اخر الاخبار

اقتصاد أميركا لن يستفيد كثيراً من خفض الفيدرالي أسعار الفائدة مجدداً

يستعد مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة مرة أخرى الأسبوع المقبل، لكن أي تأثير إيجابي على الاقتصاد قد يستغرق وقتاً أطول من المعتاد للظهور، وربما يتراجع بفعل عوامل لا يمكن للسياسة النقدية التحكم فيها.

قد تشهد القطاعات الأكثر حساسية لأسعار الفائدة، مثل الإسكان، استفادة محدودة من تراجع تكاليف الاقتراض، لأن أسعار المنازل ما تزال بالقُرب من مستوياتها القياسية، إضافة إلى أن الأميركيين يشعرون بالقلق تجاه سوق العمل. أما قطاعات أخرى، مثل التصنيع، فقد قلصت استثماراتها بسبب الرسوم الجمركية المتقلبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو عامل لن يغيره خفض الفائدة كثيراً.

تأثير الاحتياطي الفيدرالي الأميركي

مع هذه التحديات، فإن الإطار الزمني المعتاد لبدء تأثير سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على المستهلكين والشركات -الذي قد يمتد حتى 18 شهراً- قد لا يكون قابلاً للتطبيق في الاقتصاد الأميركي الحالي.

طالع المزيد: توقعات بخفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة مرتين في 2026

قالت كاثي بوستجانسيتش، كبيرة خبراء الاقتصاد في شركة “نيشنوايد ميوتوال إنشورنس” (Nationwide Mutual Insurance): “أوقفت الشركات التوظيف، ليس لأن أسعار الفائدة مرتفعة فحسب، بل لأنها في الأساس تراجعت بسبب عدم اليقين بشأن تأثير الرسوم الجمركية والتغييرات الأخرى في السياسات الاقتصادية. وإذا استمر مستوى عدم اليقين بهذا الارتفاع، فقد يطيل ذلك فترة التأثير وامتداد أثره على الاقتصاد”.

عندما يجري بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تعديلاً على سعر الفائدة الرئيسية، تتفاعل الأسواق المالية وفقاً لذلك. لكن غالباً ما تكون تحركات البنك المركزي مُعلنة مسبقاً، ما يعني أن توقعات المستثمرين تكون منعكسة بالفعل على أسعار الأسهم والسندات قبل اتخاذ القرار. هذا ما ينعكس بشكل أسرع على القروض الجديدة مثل السيارات والرهون العقارية، فيما يستغرق تأثير خفض الفائدة وقتاً أطول على الديون الاستهلاكية والتجارية القائمة، لأنها غالباً ذات معدل فائدة ثابت.

ارتفعت أسعار الفائدة على قروض السيارات والرهون العقارية والقروض الطلابية وبطاقات الائتمان من بين أولى المعدلات التي قفزت عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع الفائدة في 2022. لكنها لم تتراجع بالقدر نفسه خلال دورة الخفض، ما أدى إلى تفاقم أزمة القدرة على تحمل تكاليف شراء السيارات والمنازل، بعدما أصبحت أسعارها بعيدة عن متناول عدد كبير من الأميركيين.

الرهن العقاري

سجلت فائدة الرهن العقاري الثابتة لمدة 30 عاماً أدنى مستوى له خلال عام في أكتوبر الماضي، ما منح دفعة لمبيعات المنازل وللتعاقدات وفقاً للرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين. ومع طرح مزيد من المعروض في السوق، تباطأ نمو أسعار المنازل مقارنة بالسنوات الأخيرة.

رغم ذلك، ما يزال كثير من المشترين المحتملين مترددين في الإقدام، في ظل حالة عدم اليقين المخيمة على الاقتصاد، بحسب مايكل فراتانتوني، كبير خبراء الاقتصاد في رابطة مصرفيي الرهن العقاري. أضاف أن الأميركيين يشعرون بالقلق بشأن مستقبل وظائفهم وأوضاعهم المالية، لا سيما مع بقاء أسعار بعض البضائع مرتفعة بفعل الرسوم الجمركية.

اقرأ أيضاً: تراجع خطط التسريح بالشركات الأميركية في نوفمبر

قال فراتانتوني: “الوضع العام للثقة الاستهلاكية مهم جداً بالنسبة لسوق الإسكان. لذلك، حتى مع انخفاض نسبي في أسعار الفائدة وتوافر عدد أكبر من المنازل، فإننا نرى قدراً واضحاً من الحذر”.

ورغم أن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تؤثر على السندات الحكومية، فإن عوامل أخرى مثل توقعات التضخم وعجز الموازنة تلعب دوراً أيضاً. ولهذا السبب ما تزال عوائد سندات الخزانة –وبالتالي تكاليف الاقتراض الأخرى– مرتفعة نسبياً. ولا تتوقع رابطة مصرفيي الرهن العقاري أن تتحرك أسعار الرهن العقاري كثيراً خلال العامين المقبلين.

مهمة صعبة

يسعى مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى تحقيق التوازن بين هدفين متعارضين حالياً إذ يتطلب دعم سوق العمل خفض أسعار الفائدة، بينما السيطرة على التضخم تستدعي إبقاءها مرتفعة. بينما يراهن المستثمرون على خفض جديد الأسبوع المقبل، ما يزال صانعو السياسات منقسمين بشدة. قد تتسع هذه الانقسامات مع استعداد ترمب للإعلان عن خليفة لجيروم باول، الذي تنتهي ولايته في مايو المقبل.

كيف سيكون حال الاحتياطي الفيدرالي برئاسة كيفن هاسيت؟

خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 1.5 نقطة مئوية من ذروة العام الماضي، وهو ما أفاد حتى الآن الأميركيين الأكثر ثراءً أكثر من ذوي الدخل المنخفض. استفادت الأسر الأكثر ثراء من الارتفاع الكبير في سوق الأسهم خلال الفترة نفسها، ما عزز مدخرات التقاعد وقدرتها على الإنفاق، في حين يواجه عدد متزايد من المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط صعوبات في سداد أقساط السيارات والقروض الطلابية.

من موقعه في ولاية ويسكونسن، رحب كريستوفر دريس، الرئيس التنفيذي لشركة “ميناشا كوربوريشن” (Menasha Corporation)، بخفض الفائدة. وتوفر الشركة حلول تغليف لعملاء يشملون شركات السلع الاستهلاكية الكبرى وشركات صناعية ومصنعي سيارات.

الرسوم الجمركية

ويرى دريس أن خفض الفائدة قد يساعد بعض عملائه عبر جعل قروض السيارات وغيرها من أشكال الاقتراض أكثر قدرة على التحمل، لكن عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية ما يزال قائماً– خصوصاً مع وجود طعن رئيسي أمام المحكمة العليا قد يؤدي إلى إلغاء عشرات منها.

قال دريس: “المسألة ليست هل لدينا رسوم جمركية أم لا؟، بل إن الوضوح بشأن مستويات الرسوم والوضوح حول الرسوم عبر مختلف البنود سيخلق قدراً أكبر من الثقة لدى عملائنا، ويجعلهم أكثر استعداداً للاستثمار في أعمالهم”.

يشهد قطاع التصنيع الأميركي حالة ركود واسعة العام الجاري، إذ انكمش نشاط المصانع لمدة 9 أشهر متتالية، وفقاً لمعهد إدارة التوريد. وظلت النفقات الرأسمالية جامدة إلى حد كبير، رغم انخفاض تكاليف الاقتراض ووجود حوافز ضريبية مشجعة للأعمال.

اقرأ أيضاً: نشاط المصانع الأميركية ينكمش بأكبر وتيرة في أربعة أشهر

قالت سوزان سبنس، رئيسة وحدة مسح قطاع التصنيع في معهد إدارة التوريد: “رجل الأعمال بطبيعة الحال مهتم بانخفاض تكلفة رأس المال”. لكنها أضافت أنه مع الرسوم الجمركية “هناك عامل آخر يطغى على كل شيء”.

جاء تعليق أحد المشاركين في استطلاع معهد إدارة التوريد لشهر سبتمبر الماضي أكثر وضوحاً: “خفض أسعار الفائدة لن يؤثر على أعمالنا”. واختتم قائلاً: “جميع المشاريع الرأسمالية متوقفة حتى يظهر قدر من الوضوح وتبدأ الطلبات على المعدات الجديدة في الارتفاع من جديد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *