أوروبا تستعد للشتاء بمخزونات غاز مطمئنة.. والأسواق تلتقط أنفاسها

تستهل أوروبا موسم التدفئة بمخزونات غاز أكبر وأسواق أكثر استقراراً مما توقعه الكثيرون، لكن الاختبار الحقيقي لقدرتها على الصمود في مجال الطاقة سيبدأ في الأشهر المقبلة.
تدخل مرافق التخزين في شتى أنحاء الاتحاد الأوروبي، وهي الدرع الأساسي للمنطقة في مواجهة قفزات الطلب، شهر أكتوبر بنسبة امتلاء تتجاوز 82% بعد حملة تعبئة مكثفة خلال الصيف. ورغم أن ذلك يمنح قدراً من الطمأنينة لأسواق الغاز التي عانت فترة مضطربة في بداية العام، ينتظر التجار ليروا إن كان حلول شتاء قارس البرودة سيؤدي لعودة التقلبات في 2026.
قال آرن لومان راسموسن، كبير المحللين في شركة “إيه/إس غلوبال ريسك مانجمنت” (A/S Global Risk Management): “نحن في وضع جيد نسبياً، لكن السؤال الجوهري هو إن كان الشتاء المقبل هو الأخير الذي تظل فيه الأسواق أسيرة القلق بشأن إمدادات الغاز”.
الغاز بعد حرب أوكرانيا
احتياطيات الغاز في أوروبا، التي تلبي عادةً نحو ثلث الطلب الشتوي، لا تزال مؤشراً مهماً على مدى قدرة المنطقة على تجاوز أزمة الطاقة التي أشعلتها الحرب الروسية في أوكرانيا. ويتوقع كثير من المحللين أن تبدأ إمدادات الغاز العالمية في التحول إلى فائض في عام 2026، ما يُسهل عمليات التخزين مستقبلاً ويوفر متنفساً طال انتظاره للمستهلكين الأوروبيين الذين أنهكتهم سنوات من التقلبات.
اقرأ أيضاً: تجار الغاز في أوروبا يراهنون بالفعل على قفزة الأسعار الصيف المقبل
تراجعت الأسعار بقوة عن ذروتها التي سجلتها خلال أزمة 2022، لكن القلق عاد ليخيم على الأسواق في وقت سابق من هذا العام بعدما أدت برودة الطقس وضعف إنتاج طاقة الرياح وتوقف بعض الإمدادات الروسية إلى استنزاف الاحتياطيات إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات. كما تعرضت الأسواق لهزة بفعل مخاوف من تدخل حكومي في ألمانيا، وسط قفزات سعرية بسبب المضاربة هددت الجدوى الاقتصادية لعمليات التخزين.
تمكنت أوروبا في نهاية المطاف من استقطاب شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال هذا الصيف مع بقاء الطلب الصيني ضعيفاً، بينما أسهم انخفاض الاستهلاك الصناعي في توفير المزيد من الإمدادات. ونتيجة لذلك، ارتفع معدل تعبئة مرافق التخزين بين أبريل وسبتمبر بواقع الثلث عنه قبل عام، وفق بيانات “غاس إنفراستركتشر يوروب” (Gas Infrastructure Europe) التي جمعتها “بلومبرغ”.
إلا أن وتيرة إعادة الملء تباطأت في الأسابيع الأخيرة بفعل أعمال موسمية في النرويج والجزائر، إلى جانب موجة برد مبكرة. ومع ذلك، يُرجّح أن ترتفع المخزونات إلى نحو 89% بحلول نهاية أكتوبر، وهو مستوى وصفه توم مارزيك-مانسر، مدير شؤون الغاز والغاز الطبيعي المسال في أوروبا لدى “وود ماكنزي” (Wood Mackenzie)، بأنه “أكثر من كافٍ لتأمين الإمدادات الأوروبية خلال فصل الشتاء”.
تفاوت التخزين بين الدول
تتفاوت مستويات التخزين بين دول الاتحاد الأوروبي. فقد تجاوزت المخزونات في فرنسا حاجز 90% وتعمل بنشاط على الترويج لمخزوناتها للعام المقبل، بينما تتخلف ألمانيا، أكبر مستهلك في المنطقة، عن الركب. فقد بلغ مستوى الامتلاء في مرفق “ريدن” العملاق 29% فقط، مقارنة مع المستوى المستهدف عند 45%، رغم أن إجمالي الاحتياطيات يُعد كافياً لتلبية الاحتياجات.
أوروبا تخطط للتخلص من الغاز الروسي المسال قبل نهاية 2027
وأكدت شركة “تريدينغ هاب يوروب” (Trading Hub Europe GmbH)، الجهة المسؤولة عن إدارة سوق الغاز الألمانية، أن “وضع التخزين تطور بشكل إيجابي للغاية”.
في المملكة المتحدة، حيث تُعد السعة التخزينية من بين الأدنى في أوروبا، لم تتم إعادة ملء أكبر مرفق هذا الصيف لتعويض الفقد، ما جعل البلاد أكثر اعتماداً على الواردات، ولاسيما الغاز الطبيعي المسال.
اختبارات الشتاء المقبل
الأشهر المقبلة ستمثل اختباراً لمدى جاهزية المنطقة، إذ تستعد القارة لبداية أكثر برودة لشهر أكتوبر مع تراجع في معدلات الرياح طوال الشهر، بحسب بيانات شركة “أتوموسفيريك جي2” (Atmospheric G2)، الأمر الذي قد يزيد من أهمية الغاز في توليد الكهرباء.
كما أن شتاءً قاسياً في أوروبا أو آسيا قد يؤدي إلى انحسار المعروض سريعاً، في حين أن العقوبات الجديدة على الصادرات الروسية أو الصدمات الجيوسياسية الأخرى قد تعيد إشعال التقلبات.
وبافتراض عدم حدوث اضطرابات مفاجئة، من المتوقع أن تنهي أوروبا موسم التدفئة الحالي بمستويات تخزين غاز تبلغ نحو 33% فقط، أي أقل بكثير من متوسط الخمس سنوات البالغ 45%، وفقاً لتوقعات “بلومبرغ إن إي إف” (BloombergNEF). وقد تهبط النسبة إلى 22% إذا كان الشتاء أكثر برودة من المعتاد.
وقال سدنان علي، محلل النفط والغاز في بنك “إتش إس بي سي هولدينغز” (HSBC Holdings Plc): “إن الفائض المرتقب في الغاز الطبيعي المسال سيخفف من اختلالات التوازن في السوق”، لكن “سيبدو التوازن أكثر صرامة إذا جاء الشتاء أبرد من المتوسط”.