لماذ يعتقد ترمب بأحقية أميركية في نفط فنزويلا؟

صعّدت الولايات المتحدة ضغوطها على حكومة فنزويلا بسلسلة إجراءات تهدف إلى كبح جماح صادرات النفط الحيوية للبلاد، بما في ذلك فرض حصار على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات والمتجهة من وإلى البلاد.
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكبار مسؤولي إدارته إن أهدافهم الرئيسية هي وقف تدفق المخدرات غير المرخصة من البلاد وإجبار الرئيس نيكولاس مادورو على التنحي عن السلطة.
لكن لعقود، هيمنت الشركات الأميركية على إنتاج النفط الفنزويلي قبل أن تؤمّم معظم عملياتها في أوائل العقد الأول من الألفية الثانية. وقد صرّح ترمب ونائب رئيس أركان البيت الأبيض ستيفن ميلر بأن هذا التاريخ يحفز العدوانية الأميركية المتزايدة. ويقول مسؤولون فنزويليون إن نوايا الأميركيين واضحة لا لبس فيها: الاستيلاء على احتياطيات النفط الفنزويلية، وهي الأكبر في العالم.
إليكم أهم ما يجب معرفته عن صناعة النفط الفنزويلية في ظل العملية الأميركية:
ما الإجراءات التي اتخذتها أميركا للحد من صادرات النفط الفنزويلية؟
اعترضت القوات الأميركية ناقلة نفط وصادرتها قبالة سواحل فنزويلا في 10 ديسمبر. ويُزعَم أن السفينة كانت ترفع علم غيانا، لكن إدارة الملاحة البحرية في تلك البلاد نفت أي صلة لها بالناقلة. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على ناقلة النفط عام 2022 لدعمها صادرات النفط الإيرانية. وأعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تعتزم الاحتفاظ بالنفط الموجود في الناقلة المصادرة.
كما فرضت واشنطن عقوبات جديدة على ست سفن تنقل نفطاً فنزويلياً، ما أجبر ناقلات النفط على تجنب الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية. وبذلك، تكون الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على أكثر من 100 ناقلة نفط لتورطها في تجارة النفط الفنزويلية أو لتصنيفها في فئات ضمن قائمة الدول الإرهابية العالمية المصنفة بشكل خاص.
اقرأ أيضاً: واشنطن تلاحق ناقلة نفط ثالثة مع تشديد حصار ترمب على فنزويلا
أعلن ترمب لاحقاً فرض حصار على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات. تُعدّ صادرات النفط المصدر الرئيسي لإيرادات فنزويلا.
إضافة إلى الإجراءات الرامية إلى الحدّ من صادرات النفط، نشرت الولايات المتحدة سفناً وطائرات حربيةً وقوات قرب فنزويلا، ونفّذت سلسلة غارات جوية على قوارب صغيرة في المنطقة يزعم مسؤولون أميركيون أنها تابعة لعصابات مخدرات. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل العشرات. وقد ألمح ترمب إلى أن البنتاغون قد يشنّ غارات برية لاحقاً.
ما هو تأثير الإجراءات الأميركية الأخيرة؟
شحنت فنزويلا ما يُقارب 630 ألف برميل من النفط الخام يومياً في المتوسط هذا العام، وفقاً لبيانات تتبع السفن التي جمعتها “بلومبرغ”. ويُرجح أن يؤثر الحصار بشكل مباشر على حوالي 500 ألف برميل يومياً من هذا البلد الواقع في أميركا الجنوبية، حسبما أفادت بلومبرغ نيوز.
جاء في مذكرة من “بلومبرغ إيكونوميكس” أن ارتفاع خطر المصادرة يعني أن مشغّلي ناقلات النفط لا يُرجّح أن يختبروا عزيمة الولايات المتحدة ويخاطروا بفقدان سفنهم.
الحصار الأميركي قد يجبر فنزويلا على إغلاق آبار نفط خلال أيام
قد يتعطل إنتاج النفط الخام في البلاد قريباً بسبب نقص النافتا المستوردة، وهي مُنتج من مكررات النفط يستخدم لتحويل النفط الفنزويلي، السميك إلى مادة سائلة بما يكفي للاستخدام التجاري. وقد عادت ناقلة تحمل النافتا، كانت في طريقها إلى فنزويلا، أدراجها بعد مصادرة ناقلة أخرى تحمل نفطاً جلبته من البلاد.
هل يرجح أن تستولي أميركا على أصول النفط الفنزويلية؟
قالت الحكومة الفنزويلية في بيان بعد مصادرة الولايات المتحدة لناقلة النفط: “لقد تكشفت أخيراً الأسباب الحقيقية للعدوان على فنزويلا. لطالما كان الأمر يتعلق بمواردنا الطبيعية، بنفطنا”.
لم تلمّح إدارة ترمب صراحة إلى أن الولايات المتحدة ستستولي على أصول النفط الفنزويلية. ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن الحملة العسكرية الحالية في منطقة الكاريبي تهدف إلى تعطيل تهريب المخدرات في المنطقة.
تقول الإدارة إن مصادرة ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات ومعاقبة شركات شحن النفط تقطع مصادر الإيرادات التي تمول جماعات تهريب المخدرات. وقد اتهم ترمب مادورو بتدبير تجارة المخدرات الفنزويلية من أعلى مستويات الحكومة، وقال إن مادورو “أيامه باتت معدودة”.
اقرأ أيضاً: ما الذي يعنيه قرع ترمب طبول الحرب لقطاع النفط في فنزويلا؟
لكن ترمب أوضح أيضاً رغبته في الاستيلاء على النفط الفنزويلي. فقد صرح بأن الحصار المفروض على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات، المتجهة من وإلى البلاد، سيستمر “إلى حين إعادة جميع النفط والأراضي والأصول الأخرى التي سرقوها منا إلى الولايات المتحدة”. ولم يوضح ترمب ماهية الأراضي و”الأصول الأخرى” التي كان يقصدها.
في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصف ميلر المصادرة بأنها ظلمٌ بحق الولايات المتحدة. وكتب: “لقد ساهم عرق الأميركيين وإبداعهم وكدحهم في بناء صناعة النفط في فنزويلا. وكانت مصادرتها الاستبدادية أكبر عملية سرقة مسجلة للثروة والممتلكات الأميركية”.
في خطاب في عام 2023، كان ترمب أكثر وضوحاً بشأن مطامعه في نفط البلاد. وقال، في إشارة إلى نهاية ولايته الأولى في البيت الأبيض: “عندما غادرت، كانت فنزويلا على وشك الانهيار. كنا سنستولي عليها، وكنا سنحصل على كل ذلك النفط، وكان سيصبح على مقربة منا”.
ما هو وضع صناعة النفط في فنزويلا اليوم؟
انخفض إنتاج النفط الخام في فنزويلا بأكثر من 70% منذ ذروته في أواخر التسعينيات، عندما كانت تضخ أكثر من 3.2 مليون برميل يومياَ. تحتل فنزويلا الآن المرتبة 21 فقط بين منتجي النفط في العالم؛ ويُتوقع أن يتجاوز إنتاجها في السنوات المقبلة إنتاج جارتها غيانا، النجمة الصاعدة، بالإضافة إلى الأرجنتين، التي كانت تاريخياً منتجاً ثانوياً.
برغم حالة القطاع، ما تزال صادرات النفط المصدر الرئيسي للدخل في فنزويلا، مع أن مادورو ركز على تنويع اقتصادها في السنوات الأخيرة. يأتي ما لا يقل عن 95% من إيرادات البلاد الخارجية من مبيعات النفط.
ما الذي أدى إلى تدهور صناعة النفط في فنزويلا إلى هذا الحد؟
يعود انهيار قطاع النفط في فنزويلا إلى أوائل العقد الأول من هذا القرن، عندما فرضت الثورة الاشتراكية بقيادة الرئيس الراحل هوغو تشافيز سيطرة الدولة المشددة على هذا القطاع، ما أدى إلى طرد الاستثمارات الأجنبية وترسيخ الفساد وسوء الإدارة.
تم تأميم عمليات الحفر المحلية لشركات غربية كبرى، من بينها “كونوكو فيليبس” و”إكسون موبيل”، بعد تعديل قانوني جعل شركة النفط الحكومية الفنزويلية، “بتروليوس دي فنزويلا” (PDVSA)، المُساهم الأكبر في مشاريعها. وغادرت شركات أخرى، مثل “توتال إنيرجيز”، البلاد طواعية.
“شيفرون” توافق على تسليم نسبة من إنتاج النفط في فنزويلا للحكومة
شملت إصلاحات تشافيز تفكيك نظام الجدارة في شركة “بتروليوس دي فنزويلا” وتعيين عدد كبير من الموالين للحزب في الشركة. تلت ذلك سلسلة حوادث طالت خطوط الأنابيب ومنشآت النفط، بما في ذلك انفجار عام 2012 في مجمع مصفاة كاردون، إحدى أكبر المصافي في العالم، ما أدى إلى انهيار الإنتاج وإجبار الدولة العضو في أوبك على استيراد الوقود لتلبية احتياجاتها.
