اخر الاخبار

جهود وساطة خليجية مع دراسة واشنطن الانخراط في حرب إيران وإسرائيل

قبل 48 ساعة فقط من الهجوم الإسرائيلي على إيران الأسبوع الماضي، التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال ملتقى سنوي للدبلوماسيين في النرويج.

في فندق يقع بمنطقة ريفية تغطيها الأشجار خارج أوسلو، أطلع عراقجي الأمير فيصل بن فرحان على تطورات المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، بحسب أشخاص مطلعين رفضوا الكشف عن هوياتهم نظراً لحساسية الموضوع. هناك، كرر الأمير فيصل ما أبلغته بلاده إيران منذ أشهر، بما في ذلك خلال زيارة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان طهران في أبريل: إسرائيل تخطط لمهاجمتكم؛ سارعوا إلى التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة.

لكن لم يكن لدى أي منهما علم بأن القصف الإسرائيلي على طهران ومواقعها النووية سيبدأ بعد يومين فقط، ما أدى فعلياً إلى إنهاء المفاوضات مع واشنطن ووضع الشرق الأوسط على شفير حرب جديدة تهدد استقرار المنطقة بأسرها.

دول الخليج العربي أمضت سنوات في السعي للتوصل إلى تهدئة مع  خصمها التاريخي، بما في ذلك عرض استثمار مليارات الدولارات في إيران لتحفيزها على قبول اتفاق نووي، بحسب أشخاص مطّلعين على المناقشات طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأنه غير مصرح لهم بالتحدث إلى وسائل الإعلام. واليوم تجد الدول الخليجية نفسها في مواجهة تبعات صراع طويل الأمد، قد يستهدف فيه النظام الإيراني منشآتها النفطية ويقوّض خططها التنموية الطموحة، وهي تتمتع بتعاون عسكري وثيق مع الولايات المتحدة قد يعرضها لأخطار غير مباشرة في خضمّ الصراع.

توقيت الهجوم الإسرائيلي على إيران

كانت نوايا إسرائيل معروفة، لكن حدوث الهجوم أثناء المفاوضات بين طهران وواشنطن فاجأ الدول العربية، بحسب أفراد مطلعين على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشتهم مداولات غير معلنة. وأضافوا أن هذه الدول ربما بالغت في تقدير قدرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على كبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

والآن، ومع استعداد الولايات المتحدة لشن ضربات محتملة ضد إيران خلال الأيام المقبلة، بدأت دول الخليج العربي تقيّم بجدية احتمال سقوط النظام الإيراني وما قد يجرّه من فوضى، على غرار ما حدث عقب الاحتجاجات المعروفة بالربيع العربي عام 2011، والحرب الطائفية والإرهاب الذي أعقب سقوط صدام حسين في العراق.

ترى باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي السابقة لشؤون الشرق الأدنى في إدارة جو بايدن، والمستشارة السياسية الدولية لدى شركة الاستشارات القانونية “آرنولد آند بورتر” (Arnold & Porter)، أن “هذا بالضبط ما كانت دول الخليج تخشى حدوثه وتسعى لتجنّبه على مدى إدارات متعاقبة.. فهي على خط المواجهة، وقد تُستهدف مباشرة أو تشهد أضراراً جانبية اقتصادية”.

ورغم أن أسعار النفط المرتفعة –التي زادت بحوالي 10% منذ الجمعة لتصل إلى قرابة 77 دولاراً للبرميل– قد تدعم ميزانيات دول الخليج، إلا أن ليف تزعم أن معظم دول المنطقة “رحّبت سراً” بالهزائم القوية التي تكبدتها الجماعات المدعومة من إيران بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، لكنها قد لا ترى الوضع الحالي بنفس المنظور بعد أن بلغ التصعيد هذه الدرجة من الشدة.

التزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الغموض بشأن نيته مهاجمة إيران، قائلاً الأربعاء من البيت الأبيض: “قد أفعل ذلك، وقد لا أفعل. لا أحد يعرف ما سأقوم به”.

جهود خليجية لاحتواء الأزمة

على مدى الأيام الستة الماضية، كثّف قادة الخليج ووزراؤهم، لاسيما في الرياض وأبوظبي والدوحة، جهودهم لاستثمار وزنهم الاقتصادي والسياسي المتنامي، وعلاقاتهم المميزة مع ترمب، وقنواتهم المفتوحة مع طهران، في محاولة لإعادة المسار إلى الدبلوماسية. وشملت هذه الجهود اتصالات هاتفية عديدة وبعض اللقاءات المباشرة، وفقاً لما نقلته وكالات الأنباء الرسمية في السعودية وقطر والإمارات.

ويعتبر إسفنديار باتمانغليدج، الرئيس التنفيذي لمؤسسة “بورصة وبازار” البحثية ومقرها لندن، أنه “إذا توقف القتال، سيكون لدول الخليج دورٌ أكثر تأثيراً. سيتعيّن إعادة بناء كثير من الثقة.. إيران بحاجة إلى حفظ ماء وجهها، ويمكن لدول الخليج أن تساعد في ذلك”.

مطلب ترمب الأساسي

لكن مطالب ترمب تجعل دور دول الخليج العربي كوسيط أكثر تعقيداً. فرغم أن إيران أعربت علناً وسراً عن استعدادها للعودة إلى المفاوضات حول برنامجها النووي إذا أوقفت إسرائيل هجماتها، إلا أنها لم تعلن نيتها تفكيك برنامجها النووي بالكامل، وهو أحد المطالب الأساسية لترمب. ومن المقرر أن يلتقي عراقجي وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا في جنيف اليوم الجمعة، ضمن مساعٍ أوروبية لنزع فتيل الأزمة.

من جهته، قال آلان إير، الدبلوماسي الأميركي السابق وعضو فريق التفاوض على اتفاق 2015 النووي الذي انسحب منه ترمب لاحقاً: “نعلم جميعاً أن إيران تحاول الضغط على واشنطن عبر دول الخليج”. وأضاف الزميل الدبلوماسي المتميز في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: “لا أتوقع نجاحهم فعلياً في إقناع واشنطن بتهدئة إسرائيل”.

وفي حال نفّذ ترمب تهديداته وشارك في الهجوم، فإن مخاطر النزاع على دول الخليج ستتزايد.

وينوّه تيد سينغر، الرئيس السابق لعمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “CIA” في الشرق الأوسط، بأن “دول الخليج تريد التركيز على جهود التنمية، وكانت تأمل التغلب على التحدي الإيراني عبر إدماج طهران في التنمية، وهذا كان واقع الحال قبل أسبوع فقط. إلا أن أكبر مخاوفهم الآن هو التعرض لخسائر إذا تدخّل ترمب”.

أهمية مضيق هرمز

تقع دول مجلس التعاون الخليجي الست على جانب واحد من الخليج العربي، قبالة إيران. يفصل الكويت شمالاً عن إيران شريط ضيق من محافظة البصرة العراقية، يشمل شبه جزيرة “الفاو”، بينما يبلغ عرض مضيق هرمز جنوباً 21 ميلاً فقط في أضيق نقطة منه.

يمر عبر مضيق هرمز، الذي يربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب، حوالي 20 مليون برميل نفط يومياً، أي ما يعادل خُمس استهلاك السوائل البترولية العالمية، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية. إذا اتخذت إيران خطوة حاسمة بإغلاقه، فقد يرتفع سعر النفط إلى 130 دولاراً للبرميل، وفق “بلومبرغ إيكونوميكس”.

يوجد أيضاً أكثر من 45 ألف جندي أميركي في الشرق الأوسط، موزعين على 19 موقعاً، وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية. تستضيف قطر أكبر قاعدة أميركية في المنطقة، بينما تستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأميركية. وتتواصل هذه الدول وتعمل بشكل وثيق مع الجيش الأميركي من خلال القيادة المركزية، التي تشرف على الأصول والعمليات الأميركية في المنطقة.

تستضيف الإمارات أكثر من 5000 جندي أميركي وفقاً لسفارتها في واشنطن، ويتمركز أكثر من 10000 من العسكريين في الكويت. في الشهر الماضي، وقّعت أبوظبي خطاب نوايا لإقامة شراكة دفاعية رئيسية مع الولايات المتحدة. كما عززت القوات الجوية الأميركية مؤخراً وجودها في قاعدة الأمير سلطان الجوية خارج الرياض.

تداعيات اقتصادية محتملة

على صعيد التداعيات الاقتصادية المحتملة، أوردت شركة “إس آند بي غلوبال” في تقرير صدر الإثنين، أن هناك “مخاطر متزايدة” على اقتصادات المنطقة بسبب احتمال حدوث اضطرابات في طرق النقل البحري الرئيسية، وتقلب أسعار الطاقة، وانخفاض السياحة، وتدفقات رأس المال إلى الخارج، وارتفاع الإنفاق الأمني، وضعف ثقة المستهلكين والمستثمرين.

كما تشعر دول الخليج بالقلق من احتمال استهداف إسرائيل لمحطة “بوشهر” النووية الإيرانية على الخليج العربي، خشية أن يتسبب ذلك في تلوث إشعاعي لمورد حيوي يُغذي محطات تحلية مياه ضخمة تُنتج مياه الشرب والاحتياجات الصناعية.

خلال اجتماع وزاري استثنائي عُقد يوم الإثنين، أعلن مجلس التعاون الخليجي تفعيل مركز إدارة الطوارئ التابع له لمراقبة مستويات الإشعاع عن كثب وتعزيز التنسيق عبر نظام إنذار مبكر. ودعا المجلس إلى وقف فوري للأعمال العدائية، وأدان إسرائيل لـ”تقويضها” للدبلوماسية.

وصرح وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان يوم الثلاثاء: “إنّ نهجاً دبلوماسياً ضروريٌّ وعاجلٌ لدفع الطرفين نحو خفض التصعيد، وإنهاء الأعمال العدائية، ومنع تفاقم الوضع إلى عواقب وخيمة وبعيدة المدى”. وفي اليوم نفسه، اتصل رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بنظيره الإيراني مسعود بيزشكيان وأكد أن أبوظبي تُجري “مشاورات مكثفة” لاستعادة الهدوء، وفقاً لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.

ويفصح علي الشهابي، الكاتب والمعلق السعودي المقرب من الديوان الملكي، أن المملكة العربية السعودية تُطمئن إيران على جميع المستويات -بما في ذلك خلال مكالمة هاتفية بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبيزشكيان يوم السبت- بأنها لن تكون جزءاً من أي عدوان على إيران.

لكن السعودية تستعد أيضاً لأسوأ الاحتمالات، وقد حذّر الأمير محمد بن سلمان، وزير الخارجية الإيراني في أكتوبر من أن الرياض سترد بحزم على أي هجوم على منشآتها النفطية، بحسب الشهابي.

وهناك هاجس من أن يؤدي أي صراع أوسع نطاقاً مع إيران ووكلائها إلى ضربات تستهدف بنيتها التحتية للطاقة، كما حدث في 2019، عندما أعلن الحوثيون المدعومون من طهران في اليمن مسؤوليتهم عن هجوم على منشآت نفطية رئيسية في المملكة. وقد تستخدم إيران الحوثيين، الذين هاجموا السفن في جنوب البحر الأحمر خلال معظم العامين الماضيين ظاهرياً لمعاقبة إسرائيل وحلفائها على حرب غزة، مرة أخرى.

النظام الإيراني

علاوةً على ذلك، تُقيّم دول الخليج بجدية ما سيعنيه زوال النظام الديني الإيراني للمنطقة، وما قد يُطلقه فراغ السلطة من دمارٍ في دولة يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة.

حتى لو صمدت الحكومة الإيرانية والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، فإنه من الصعب تخيّل كيف يُمكن للنظام الحاكم الحالي في البلاد أن يصمد بعد الضربات القاسية التي وجّهتها إسرائيل، وفقاً لمسؤولين خليجيين، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما لعدم تخويلهما بالتحدث إلى وسائل الإعلام. واعتبر أحدهما أنه من المُفيد لبلاده وللمنطقة ككل أن يشهد البرنامج النووي الإيراني تراجعاً أو تدميراً، لكنه امتنع عن تأييد تغيير النظام.

وأفاد عبد الخالق عبد الله، عالم السياسة الإماراتي وزميل بارز في مركز “بيلفر” بجامعة هارفارد، أن الإمارات ودول الخليج لا تزال “راغبة في المصالحة مع إيران”. فدول الخليج العربي -التي تشمل دولاً تتخذ تقليدياً موقفاً متحفظاً حيال إيران مثل السعودية والبحرين والإمارات، أو تلك التي تتمتع بعلاقات وطيدة مع طهران مثل سلطنة عُمان وقطر- جميعها تريد تجنب حرب تحتدم على مقربة من حدودها وشواطئها.

وبغض النظر عن نتيجة أكبر وأطول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل على الإطلاق، فإن عواقبها ستكون طويلة الأمد على المنطقة.

إنها لحظة تحمل جميع سمات نقطة تحول رئيسية في تاريخ إيران وجيرانها العرب. تذبذبت العلاقات على مر السنين بين العداوة والتعاون. في مرحلة ما، اتهمت دول الخليج إيران علناً برغبتها في تطويقها بشبكة وكلائها، بل وحاربت جماعات مسلحة متحالفة مع إيران بما في ذلك اليمن.

بحسب أليكس فاتانكا، زميل أول في معهد واشنطن للشرق الأوسط: “هناك إعادة تفكير كبيرة من جانب دول الخليج. إنهم يفضلون إنفاق ثروات ضخمة على تنويع اقتصاداتهم بعيداً عن النفط بدلاً من تبديدها في منافسة لا طائل منها مع إيران”. وحتى بعد أحداث الأسبوع الماضي، لا يزال هذا هو موقفهم الجماعي.

مع ذلك، ترى دينا إسفندياري، كبيرة محللي شؤون الشرق الأوسط في “بلومبرغ جيوكونميكس”، أنه قد يشعر البعض “بالارتياح سراً” وهم يشاهدون إسرائيل تحيّد أعضاءً من القيادة الأمنية العليا في إيران. وأعلنت تل أبيب أنها تفكّر في اغتيال خامنئي نفسه.

وقالت إسفندياري، في إشارةٍ إلى دول المنطقة والنظام الإيراني الحالي: “تنتابهم أيضاً حالة من القلق الشديد؛ هذا سوءٌ يعرفونه. إذا سقط هذا النظام دون وجود بديل جيد، فإنهم قلقون حقاً بشأن ما سيحدث لاحقاً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *