إنفاق الأسر في اليابان يهبط فجأة مع اتجاه المركزي لرفع الفائدة

قلّصت الأسر اليابانية إنفاقها على نحو مفاجئ، مسجّلة أول تراجع منذ ستة أشهر، في مؤشر على هشاشة الطلب المحلي قبيل اجتماع بنك اليابان المرتقب في وقت لاحق هذا الشهر لمناقشة رفع أسعار الفائدة.
أظهرت بيانات وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات، الصادرة يوم الجمعة، أن إنفاق الأسر بعد احتسابه وفق التضخم انخفض بنسبة 3% في أكتوبر على أساس سنوي، متأثراً بشكل رئيسي بتراجع الإنفاق على النقل والإسكان، في حين كانت تقديرات الاقتصاديين تشير إلى أنه سيرتفع بنسبة 1%.
أهمية بيانات الإنفاق في اليابان
يشكل الإنفاق الخاص ركيزة أساسية في مساعي بنك اليابان لتحقيق دورة اقتصادية إيجابية، تسهم فيها مكاسب الأجور في زيادة الأسعار بدعم من ارتفاع الطلب. وعلى الرغم من نمو الاستهلاك المحلي لثلاثة فصول متتالية ولو بشكل طفيف، فإن ذلك لم يكن كافياً لتجنب انكماش الاقتصاد في الربع الثالث، في ظل تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على النمو الاقتصادي. ومن المرتقب صدور البيانات المعدلة للناتج المحلي الإجمالي الياباني يوم الإثنين.
قال ماساتو كويكي، كبير الاقتصاديين في معهد “سومبو إنستيتيوت بلس” (Sompo Institute Plus): “من الواضح أن الاستهلاك لا يزال ضعيفاً. فمع مستوى التضخم الحالي، يصعب أن ينمو الإنفاق انطلاقاً من الدخل المتاح، كما أن الإنفاق على الغذاء والسيارات يسجل تراجعاً”.
اقرأ أيضاً: ترجيحات رفع الفائدة اليابانية في ديسمبر تطيح بتعافي بتكوين
وكان بنك اليابان أشار في تقرير توقعاته الصادر في أكتوبر إلى أن الاستهلاك الخاص سيظل مستقراً نسبياً في المرحلة الحالية، قبل أن يعود تدريجياً إلى مسار نمو معتدل مدفوعاً باستمرار ارتفاع دخول الموظفين. إلا أن الأرقام السلبية التي صدرت الجمعة تضيف قدراً من التعقيد في وقت يتجه بنك اليابان لرفع أسعار الفائدة، لكنها لن تعرقل هذا التوجّه على الأرجح.
بنك اليابان يتجه لرفع الفائدة
كان محافظ البنك، كازو أويدا، قد وجّه يوم الإثنين الماضي إشارة إلى أن مجلس الإدارة يتجه نحو رفع الفائدة، ربما في 19 ديسمبر، بعدما ذكر صراحة أن البنك سيناقش خيار رفع الفائدة.
وتشير عقود المبادلة المرتبطة بالمؤشر الليلي إلى احتمال يقدر بنحو 90% لرفع الفائدة هذا الشهر.
وقال كويكي “ضعف الاستهلاك يشكل رياحاً عكسية في وجه رفع الفائدة، لكن في الوقت ذاته، فإن هشاشة الطلب تعود إلى التضخم الناتج عن ضعف الين، لذلك من المتوقع رفع الفائدة في ديسمبر”.
الاستهلاك الياباني تحت الضغط
يشكل الاستهلاك أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في اليابان، وسيكون عاملاً حاسماً في تحديد ما إذا كان الاقتصاد سيتمكن من استعادة مسار النمو، بعد تسجيل أول انكماش له منذ ستة فصول خلال فصل الصيف.
ومن المرتقب أن تكشف البيانات التي ستصدر يوم الإثنين عن نمو اقتصادي أضعف خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر، مقارنة بما ورد في التقرير الأولي، إذ تراجعت الصادرات تحت وطأة الرسوم الأميركية، في حين لم يقدم الاستهلاك الخاص إلا دعم محدود للغاية. كما يُتوقع خفض تقديرات الإنفاق الرأسمالي، بعد أن أظهرت البيانات الأخيرة ضعفاً في هذا الجانب خلال هذه الفترة.
اقرأ أيضاً: اليابان تكشف حزمة تحفيز جديدة بقيمة 112 مليار دولار
ستتوقف قوة الاستهلاك في المرحلة المقبلة إلى حد كبير على التوازن بين نمو الأسعار والأجور. فقد استقرّ مقياس التضخم في اليابان عند 2% أو أعلى طوال 43 شهراً متتالياً، في أطول مدة منذ عام 1992. ومن المتوقع أن تظهر بيانات يوم الإثنين تراجع الأجور الحقيقية للشهر العاشر في أكتوبر، ما يعكس أن زيادات الأجور الاسمية لا تواكب وتيرة ارتفاع الأسعار.
وفي محاولة لتخفيف الضغط على الأسر، أعلنت رئيسة الوزراء ساناي تاكايشي الشهر الماضي عن حزمة دعم بقيمة 2.9 تريليون ين (18.7 مليار دولار)، تتضمن إعانات لفواتير الخدمات العامة وتخفيضات ضريبية محددة. وتقدّر الحكومة أن تسهم هذه الإجراءات في خفض معدل التضخم العام بنحو 0.7 نقطة مئوية خلال الفترة من فبراير إلى أبريل.
شعبية رئيسة وزراء اليابان مهددة
من المرجح أن تأثر فعالية هذه الإجراءات على شعبية تاكايشي، بعدما أدى التضخم المتواصل إلى تأجيج غضب الناخبين، ما ساهم في سلسلة من الانتكاسات الانتخابية أطاحت بأسلافها. وقد أظهر استطلاع أجرته صحيفة نيكي نهاية الأسبوع الماضي أن نسبة التأييد لتاكايشي بلغت 75%، وهي نسبة مرتفعة تاريخياً.
اقرأ أيضاً: رئيسة وزراء اليابان تتعرض لضغوط حادة تمتد من الين إلى الأسهم والسندات
في المقابل، ستستهم اتجاهات الأجور في رسم ملامح الإنفاق الخاص. وفي أحدث التطورات، أعلن عدد من أبرز النقابات العمالية عن أهدافها لجولة مفاوضات الأجور السنوية التي تختتم في مارس، مع تمسك معظمها بمطالبها السابقة بعدما نجحت هذا العام في تحقيق أكبر زيادات بالأجور منذ أكثر من ثلاثة عقود، ما يشير إلى استمرار الزخم.
قال ماساتو كويكي، كبير الاقتصاديين في معهد “سومبو”: “أتوقع أن يتجه الاستهلاك الخاص نحو مسار تعافٍ في الفترة المقبلة، إذ لا تزال الأجور الاسمية تنمو بوتيرة مرتفعة، ومع انحسار متوقع في معدلات التضخم، من المرجح أن يتحسن الإنفاق مع تحسن الأجور الحقيقية”.