رغم ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أكثر من 100 دولار في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، إلا أن القطاع تعرض لمزيد من الاصطدام بقضايا غسيل الأموال والاتهامات الدولية الموجهة لمسؤولين. هناك أيضاً دور الضغط الأميركي. فقد جعل أكثر من مئة عام من التدخل الأميركي في صناعة النفط الفنزويلية فنزويلا واحدة من أقوى حلفاء واشنطن الإقليميين. إلا أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات مالية على شركة النفط الفنزويلية ”بتروليوس دي فنزويلا“ في عام 2017، وعقوبات تشغيلية في عام 2019. وتحظر هذه العقوبات معظم عمليات تجارة النفط والتمويل مع ”بتروليوس دي فنزويلا“، مع السماح ببعض الاستثناءات المرخصة.
وقد أدت هذه القيود إلى تدهور مرافق ”بتروليوس دي فنزويلا“، التي تعتمد بشكل كبير على التقنية الأميركية التي منعت الشركة الآن من استيرادها.
هل ما تزال شركات نفط أجنبية تعمل هناك؟
نعم. إن شركة ”شيفرون“، عملاقة النفط التي تتخذ في هيوستن مقرا لها، والحائزة على ترخيص أميركي يسمح بعمليات مشتركة محدودة مع ”بتروليوس دي فنزويلا“ لإنتاج النفط وشحنه إلى مصافي التكرير في الولايات المتحدة وساحل الخليج، آخر شركة أميركية ما تزال تعمل بعد انسحاب شركات كبرى أخرى، منها”كونوكو“ و“إكسون“ و“توتال“ و“شل“ و“إكوينور“.
اقرأ أيضاً: “شيفرون” تحاول إقناع ترمب بالاستمرار في فنزويلا
تتواجد شركات ”ريبسول“ الإسبانية و“إيني“ الإيطالية و“موريه إيه بروم“ الفرنسية، وتشارك شركة النفط الفنزويلية ”بتروليوس دي فنزويلا“ في مشاريع النفط والغاز.
لقد أدت العقوبات الأميركية إلى تثبيط عزيمة روسيا والصين، الحليفتين السياسيتين لفنزويلا منذ زمن طويل، عن توسيع شراكاتهما مع شركة النفط الفنزويلية ”بتروليوس دي فنزويلا“. ونقلت شركة ”روسنفت“ الروسية الحكومية للنفط بنقل أصولها في البلاد إلى شركة بديلة غير خاضعة للعقوبات – وهو حل قانوني بديل – بينما حافظت شركة“تشاينا ناشيونال بيتروليوم“ التي تملكها الدولة على وجود محدود في البلاد خلال السنوات الأخيرة.
ما هي أكبر الدول المستوردة للنفط الخام الفنزويلي؟
إن الصين هي أكبر مُستورد للنفط الخام الفنزويلي بفارق كبير. وتصدر فنزويلا النفط إلى الصين عبر ما يعرف بأسطول “السفن الأشباح” التي تخفي مصدر النفط لتجنب العقوبات. وتشتري الصين النفط الفنزويلي عبر مصافي تكرير مستقلة، تعرف باسم “مصافي الشاي”، وتتركز معظمها في مقاطعة شاندونغ الصينية.
إضافة إلى ذلك، تلبي أنواع النفط الثقيلة في فنزويلا الطلبَ المحدد على النفط الخام الثقيل المستخدم في صناعة الأسفلت في الولايات المتحدة، حيث تم تجهيز بعض المصافي خصيصا لمعالجة هذا النفط.
هل سترتفع أسعار النفط إذا شنت أميركا هجوماً على فنزويلا؟
على الأرجح لا. يقول فرانسيسكو مونالدي، مدير سياسات الطاقة في أميركا اللاتينية بمعهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس: “إن الهجمات المنفردة على مواقع تهريب المخدرات، مثل مهابط الطائرات أو المختبرات، سيكون لها تأثير ضئيل على الأسعار. سيستوعب السوق هذا التأثير بسرعة”.
ويعود هذا الاستيعاب المحتمل إلى مساهمة فنزويلا الضئيلة في السوق العالمية – إذ لا تتجاوز حصتها 1% من الإنتاج العالمي – وإلى فائض النفط الخام العالمي الذي يتوقعه المحللون.



