هجمات إسرائيل على إيران تثير القلق بشأن الممرات البحرية الحيوية

تحذر شركات الشحن البحري والوسطاء والمحللون من وجود مخاطر تهدد الممرات البحرية الرئيسية في الشرق الأوسط، عقب الضربات التي شنتها إسرائيل ضد إيران، والتي تشكل تصعيداً كبيراً في منطقة حيوية لإمدادات النفط والتجارة العالمية.
استهدفت إسرائيل أهدافاً رئيسية في إيران في الساعات الأولى من صباح الجمعة، من بينها منشآت نووية وعسكرية في طهران، في خطوة أججت بالفعل التوترات الإقليمية وقد تجعل الرد الإيراني أمراً لا مفر منه، لا سيما وأن طهران توعدت بأن تدفع جارتها “ثمناً باهظاً جداً”.
كانت شركات شحن مقرها طوكيو، مثل “نيبون يوسن” (Nippon Yusen KK) و”ميتسوي أو إس كيه لاينز” (Mitsui OSK Lines) و”كاواساكي كيسن كايشا” (Kawasaki Kisen Kaisha)، من أوائل الشركات التي طلبت من سفنها توخي الحذر بعد الهجمات. ومن المتوقع أن تحذو شركات أخرى حذوها، إذ أعادت هذه الهجمات تسليط الضوء على نقاط الاختناق البحرية في المنطقة سواء لناقلات النفط أو تجارة الحاويات.
ارتفاع أسعار الشحن
يراهن مستثمرو الأسهم بالفعل على الأثر الإيجابي لارتفاع الأسعار على شركات الشحن، إذ سجلت أسهم شركات مثل “كوسكو شيبنج هولدينغز” (Cosco Shipping Holdings) و”تشاينا ميرتشانتس إنيرجي شيبنج” (China Merchants Energy Shipping) صعوداً في الأسواق الآسيوية. فيما شهدت أسعار ناقلات النفط، على وجه الخصوص، ركوداً نتيجة ضعف النشاط الاقتصادي العالمي.
قال أنوب سينغ، الرئيس العالمي لقسم أبحاث الشحن لدى شركة “أويل بروكيريج” (Oil Brokerage)، عن ناقلات النفط، إن “التهديد بنشوب حرب في الشرق الأوسط له تأثير جوهري على أسعار الشحن”. وأضاف أن “ما يحدث حالياً يمثل يضيف علاوة مخاطر، إذ سيحجم ملاك السفن عن إرسال سفنهم إلى الخليج كالمعتاد”.
ممرات مائية مهددة في الشرق الأوسط
تضم منطقة الشرق الأوسط بعضاً من أهم الممرات المائية في العالم، حيث تحمل ناقلات النفط الشحنات لتسليمها إلى المشترين الرئيسيين في آسيا وأوروبا، أو تمر من خلالها سفن الحاويات لنقل البضائع إلى المستهلكين في القارتين. ويُعد مضيق هرمز، وهو ممر مائي ضيق تتمتع إيران فيه بنفوذ كبير، مصدر قلق رئيسي، إذ يعبر من خلاله نحو ربع تجارة النفط العالمية.
أما البحر الأحمر، الذي تحيط به قناة السويس من جهة ومضيق باب المندب من الجهة الأخرى، فيُعد أيضاً ممراً بالغ الأهمية لسفن الحاويات، وأصبح مصدر قلق آخر نظراً لتحوله إلى هدف متكرر لهجمات الحوثيين في اليمن، المدعومين من طهران.
وفي يوم الخميس، بلغ المؤشر المرجعي لأسعار شحن ناقلات النفط العملاقة على أحد الخطوط الرئيسية بين الشرق الأوسط والصين أدنى مستوياته منذ مطلع يناير، نتيجة ضعف النشاط الاقتصادي العالمي وتراجع صادرات النفط من الموردين. ومع تصاعد التوترات في المنطقة، هناك مخاوف من أن تعلق السفن في المنطقة أو تُمنع من خدمة المسارات التجارية الحيوية التي تعبرها.
أفاد سينغ، من شركة “أويل بروكيريج”، أن ما لا يقل عن 10% من أسطول ناقلات النفط العملاقة على مستوى العالم، أو حوالي 90 ناقلة، متواجدة في منطقة الخليج في أي لحظة، حيث يمر حوالي 20 منها يومياً عبر مضيق هرمز.
يمثل إغلاق مضيق هرمز، الذي يُعد نقطة دخول وخروج الناقلات المتجهة لتحميل الشحنات من كبار منتجي النفط مثل السعودية والإمارات والكويت وحتى إيران، خياراً متطرفاً قد تسعى طهران إلى تجنبه. غير أن رغبتها في الرد تبدو واضحة.
صرح هانز تينو هانسن، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الأمنية “ريسك إنتليجنس” (Risk Intelligence): “إذا قررت إيران توسيع نطاق ردها الانتقامي ضد أطراف أخرى من خلال فرض إغلاق لمضيق هرمز، فإن التأثير سيكون هائلاً”.
ردود فعل سوقية محتملة
قدر خورخي ليون، المحلل بشركة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy A/S)، أنه في حال أقدمت إيران على تعطيل تدفقات النفط عبر الممر المائي، إلى جانب اتخاذ خطوات أخرى مثل استهداف البنية التحتية الإقليمية للنفط الخام أو ضرب الأصول العسكرية الأميركية، فإن رد فعل السوق سيكون “حاداً”، مما سيرفع الأسعار بمقدار 20 دولاراً أو أكثر.
وأشار إلى أن الضربات التي وقعت يوم الجمعة قد تُسهم في تعزيز أعمال الخدمات المساندة التي تضمن سلامة مرور السفن عبر المنطقة. كما ستشهد أسعار ناقلات البضائع السائبة ارتفاعاً هي الأخرى، إذ يسهم الشرق الأوسط بأكثر من 10% من تجارة البضائع السائبة عالمياً، وهي تشمل السلع غير المعبأة مثل الخامات والمعادن، بحسب جايندو كريشنا، مدير شركة “دروري ماريتايم سيرفسيز” (Drewry Maritime Services).
وأضاف كريشنا: “علاوة مخاطر الحرب الإضافية سترتفع بشكل مفاجئ على المسارات من وإلى الشرق الأوسط. ويستغرق الأمر وقتاً لإعادة ضبط سلاسل التوريد”.
إرشادات أمنية صارمة للسفن التجارية
في إشارة على سرعة تفاقم الوضع بالنسبة لشركات الشحن، تحذر شركتان متخصصتان في إدارة المخاطر والأزمات الأمنية السفن التجارية التي تدخل المنطقة من ضرورة اتخاذ احتياطات إضافية أو تجنب الإبحار في تلك المياه بالكامل.
أوضحت إحدى الشركتين، وهي “إي أو إس ريسك غروب” (EOS Risk Group)، في تنبيه اطلعت عليه “بلومبرغ”، أن السفن التي تمر عبر المياه المحيطة بإسرائيل أو إيران أو سوريا أو مصر أو قبرص أو قناة السويس، ينبغي أن تُجري تدريبات طوارئ، وتحافظ على التواصل المستمر مع بعثات أجنبية أو قوات عسكرية محلية، وتفادى وجود أي أفراد على أسطح السفن أثناء العبور. ولم ترد “إي أو إس ريسك غروب” فوراً على طلبات التعليق.
وذكرت مذكرة تحذيرية أخرى، صادرة عن شركة الأمن البحري “أمبري” (Ambrey) واطلعت عليه أيضاً “بلومبرغ”، أن السفن بحاجة إلى إجراء مراجعة دقيقة لأي صلات لها بجهات أو أفراد إسرائيليين، وإعادة توجيه مساراتها بعيداً عن المنطقة إذا لزم الأمر، وذلك على خلفية المخاوف الإسرائيلية من رد انتقامي محتمل من إيران. ولم ترد “أمبري” بدورها على طلب التعليق.