرات بالنسبة للسيارات الكهربائية.

أما شركة “هوندا موتور” اليابانية فقد نفت إعلانها عن أي خطط لتوسيع عملياتها في ولاية إنديانا، كما زعم ترمب. أوضحت الشركة أنها تنتج بالفعل سيارات “سيفيك” في مصنع يقع بين مدينتي إنديانابوليس وسينسيناتي منذ 2008.

ترمب: “خلال السنوات الأربع الماضية، تدفق 21 مليون شخص إلى البلاد. كثير منهم كانوا قتلة ومهربي بشر وأفراد عصابات ومجرمين آخرين”.

هذا التعليق مغلوط. لا يوجد دليل على أن دولاً أخرى أرسلت سجناءها ومرضاها النفسيين إلى الولايات المتحدة الأميركية لينضموا إلى المهاجرين إلى الولايات المتحدة، الذين يفر العديد منهم من العنف والفقر.

استشهد ترمب تحديداً ببيانات من وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية خلال حملته الانتخابية، مشيراً إلى أن 13 ألف شخص ممن سُمح لهم بدخول البلاد كانوا قتلة.

تشير البيانات إلى أن 13099 شخصاً سبق أن أدينوا بجريمة القتل، إلى جانب مئات الآلاف من المدانين بجرائم أخرى. لكن هذه الأرقام تمتد لعقود، بما في ذلك خلال إدارة ترمب الأولى.

كما يتهم ترمب والجمهوريون المهاجرين بكونهم مسؤولين عن ارتفاع معدلات الجريمة. لكن كثيراً ما أظهرت الدراسات أن المهاجرين غير النظاميين يرتكبون جرائم بمعدلات أقل مقارنة بالمهاجرين الشرعيين، بل وأقل حتى مقارنة بالمواطنين الأميركيين المولودين داخل البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *