اخر الاخبار

ما هو القانون الأوروبي الذي أقلق قطر وأميركا ويهدد أسواق الطاقة؟

دفعت الحرب الروسية الأوكرانية أوروبا للاعتماد بشكل متسارع على واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة، قبل أن تُقر بروكسل تشريعاً بيئياً يُلزم الشركات الكبرى داخل الاتحاد وخارجه بخطط الحياد الكربوني وحقوق الإنسان ضمن سلاسل التوريد العالمية.

هذا القانون أثار اعتراضاً مشتركاً من الدوحة وواشنطن، اللتين تنظران له كتهديد مباشر لاستمرارية تجارة الغاز الطبيعي المسال مع أوروبا وكعبء تنظيمي يُعقد التعاون في مجال الطاقة. فما خبايا هذا القانون ولماذا يثير كل هذا الجدل؟

ما القانون البيئي الأوروبي محل الجدل؟

وفق موقع المفوضية الأوروبية يطلق على القانون اسم “توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية” (Corporate Sustainability Due Diligence Directive)، ويهدف إلى إلزام الشركات الكبرى العاملة في السوق الأوروبية، بمراعاة حقوق الإنسان والمعايير البيئية في جميع عملياتها وسلاسل التوريد العالمية الخاصة بها. دخل التوجيه حيّز التنفيذ في 25 يوليو 2024، وتملك الدول الأعضاء مهلة حتى 26 يوليو 2026 لتحويله إلى تشريعات وطنية.

يلزم القانون الشركات بإعداد خطة انتقالية للحدّ من آثار تغيّر المناخ تتماشى مع هدف الحياد الكربوني لعام 2050 المنصوص عليه في اتفاق باريس، ومع الأهداف المرحلية الواردة في قانون المناخ الأوروبي.

وينطبق على الشركات الأوروبية التي تضم أكثر من 1000 موظف وتحقق إيرادات سنوية تتجاوز 450 مليون يورو (يُقدر عددها بنحو 6000 شركة)، وعلى الشركات غير الأوروبية التي تتخطى إيراداتها داخل الاتحاد هذا الحد (يُقدر عددها بنحو 900 شركة)، فيما يستثني الشركات الصغيرة والمتوسطة مع توفير آليات دعم لها، خاصة تلك التي قد تتأثر بشكل غير مباشر بصفتها شركاء في سلاسل القيمة.

ويُطبّق القانون تدريجياً على ثلاث مراحل، كالآتي:

 الأولى: تبدأ في يوليو 2027 للشركات العملاقة التي توظف أكثر من 5000 موظف وتتجاوز إيراداتها 1.5 مليار يورو.

الثانية: في يوليو 2028 للشركات التي تضم أكثر من 3000 موظف وتتخطى 900 مليون يورو.

الثالثة: تعمم القواعد بحلول يوليو 2029 على جميع الكيانات المشمولة داخل الاتحاد وخارجه.

لماذا يثير القانون قلق الدوحة؟

أثار القانون موجة من القلق في الدوحة، بعدما اعتبرته قطر تهديداً مباشراً لصادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى القارة، التي تمثل حالياً ما بين 12% و14% من واردات الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وفقاً لوكالة “رويترز”.

حذر وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي من أن بلاده لن تتمكن من مواصلة ممارسة الأعمال داخل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تصدير الغاز المسال، إذا لم تُدخل بروكسل تعديلات على التوجيه الجديد. وأوضح في تصريحاته لـ”رويترز” أن قلقه يتمحور حول احتمال فرض غرامات تصل إلى 5% من إجمالي الإيرادات العالمية على الشركات التي لا تملك خطط التحول المناخي تتماشى مع اتفاق باريس.

وأضاف الكعبي أن “قطر للطاقة لا يمكنها تبرير استمرار نشاطها في السوق الأوروبية بسبب المخاطر الكبيرة التي تفرضها اللوائح المقترحة، والتي قد تنعكس سلباً على المستهلك الأوروبي”.

اقرأ المزيد: قطر تهدد بوقف تصدير الغاز إلى أوروبا بسبب قانون بيئي

كما أشار خلال مشاركته بجلسة حوارية في معرض “أديبك 2025” بأبوظبي إلى أن الدوحة أعلنت منذ فترة عدم قدرتها على تحقيق الحياد الكربوني المطلوب ضمن شروط الاتحاد الأوروبي.

إمدادات الغاز الجديدة في قطر

يأتي القانون الأوروبي في وقت حاسم أيضاً بالنسبة لقطر، حيث تمضي قدماً في تنفيذ أكبر مشروع توسعة لإنتاج الغاز الطبيعي المُسال في العالم، ومن المقرر أن يبدأ مشروع حقل الشمال الشرقي الإنتاج في منتصف 2026.

يُتوقع أن يرفع المشروع إنتاج البلاد من الغاز المسال إلى 126 مليون طن متري سنوياً بحلول 2027، ارتفاعاً من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً، بحسب “رويترز”.

 ومن شأن هذه التوسعة أن تدفع قطر إلى محاولة توقيع عقود جديدة طويلة الأجل، إلى جانب ما وقعته بالفعل مع شركات أوروبية وآسيوية خلال آخر عامين، كما يوضح الجدول الآتي:

صفقات قطر للغاز المسال في 2023 و2024
الشركة الدولة المستفيدة مدة العقد حجم الصفقة (بالمليون طن سنوياً) تاريخ التوقيع
مؤسسة البترول الوطنية الصينية الصين 27 عاماً 4 يونيو 2023
“بتروبنغلا” بنغلاديش 15 عاماً (تبدأ في 2026) 1.8 يونيو 2023
توتال إنرجيز فرنسا 27 عاماً (تبدأ في 2026) 3.5 أكتوبر 2023
شل هولندا 27 عاماً (تبدأ في 2026) 3.5 أكتوبر 2023
إيني إيطاليا 27 عاماً (تبدأ في 2026) 1 أكتوبر 2023
بترونت الهند 20 عاماً (تبدأ في 2028) 7.5 فبراير 2024
شل الصين مدة الصفقة غير معلنة لكنها بدأت التوريد في يناير 2025 3 ديسمبر 2024
إكسليريت إنرجي بنغلاديش 15 عاماً (تبدأ في 2026) 1 ديسمبر 2024
المصدر: “رويترز”

الشركات تشعر بالذعر أيضاً

تزامناً مع ذلك، صعدت شركات الطاقة الأوروبية ضغوطها على بروكسل لتخفيف القواعد الجديدة. فقد طالبت شركات مثل “إكسون موبيل” بإلغاء القانون بالكامل بدعوى أنه سيدفع الشركات على نقل أعمالها خارج القارة.

كما دعا الرئيس التنفيذي لشركة “توتال إنرجي” الفرنسية باتريك بوياني، بالتعاون مع شركة “سيمنس” الألمانية، عبر رسالة مشتركة موقعة من 46 شركة كبرى، إلى إلغاء التوجيه بالكامل دعماً لتنافسية أوروبا.

وحذر ألفريد ستيرن، الرئيس التنفيذي لشركة “أو إم في” النمساوية، من أن استمرار التشدد قد يعرّض إمدادات الغاز القطرية للخطر. وقال في تصريح لصحيفة “كرونين تسايتونغ” النمساوية: “إذا لم تعد ترسو الناقلات القطرية في أوروبا، فسنواجه أزمة كبيرة. يجب أن نتحلى بالبراغماتية، ففقدان الطاقة التنافسية سيُقوض ازدهارنا”.

أما شركات “إيني” (ENI) الإيطالية و”آر دبليو إي” (RWE) و”يونيبر” (Uniper) الألمانيتان، فلم تُعلن بعد موقفاً رسمياً رغم ارتباطها بعقود طويلة الأجل مع قطر لتوريد الغاز المسال.

كما حذرت منظمات أعمال تمثّل شركاتٍ مقرّها في كوريا واليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة، في بيانٍ مشترك، من أنّ الاتحاد الأوروبي يُخاطر بخلق “حواجز قانونية واقتصادية غير مقصودة”.

ودعت هذه المنظمات إلى فرض قيودٍ على ولاية المحاكم الأوروبية القضائية في حال تقديم دعاوى تتعلّق بالإهمال، وفق “بلومبرغ”.

قطر وأميركا في خندق واحد

تشكل الولايات المتحدة وقطر جبهة موحدة في مواجهة القانون الأوروبي. فقد حث البلدان، في رسالةٍ مشتركة نُشرت مؤخراً، دول الاتحاد الأوروبي على التخلّي عن التوجيه أو تعديله جذرياً، باعتباره يقوض قدرة التكتل على استيراد الوقود الذي تعتمد عليه أوروبا بشكل متزايد منذ الحرب الروسية الأوكرانية.

وقّع الرسالة وزير الطاقة الأميركي كريس رايت ونظيره القطري سعد بن شريدة الكعبي، اللذان أكدا أن التشريع الأوروبي بصيغته الحالية يفرض التزامات مفرطة على الشركات الموردة تشمل تبنّي سياسات حقوق الإنسان وخططاً إلزامية للحياد المناخي بحلول 2050، وهي متطلبات قد تُعيق حركة الإمدادات وتفرض تكاليف إضافية على المنتجين.

أميركا وقطر تتحدان لمعارضة التوجيه الأوروبي بشأن الاستدامة

وشدد الوزيران في رسالتهما على ضرورة أن يعيد الاتحاد الأوروبي فتح “حوار فعال” مع شركائه العالميين، بما فيهم الولايات المتحدة وقطر، لمعالجة المخاوف المتعلقة بالقانون.

يأتي هذا الموقف الأميركي القطري المشترك بعد تحذيرات الدوحة بشأن الغرامات قد تُفرض على الشركات غير الملتزمة بخطط مناخية متوافقة مع اتفاق باريس. ورغم أن الرسالة الأخيرة لم تتضمن تهديداً مباشراً بوقف الإمدادات، فإنها تعكس تصعيداً دبلوماسياً منسقاً بين الدوحة وواشنطن دفاعاً عن مصالحهما، حيث تزودان أوروبا حالياً بأكثر من 40% من الإمدادات العالمية.

رد الفعل الأوروبي

لاستيعاب الغضب القطري الأميركي، أبدت أوروبا استعداداً لتبسيط هذه التوجيهات في إطار دورةٍ تشريعية شاملة يُتوقع أن تمتد حتى العام المقبل، بعد أن قلصت الكتلة بالفعل نطاق تطبيق كل من “توجيه إعداد تقارير استدامة الشركات” و”توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية” بشكلٍ كبير، بحيث لم يعد يُتوقع الالتزام إلا من نسبة محدودة جداً من الشركات التي كانت مشمولة في الأصل.

وفي مقابلة “بلومبرغ”، قال فالديس دومبروفسكيس، مفوض الاقتصاد والإنتاجية في الاتحاد الأوروبي: “من الواضح أننا كاتحاد أوروبي نحتفظ باستقلالنا التنظيمي، لكن في المقابل، علينا أيضاً الإصغاء والاعتراف بمخاوف مختلف الشركاء حول العالم وأخذ تداعياتها في الاعتبار”.

لكن رغم تقليص نطاق التوجيهات، فإن بقاء مبدأ الولاية القضائية خارج الحدود ضمن “توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية” يشكل سبباً لـ”مخاوف كبيرة”، وفق ما قاله بول أتكينز، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لـ”بلومبرغ”.

البدائل المتاحة أمام قطر

في حالة تأثير القانون -كما هو متوقع- على صادرات قطر من الغاز المسال إلى أوروبا، يمكن للدوحة البحث عن بدائل أخرى.

وفي هذا الصدد، تُعد آسيا أحد أكبر أسواق الغاز الطبيعي المسال عالمياً، ما يوفر لقطر فرصة لتعويض أي تراجع محتمل في الصادرات إلى أوروبا هناك، عبر إبرام اتفاقات جديدة أو تمديد الاتفاقات الحالية مع دول مثل الهند، والصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وبنغلاديش.

يمكنها كذلك اللجوء إلى “شرط الوجهة” (destination clause) الموجود في عقود الغاز التي وقعتها للتوريد إلى بعض الدول الأوروبية، وهو بند تعاقدي يُدرج عادة في عقود بيع الغاز الطبيعي المسال يسمح للمشتري بإعادة بيع الشحنات أو تغيير وجهتها إلى طرف آخر أو سوق مختلفة بعد موافقة البائع.

وكحل أخير تستطيع وقف تصدير صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا -كما هددت بالفعل- إذا لم تُدخل بروكسل تعديلات ملائمة على التوجيه الجديد، لكن الوصول إلى هذه المرحلة مستبعد في ظل التعاون الموجود بين قطر وأميركا في هذا الملف من جهة، وفقدان دول الاتحاد لمعظم صادرات روسيا من الغاز بعد الحرب الأوكرانية من جهة أخرى.

بين ضغوط التحول المناخي وحسابات أمن الطاقة، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام اختبار دقيق لموازنة التزاماته البيئية مع حاجاته الاستراتيجية، في وقت تتنامى فيه الضغوط من كبار مورّديه حول العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *