اخر الاخبار

حرب الصلب العالمية تشتعل مع أحدث رسوم ترمب الجمركية

يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض رسوم جمركية شاملة على واردات الصلب، معتبراً أنها ستساعد في إنعاش المدن الأميركية المنتجة له. ومع ذلك، ليست الولايات المتحدة وحدها التي تتخذ خطوات سريعة لحماية صناعاتها المحلية، حيث تتجه سوق الصلب العالمية نحو حرب متعددة الجبهات، ويسعى الساسة لاتخاذ إجراءات للحد من واردات هذه السلعة الصناعية الهامة. 

على سبيل المثال، تفرض كوريا الجنوبية وفيتنام تعريفات على الصلب، بينما يشدد الاتحاد الأوروبي تدابير الحماية، وتسعى مصانع في أميركا اللاتينية إلى مزيد من الدعم.

وغالباً ما يكون الهدف من هذه التحركات هو الصين، المنتج المهيمن الذي ارتفعت صادراته في العام الماضي إلى مستويات قياسية تقريباً. وتكمن المخاطرة التي تواجه شركات الصلب حول العالم في أن تعريفات ترمب قد تؤدي إلى تفاقم فائض المعروض، مما يزيد الضغوط على المنتجين والحكومات في وقت تعاني فيه السوق من ضعف الطلب على المعدن بالفعل.

قال توماس غوتيريز، المحلل في شركة الاستشارات “كالانيش كوموديتيز” (Kallanish Commodities Ltd) الذي يتابع الصناعة منذ أكثر من 15 عاماً: “إذا وُضعت قيود أمام دخول السوق الأميركية، فإن جزءاً من هذا الصلب سيتجه إلى أسواق أخرى على الأقل في المدى القصير، وستبحث المزيد من المصانع عن أسواق بديلة”.

الصلب حجر أساس للاقتصاد العالمي

يُعد المعدن الرمادي حجر الأساس للاقتصاد العالمي؛ إذ تطمح معظم الدول الكبرى إلى امتلاك صناعة صلب، بينما تركت علاقاته السياسية المتجذرة المجال مفتوحاً أمام موجات من الحمائية منذ القرن التاسع عشر. وبالنسبة إلى ترمب وآخرين، لا يزال المعدن يمثل رمزاً للقوة التصنيعية حتى اليوم. 

تدخل تعريفات ترمب البالغة 25% على جميع واردات الصلب، وكذلك الألمنيوم، حيز التنفيذ يوم الأربعاء. وتعزز هذه الخطوات الجديدة التدابير التجارية التي اتخذها في ولايته الأولى، حيث تلغي إعفاءات كانت ممنوحة للعديد من الدول، وتوسع نطاقها لتشمل فئات جديدة من المنتجات.

بعد ساعات من دخول تعريفات المعادن حيز التنفيذ، تعهدت المفوضية الأوروبية باتخاذ تدابير مضادة سريعة ضد الواردات الأميركية إلى أوروبا، بما يشمل الصلب والألمنيوم ومنتجات صناعية أخرى. أوضحت المفوضية أن الإجراءات ستنطبق على صادرات أميركية بقيمة تصل إلى 26 مليار يورو (28.4 مليار دولار)، لتعويض التأثير الاقتصادي لتعريفات ترمب الجديدة.

تعد هذه الحواجز التجارية الأوسع نطاقاً منذ عامي 2015-2016، إذ تهدد بزيادة تكاليف كل شيء، من صناعة السيارات إلى بناء البنية التحتية، مما يفاقم الاضطرابات الاقتصادية، ويؤدي إلى فقدان الوظائف في القطاعات التي تعتمد على الصلب. على عكس الخطوات السابقة التي كانت تستهدف فئات محددة، فإن هذه الجولة تستخدم إجراءات شاملة، ما يؤثر على كميات أكبر ومسارات تجارية رئيسية.

النتيجة التي يخشاها منتجو الصلب هي إعادة توجيه فائض المعروض من الصين ودول أخرى إلى أسواق تعاني بالفعل من الضغوط.

هذا تحديداً ما يقلق صناع الصلب في أوروبا. خلال الفترة الرئاسية الأولى لترمب، مقابل كل ثلاثة أطنان لم تصل إلى الولايات المتحدة، انتهى المطاف بطنين في أوروبا، وفقاً لمنظمة “يوروفر” التي تمثل منتجي الصلب في الاتحاد الأوروبي.

قال المدير العام للمنظمة، أكسل إيغيرت، للصحفيين في بروكسل الأسبوع الماضي: “إن 18 مليون طن، التي تستوردها الولايات المتحدة اليوم مع إعفاءات، سيتعين عليها إيجاد سوق بديلة. فهم يبحثون عن سوق مفتوحة تتمثل في الاتحاد الأوروبي”. 

توقيت سيئ للرسوم الجمركية

يرتكز جانب أساسي من مبررات ترمب لفرض الرسوم الجمركية على الصين إلى أنه يرى أن الصلب الصيني يغرق الأسواق العالمية، مما يدفع الدول الأخرى إلى تصدير المزيد إلى الولايات المتحدة. أشار إلى البرازيل والمكسيك والأرجنتين كأطراف مساهمة في هذه الظاهرة. كما ألقى باللوم على دول أخرى لعدم اتخاذها إجراءات كافية لمعالجة تضخم قطاع الصلب الصيني.

يسيطر هذا القطاع على معظم الأسواق العالمية، إذ توسع بشكل كبير خلال العقدين الأولين من القرن الحالي لدعم التنمية الحضرية وتعزيز القوة الصناعية للصين. لكن في السنوات الخمس الأخيرة، تراجع الطلب جزئياً نتيجة للجائحة وأزمة العقارات في البلاد، إلا أن الإنتاج السنوي ظل ثابتاً فوق مليار طن، مما أدى إلى زيادة الصادرات.

أثار هذا الارتفاع بالفعل موجة من ردود الفعل من الشركاء التجاريين الذين يخشون الآن الحاجة إلى تعزيز الحماية بشكل أكبر.

فرضت فيتنام وكوريا الجنوبية، وهما أكبر مستوردي الصلب الصيني ومن كبار المصدّرين أيضاً، تعريفات على لفائف الصلب المدرفلة على الساخن، وهو منتج شائع الاستخدام يشكل جزءاً كبيراً من التدفقات التجارية العالمية. كما أطلقت تايوان تحقيقاً لمكافحة الإغراق، في حين أوصت الهيئة التجارية في الهند بفرض تعريفات واسعة على واردات الصلب، وفقاً لتقرير محلي.

قال بيتروغ مايسينسي، رئيس رابطة أنابيب المعادن والصلب المشكّل على البارد في تايلندا: “منتجو الصلب في تايلندا سيواجهون تحديات أشد صعوبة. نحن بالفعل نمرّ بفترة عصيبة بسبب تدفق منتجات الصلب الصينية، حتى مع اتخاذ الحكومة بعض إجراءات مكافحة الإغراق لحماية المنتجين المحليين”.

وأضاف: “هناك قلق آخر يتمثل في أن التعريفات المفروضة على منتجات الصلب من دول أخرى قد تدفع هذه الدول، وليس الصين وحدها، إلى تصريف منتجاتها في السوق التايلندية. ولاحظنا بالفعل زيادة واضحة في منتجات الصلب القادمة من فيتنام”.

في الوقت ذاته، يراجع الاتحاد الأوروبي ضوابطه على الواردات بعد زيادة التدفقات من وجهات غير معتادة، بالتزامن مع تراجع الطلب في أوروبا.

الصين تغرق سوق الصلب

وفقاً لـ”سوق معادن شنغهاي”، وهي جهة بحثية صينية، بلغ إجمالي حجم الصلب الصيني المتأثر بقضايا مكافحة الإغراق أكثر من 30 مليون طن بحلول نهاية فبراير، أي ما يزيد عن ربع الصادرات الصينية العام الماضي.

قال توماس غوتيريز من “كالانيش” إن الصين سبق أن نجت من قيود التصدير في الماضي عبر التحول إلى منتجات صلب مختلفة، أو إيجاد وجهات جديدة. لكنه حذّر من أنه إذا لم تتمكن بكين من فعل ذلك هذه المرة، فقد تتلقى الصناعة المحلية ضربة قاسية. وأضاف: “المخاطرة هي أن تصبح الأمور مقيّدة إلى حد كبير لدرجة الوصول إلى نقطة تحول”.

سجلت أكثر من 30 قضية جديدة لمكافحة الإغراق خلال عام 2024، وفقاً لمعهد التخطيط والبحث لصناعة المعادن في الصين، وهو هيئة مرتبطة بالحكومة، حيث حذر من تدهور أوضاع التصدير.

تتوقع مجموعة “سي آر يو” (CRU) للاستشارات في السلع الأساسية أن تنخفض صادرات الصلب الصينية بنسبة تصل إلى 17% هذا العام، ويرجع ذلك جزئياً إلى ردود الفعل التجارية العالمية.

كل ذلك يزيد الضغط على قطاع الصلب الصيني لتقليص فائض الإنتاج. وخلال الاجتماعات التشريعية السنوية للحكومة في بكين الأسبوع الماضي، تعهد صانعو السياسات بخفض الطاقة الإنتاجية الفائضة في قطاع الصلب وغيره من الصناعات، وذلك بعد ما يقرب من عقد من آخر دفعة كبيرة لما يُعرف بإصلاح جانب العرض.

لكن هذه المرة، هناك دعم أقل من الحوافز الحكومية، كما أن الاقتصاد تطور ليصبح أقل اعتماداً على الصلب مقارنة بالماضي. وربما تواجه الصين لحظة الحسم التي يرى ترمب ومؤيدوه أنها تأخرت طويلاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *