هل ترفع “ديزني” حظوظ “ويب تون” في الولايات المتحدة؟

عندما خطت شركة ”ويب تون إنترتينمنت“ (Webtoon Entertainment)، المولودة في كوريا الجنوبية، أولى خطواتها الكبيرة في الولايات المتحدة قبل أكثر من عقد، كانت تدرك أن دخولها إلى المنازل الأميركية قد يكون تحدياً.
حتى أسطورة ”مارفل“ ستان لي، وهو أحد أشهر الأسماء في عالم القصص المصورة، أقرّ بمعرفته السطحية فقط بالشركة الرائدة في مجال القصص المصورة الرقمية ذات التمرير العمودي قبل أن تُطلب منه الشراكة معها عام 2015. قال مازحاً في مؤتمر ”سان دييغو كوميك كون“ ذلك العام: “عندما سمعتُ لأول مرة عن هذا الحدث، تساءلتُ: ما هو (ويب تون)؟ هل هو شيءٌ تأكله؟”.
لكن اكتساب زخم في أكبر اقتصاد في العالم ثبت أنه أصعب مما كان متوقعاً. تزعم “ويب تون” أن لديها أكثر من 155 مليون مستخدم نشط شهرياً على مستوى العالم، بما في ذلك قراء متزايدون بين عشاق القصص المصورة الأميركيين، لكن الولايات المتحدة ما تزال تُمثل حوالي 10% فقط من المبيعات، وفقاً لتقديرات مارك ماهاني، المدير الإداري الأول في ”إيفركور آي إس آي“ (Evercore ISI).
بعد طرح ”ويب تون“ في بورصة ناسداك عام 2024، انخفض سعر السهم بمقدار الثلثين، ليصل إلى أدنى مستوى له عند حوالي 7 دولارات في ربيع العام الماضي، بسبب تباطؤ نمو عدد المستخدمين في أميركا الشمالية.
والآن، تتبنى الشركة تكتيكاً جديداً لكسب ثقة المستهلكين الأميركيين الذين ما يزالون فاترين، وهو عبارة عن سلسلة شراكات ناجحة مع سلاسل أفلام أميركية شهيرة.
دمى “سوني إنجلز” و”سميسكي” تجتاح “تيك توك”
في صفقات متتالية عُقدت في أغسطس وسبتمبر، اتفقت شركة ”والت ديزني“ و“ويب تون“ على جلب قصص ”ستار وورز“ و“مارفل“ المصورة إلى منصة ”ويب تون“ باللغة الإنجليزية، والمشاركة في إنشاء محتوى قائم على حقوق الملكية الفكرية لشركة ”ديزني“، وإطلاق منصة مخصصة لقصص ”ديزني“ المصورة، التي ستديرها ”ويب تون“. كجزء من هذه الصفقة، وافقت ديزني على الاستحواذ على حصة 2% في “ويب تون”.
لقد أدى أخبار كل من هذه الصفقات إلى ارتفاع أسهم ”ويب تون“ بشكل كبير. وفي نوفمبر، أبرمت الشركة أيضاً صفقة مع شركة ”وارنر براذرز أنيميشن“ (Warner Bros. Animation) لإنتاج 10 مسلسلات رسوم متحركة مشتركة للتوزيع العالمي.
هل نقل مقرها الرئيسي إلى لوس أنجلوس دعم مسعاها؟
بيّنت الشركة، التي نقلت مقرها الرئيسي من سيونغنام في كوريا الجنوبية إلى لوس أنجلوس عام 2020، أن التعاون مع ”ديزني“ نقلة نوعية في عالم القصص المصورة. قال جونكو كيم، مؤسس ”ويب تون“ ورئيسها التنفيذي، عن صفقة ديزني: “إنها طريقة رائعة لتوسيع قاعدة مستخدمينا وزيادة عددهم في الولايات المتحدة. إنها فرصة لتقديم مزيد من المحتوى الذي يُمكن لكلٍّ من مُحبيهم ومُحبينا الاستمتاع به”.
على عكس القصص المصورة الرقمية الأخرى، حيث يُقلّب المستخدمون الصفحات كما في الكتب التقليدية، طوّرت ”ويب تون“ قبل عقدين صيغةً تُتيح للقراء التمرير لأعلى (على غرار طريقة استخدام ”تيك توك“ اليوم)، وهي تقدم معظم المحتوى مجاناً، لكن يُمكن للقراء شراء عملة داخل التطبيق للوصول المُبكر إلى الحلقات أو الفصول الجديدة.
تعتمد الشركة على ملايين المُبدعين المُستقلين الذين ينشرون أعمالهم عبر الموقع. كما تبيع ”ويب تون“ الإعلانات وتدرّ إيرادات من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية المقتبسة من القصص المصورة. من أبرز عناوينها العالمية “لور أوليمبوس“ (Lore Olympus)، وهو نسخة معاصرة من الأساطير اليونانية وحصد أكثر من 1.7 مليار مشاهدة، إضافة إلى ملحمة ”البرج الأعلى”، وهو ملحمة خيالية سجلت أكثر من 5 مليارات مشاهدة، وأُنتج منها أعمال أنمي وألعاب مقتبسة.
“سونيك 2” أعلى أفلام الأطفال إيراداً في عصر “كورونا”
في بعض النواحي، أصبح المستخدمون الأميركيون أكثر استعداداً من أي وقت مضى لمحتوى ”ويب تون“ الرقمي. يشهد استهلاك الترفيه الكوري في الولايات المتحدة ازدهاراً ملحوظاً: فقد شهدنا فيلم ”الطفيلي” (Parasite) الذي تلقى جائزة الأوسكار عام 2019، ومسلسل “لعبة الحبار” (Squid Game) على ”نتفلكس“، وبالطبع، صعود موسيقى البوب الكورية (وأفلام الرسوم المتحركة التي تتناولها).
لكن هناك أيضاً منافسة أكبر بكثير على فترات اهتمام أقصر الآن مما كانت عليه خلال أول دخول ”ويب تون“ إلى الولايات المتحدة قبل 10 سنوات. كما ينفق المستهلكون المزيد على الفعاليات المباشرة والسفر، ما يقلل ما هو متاح من دخلهم لدفع ثمن المحتوى الرقمي.

حتى لو استطاعت ”ويب تون“ جذب المستخدمين الأميركيين إلى تطبيقها، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحويل الفضوليين إلى مستخدمين يدفعون. يميل جمهور ”ويب تون“ في أكبر سوقين لها، كوريا الجنوبية واليابان، إلى متابعة حوالي 12 عنواناً محدّثاً أسبوعياً، لكن القراء الأميركيين عادةً ما يكتفون بعدد قليل منها، ما يعكس سوقاً أقل ميلاً إلى القراءة المفرطة.
“لعبة الحبار” يحقق 900 مليون دولار لـ “نتفلكس”
بلغ متوسط إيرادات ”ويب تون“ لكل مستخدم يدفع في اليابان 23.40 دولار على أساس ثبات العملة في الربع الثالث، مقارنةً مع 6.80 دولار في بقية أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. (رفضت ”ويب تون“ الكشف عن تفاصيل بيانات السوق الأميركية).
أعلنت ”ويب تون“ هذا الشهر عن مبيعات أقل من توقعات المحللين، وقدمت توقعات أقل من المتوقع للربع الرابع، ما أدى إلى انخفاض سهمها بنحو 27%.
دفع من شركات أميركية عملاقة.. لكن هل يكفي ذلك؟
راهناً، يبقى السؤال: هل ستكون التعاونات الجديدة كبيرة بما يكفي لإعادة صياغة مستقبل ”ويب تون“ في الولايات المتحدة؟ أم أنها ستكون مجرد ظهور عابر في صراع طويل للفوز بسوق القصص المصورة الأكثر ربحية في العالم؟
قال ماهاني من ”إيفركور“: “بعض محتواهم يحظى بشهرة عالمية فعلاً، لكن أعمال (ديزني) و(مارفل)، على وجه الخصوص، قد تُوسّع نطاق المستخدمين المحتملين بشكل كبير”، وتوقع أن تُصبح الولايات المتحدة أكبر سوق لـ ”ويب تون“ بحلول عام 2028 على أقرب تقدير.

في الوقت نفسه، تواصل ”ويب تون“ تطورها. فقد أضافت حديثاً ميزة “القص” إلى تطبيقها، لعرض مقاطع فيديو قصيرة تناسب عادات التمرير السريع لدى جيل (Z). قال الرئيس التنفيذي كيم إن حوالي 80% من قرائها الأميركيين هم من القراء الأصغر سناً، وخاصةً جيل (Z).
احتضان التنوع العرقي في هوليوود قد يعزز إيراداتها بـ10 مليارات دولار
إن رهانها الأكبر هو تحويل قصصها المصورة الناجحة إلى رسوم متحركة وسلاسل أفلام حركة حية، بنفس الصيغة التي جعلت من مسلسل “قاتل الشياطين” (Demon Slayer) والمسلسلات المقتبسة من الدراما الكورية ظاهرةً عالميةً.
لدى الشركة، التي تدير أيضاً منصة سرد القصص عبر الإنترنت ”واتباد“ (Wattpad)، أكثر من 12 مشروعاً قيد التطوير مع استوديوهات هوليوود. وتعكف حالياً على تحويل مسلسل الرعب “ستاغتاون” (Stagtown) إلى فيلم حركة حي بالتعاون مع شركة “لاكي تشاب إنترتينمنت“ (LuckyChap Entertainment) للنجمة مارغو روبي، كما تنتج مسلسل “لور أوليمبوس” كمسلسل رسوم متحركة بالتعاون مع شركة ”جيم هينسون“ (Jim Henson).
مساعيها لا تقتصر على الولايات المتحدة
كما تعمل شركتا ”توي أنيميشن“ (Toei Animation) و“أنيبليكس“ (Aniplex) اليابانيتان العملاقتان على تطوير أفلام أنمي طويلة مستوحاة من قصص ”ويب تون“، وتزمعان إصدارها خلال عامين أو ثلاثة أعوام.
كلما عُرضت إحدى هذه الأعمال الناجحة المستوحاة من قصص ”ويب تون“ عبر منصات ”نتفلكس“ أو ”ديزني+“، يزداد الإقبال على تطبيق ”ويب تون“ بشكل كبير. إذ يشاهد المعجبون المسلسل، ثم يأتون لقراءة قصة الويب كوميكس من البداية.
قال يونغسو كيم، كبير مسؤولي الاستراتيجية في ”ويب تون“ ورئيس ”ويب تون غلوبال“: “ستساهم جميع التعديلات المصورة في تعزيز الوعي بعلامتنا التجارية واستقطاب المستخدمين في الولايات المتحدة”. كما تعمل الشركة على توسيع قاعدة مواهبها في مجال اللغة الإنجليزية لخدمة السوق الأميركية بشكل أفضل.
عبقري هوليوود المجنون يخلط جرعة مثالية تقريباً في فيلم جديد
ماذا بعد ذلك؟ كلما تطور الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع، كلما توسعت ”ويب تون“ في مجالات جديدة كلياً، كما يقول رئيسها التنفيذي كيم. يعمل مهندسو ”ويب تون“ في كوريا على تطوير ميزات تتيح للمستخدمين الدردشة مع الشخصيات من خلال النص والصوت، مع إضافة صور مرئية قريباً. ويضيف أنه في النهاية، سيتمكن القراء من التفاعل مع شخصياتهم المفضلة.
بالنسبة للمعجبين المخلصين في الولايات المتحدة، مثل كيمبرلي ويغينز، تكمن جاذبية ”ويب تون“ في عالمها المتوسع من القصص والأشكال. اكتشفت ويغينز، التي بلغت من عمرها 30 عاماً، التطبيق قبل نحو عقد، وعرّفت عنه منذ ذلك الحين بين أصدقائها المقربين وأختها الصغرى، التي انضمت إليها في معرض نيويورك للقصص المصورة متنكرةً بشخصية من عالم ”ويب تون“.
قالت ويغنز: “أحب (ويب تون) بجميع أشكاله. أشاهد المقاطع المصورة، وأستمع إلى الكتب الصوتية، وما إلى ذلك. لا أمانع طالما كان يسهل التوقف والعودة إليه. لقد كنا ملتزمين به كما لو كان فرضاً دينياً”.



