اخر الاخبار

هل آسيا مستعدة لاستراحة الدولار من صعوده الجنوني؟

توقف الارتفاع الملحمي الذي دفع الدولار إلى تحقيق أفضل أداء له منذ ما يقرب من عقد مؤقتاً. وبالنسبة لصُناع السياسات في آسيا، الذين اضطروا إلى اتخاذ قرارات صعبة في عام 2024 بسبب انهيار عملاتهم، فإن التحدي الآن هو كيفية استغلال هذه الهدنة بحكمة.

هذا لا يعني بالضرورة أن الدولار مقبل على عام صعب، فما زالنا في شهر مارس، وقبل 12 شهراً فقط كان العديد من الخبراء الاستراتيجيين متشائمين بشكل خاطئ. كما أنه من المبكر الحديث عن نهاية هيمنته، رغم جهود الرئيس دونالد ترمب لإعادة رسم ملامح المشهدين الاقتصادي والسياسي في هذه الحقبة.

لا تزال الهيمنة الأميركية راسخة في النظام التجاري العالمي، لكن مؤشرات التباطؤ تمنح الأسواق فترة لالتقاط الأنفاس، وهو أمر مرحب به. فقد بدأ الين الياباني في استعادة بعض خسائره بعد هبوطه إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من جيل، كما توقف تراجع الوون الكوري الجنوبي. أما الرينغيت الماليزي والبات التايلندي، فقد شهدا استقراراً بعد فترة صعبة، بينما تعافت الروبية الإندونيسية بعد أن اقتربت من مستوى 16,600 للدولار.

تأثير السياسة النقدية على آسيا

يمكن أن تستفيد معظم هذه الاقتصادات من التحفيز الإضافي، خاصة مع تراجع معدلات التضخم إلى مستوى مريح بالنسبة للبنوك المركزية. ومع ذلك، كانت دورة خفض أسعار الفائدة في جنوب شرق آسيا فاترة. فقد اتخذ المسؤولون خطوات حذرة خوفاً من تراجع أسعار صرف العملات بشكل مفرط. كما أن هناك قلقاً مستمراً بشأن إمكانية تريث بنك الاحتياطي الفيدرالي في تنفيذ التخفيضات المقررة لأسعار الفائدة هذا العام، أو حتى احتمال استئناف رفعها.

ورغم انتقادهم المستمر لحالة عدم اليقين، إلا أن الرسوم الجمركية التي يفرضها البيت الأبيض ثم يعلقها لاحقاً تمثل فرصة جيدة للدول الآسيوية. فقد كان المسؤولون الآسيويون سابقاً في حيرة كبيرة بين تحفيز النمو الاقتصادي ودعم عملاتهم.

تبقى الاقتصادات التي تعتمد على التصدير أكثر عرضة لتداعيات حرب تجارية عالمية، فالصراع الشامل سيسفر عن خسائر فادحة، خاصة بالنسبة للدول التي ازدهرت بفضل سلاسل التوريد. لكن هذا ليس تماماً ما يحدث في الوقت الحالي، بل مجرد تذبذب في قرارات واشنطن بشأن فرض رسوم جمركية على الاقتصادات المجاورة ثم تعليقها، بجانب احتمالات خفض الإنفاق الحكومي بحدة، مما قوض ثقة المستثمرين.

وفي يوم الإثنين، شهد مؤشر “ناسداك 100” أسوأ أداء يومي له منذ عام 2022، بينما ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية، التي تُعتبر عادة ملاذاً آمناً خلال فترات الاضطرابات.

أما الركود في الاقتصاد الأميركي، الذي كان يبدو احتمالاً ضئيلاً قبل بضعة أشهر، فقد أصبح الآن موضع قلق أكبر. وبالتزامن مع هذه المخاوف، عاد مؤشر “بلومبرغ للدولار الفوري” إلى مستوياته في أكتوبر، بعد ارتفاع حاد في أعقاب الانتخابات الرئاسية نوفمبر.

السياسات النقدية في إندونيسيا والفلبين

تُعد إندونيسيا، حيث تلعب تقلبات العملة دوراً كبيراً في رسم السياسات، نقطة انطلاق جيدة لفهم المشهد. فالرئيس يطمح إلى تحقيق نمو أسرع بشكل ملحوظ، بينما يتراجع التضخم، لكن بنك إندونيسيا يواصل اتباع نهج حذر.

ففي خطوة غير متوقعة، قرر المحافظ بيري وارجيو خفض أسعار الفائدة في يناير، لكنه امتنع عن اتخاذ خطوة مماثلة في فبراير. وأوضح للصحفيين أن “الاستقرار هو العامل الأهم لاقتصادنا، ولهذا السبب نتدخل في السوق للحفاظ على استقرار الروبية، لا سيما عندما تحتدم الاضطرابات العالمية”.

أما الفلبين، فيُنظر إلى اقتصادها على أنه لا يحقق الأداء الذي يتناسب مع إمكانياته الحقيقية. ومع ذلك، هناك أسباب قوية تدعو إلى تبني سياسات نقدية أكثر جرأة.

ففي تقرير صدر في 24 فبراير بعنوان “التخلي عن الاحتياطي الفيدرالي”، حثت مجموعة “إتش إس بي سي هولدينغز” (HSBC Holdings) البنك المركزي الفلبيني على اتخاذ خطوات أكثر جرأة. وكتب اقتصاديون في البنك أن السماح للبيزو بالتراجع لن يضر سلطات البلاد، التي سبق وأن خفضت أسعار الفائدة العام الماضي.

الاستقرار النقدي في مواجهة التقلبات العالمية

يمكن للمسؤولين اتخاذ نهج أقل تحفظاً، فقد تدخلوا لمنع تهاوي البيزو إلى مستوى 59 بيزو للدولار. وليس هناك ما يشير إلى أن الفلبين تتلقى تقييمات سلبية، أو حتى أي تقييمات، من الإدارة الأميركية الجديدة. أما قطاع التصنيع، الذي يُعد نقطة ضعف مقارنةً بهيمنة المصانع في ماليزيا وتايلندا، فقد يكتسب قدرة تنافسية أكبر إذا تراجعت قيمة البيزو.

يُعد الاستقرار أمراً إيجابياً، لكنه يبدو أنه عنصر مفقود حالياً في واشنطن. أما في معظم أنحاء آسيا، فلا تزال ذكريات الأزمة المالية 1997-1998 حاضرة في الأذهان. وقد أصبحت أسعار الصرف أكثر مرونة الآن، حيث باتت محاولات دعمها بشكل مصطنع أمراً من الماضي. لكن هذا لا يعني تخلي المسؤولين تماماً عن السوق، إذ لا تزال سوق الصرف الأجنبي عاملاً رئيسياً عند تحديد أسعار الفائدة.

بشكل عام، يميل صناع السياسة النقدية إلى الحذر، وهو أمر يمكن تفهمه. ومع ذلك، فقد أتاح ترمب فرصة لتعزيز النمو الاقتصادي، وكل ما على الدول الآسيوية فعله هو استغلال هذه الفرصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *