لماذا سيستمر مسعى تعزيز قوة اليوان؟

بعد مضي عقدين على بدء الصين السماح بتقلب عملتها، تقف السلطات مجدداً عائقاً أمام ارتفاع قيمتها. وهذا يذكرنا بأن قرار عام 2005 بفك ارتباط اليوان بالدولار، على الرغم من أهميته، جاء مشروطاً.
بينما لم تبتعد بكين قط عن سوق الصرف الأجنبي، فإن تدخلاتها الأخيرة جديرة بالملاحظة. فهي تشير إلى رغبة في الحفاظ على الصادرات التي أصبحت أكثر تنافسية بفضل ضعف العملة، مع قلق من أن يكون أداء الاقتصاد المحلي أضعف مما تشير إليه أرقام النمو الرسمية.
تكمن المشكلة في أن هذا الوضع لا يُرجح أن يكون تلقائي الحل. فقد ارتفعت الصادرات بأكثر من المتوقع في نوفمبر، وفقاً للأرقام الصادرة الأسبوع الماضي، وتجاوز الفائض التجاري تريليون دولار لأول مرة. في المقابل، يُتوقع أن تشير مجموعة من البيانات التي ستصدر لاحقاً هذا الشهر إلى صورة باهتة للاقتصاد المحلي.
لم يتأثر اليوان سلباً في عام 2025، إذ ارتفع بنسبة تقارب 4% مقابل الدولار، ويتجه نحو تحقيق أفضل أداء سنوي له في خمس سنوات. إلا أن هذه المكاسب متواضعة، بالنظر إلى الأداء المتواضع للدولار.
الصين تنتظر بيانات اقتصادية باهتة وسط ضعف الطلب المحلي
في المقابل، حقق الرينغيت الماليزي والبات التايلندي والدولار السنغافوري والتايواني أداءً أفضل بكثير. ويرغب المستثمرون في رفع قيمة اليوان، لكنهم يواجهون مقاومة مستمرة من بنك الشعب الصيني.
إحدى الطرق الرئيسية التي يستخدمها البنك المركزي للإشارة إلى نواياه هي تحديد سعر مرجعي للعملة؛ حيث يحاول المتعاملون التنبؤ بنقطة بداية التداول اليومي. في الأسبوع الماضي، كان سعر التثبيت أضعف بكثير من المتوقع. وعززت البنوك الحكومية رسالة التريث، فاشترت الدولار لكبح جماح اليوان.
تدرك بكين قوة الأسواق. ارتفع حجم تداول العملات الأجنبية إلى 9.6 تريليون دولار يومياً، مقارنةً مع 1.9 تريليون دولار فقط عندما توقف العمل بنظام تثبيت سعر صرف اليوان عند 8.3 يوان للدولار في عام 2005. وبلغ سعر صرفه حوالي 7 يوانات للدولار يوم 8 ديسمبر.
قوة الصادرات عنصر أساسي في سياسة العملة
لا يكمن سبب رفض الحكومة في ارتفاع سعر الصرف بحد ذاته، بل في التحركات السريعة، ويجب أن تعكس القرارات المتعلقة بوتيرة التغيير ودرجته دائماً ما يراه كبار المسؤولين مصلحة وطنية شاملة.
يكمن التحدي في كيفية الحفاظ على قوة الصادرات، مع الإقرار بالأسباب الكامنة وراء الضغط من أجل ارتفاع قيمة اليوان: انتعاش أسواق الأسهم المحلية، الذي يجذب الأموال إلى البلاد، وتخفيف حدة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، الذي يميل إلى دعم الأسواق الناشئة عموماً.
ماذا سيحدث لو سمحت الصين بارتفاع أكبر في اليوان؟
لطالما اشتكى الرئيس دونالد ترمب من أن مجموعة من الدول، بما فيها الصين، تتآمر لإبقاء عملاتها ضعيفة بشكل مصطنع “لاستغلال” الولايات المتحدة. لكن في الجولة الأخيرة من المحادثات بين البلدين، لم يكن اليوان نقطة خلاف، وانخفضت الرسوم الجمركية من مستويات كانت ستشل الاقتصاد.
يبدو أن واشنطن وبكين راضيتان بالتوصل إلى اتفاقيات جزئية كل بضعة أشهر لمنع تدهور العلاقات. وقد يعرّض عدم السماح بأي مكاسب لليوان هذا الانفراج النسبي للخطر.
ينبغي على الرئيس شي جين بينغ أن يذهب أبعد من ذلك ويسمح له بالارتفاع أكثر. فبحسب مسؤولين أميركيين سابقين، قد يكون اليوان مقوماً بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة تصل إلى 18%، استناداً إلى تقديرات صندوق النقد الدولي.
ويتوقع عدد من البنوك الكبرى، ومنها مجموعة ”غولدمان ساكس“، ارتفاعاً في قيمته العام المقبل. ويرى اقتصاديون صينيون بارزون، مع حرصهم على عدم توجيه انتقادات لاذعة في تعليقاتهم، مجالاً واسعاً للارتفاع.
تحفيز الطلب المحلي
بل قد يساعد ذلك الاقتصاد – على المدى الطويل – من خلال تحفيز الطلب المحلي. ويبقى السؤال: هل ستقنع الاضطرابات والصعوبات قصيرة الأجل كبار صانعي السياسات بأن هذه ستكون خطوة جديرة بالاهتمام؟
قال مياو يانليانغ، كبير الاستراتيجيين في شركة ”تشاينا إنترناشيونال كابيتال“ (China International Capital)، والخبير الاقتصادي السابق في هيئة تنظيم سوق الصرف الأجنبي، إن الوقت قد حان للسماح لليوان بالارتفاع قليلاً.
يُرجح أن يظل الدولار ضعيفاً لبضع سنوات. وطبيعي أن ترتفع العملات الأخرى في ظل هذه الظروف؛ أما كبح اليوان فسيؤدي إلى انخفاض قيمته مقابل عملات الشركاء التجاريين الآخرين.
لكن هذا لا يخلو من مخاطر. فقد كانت الصين تتجنب الانكماش، وقد يؤدي ارتفاع قيمة العملة إلى تفاقم الصعوبات. يحتاج النشاط الاقتصادي إلى دفعة في قطاعات أخرى: كانت مبيعات التجزئة مخيبة للآمال، إلى جانب الإنتاج الصناعي والتوظيف، بينما يعاني الاستثمار من الركود. من خلال خفض تكلفة الواردات، يمكن جعلها أكثر جاذبية للمستهلكين.
صندوق النقد: اليوان الضعيف يغذي طفرة صادرات الصين ويهدد بتوترات تجارية
إن فكرة إعادة توازن الاقتصاد الصيني بعيداً عن الصادرات فكرة مألوفة. وهي تكمن وراء كثير من دعوات رفع قيمة العملة خلال العشرين عاماً مضت منذ فك الارتباط الصارم مع الصادرات. وكان ذلك أحد الحجج المؤيدة لإصلاح قواعد التجارة في عام 2005، إلى جانب إحباط مشاريع القوانين الحمائية في الكونغرس الأميركي.
الآن، يوجد في البيت الأبيض مؤيدٌ متحمسٌ للحواجز التجارية. كل ما يهم هذه الأيام هو انتزاع تنازلات من الصين لحثّ الصين على شراء المزيد من فول الصويا والسماح للغرب بشراء المعادن النادرة الضرورية للصناعات الحديثة.
إن تشجيع اليوان على تعزيز قوته، أو عدم الوقوف في وجهه بقوة، أمر منطقي. البديل هو تحرك مفاجئ، وما يترتب عليه من اضطرابات. في عام 2005، فعلت الصين ما يكفي لتثبيط حجج المراهنين على ارتفاع اليوان. وهو نهج جيد يمكن اتباعه اليوم، فالضغط ليس متجهاً إلى زوال.


