اخر الاخبار

مؤتمر المناخ “كوب30”.. كيف يصنع البلد المضيف الفارق؟

على مدى ثلاثة عقود، تعقد الأمم المتحدة قمة سنوية للمناخ تُعرف باسم “كوب”، اختصاراً لـ “مؤتمر الأطراف” (Conference of the Parties)، حيث يتوجّه ممثلو الدول والمنظمات من مختلف أنحاء العالم إلى المدينة المضيفة المختارة سعياً لإيجاد سبلٍ لمنع أو التخفيف من أسوأ آثار الاحتباس الحراري.

تُظهر التجربة أن تحقيق التقدم في هذه القمم يعتمد على عوامل متعددة، من بينها هوية الدولة المضيفة. وتُقام قمة “كوب 30” هذا العام في البرازيل، وهي دولة تجسد التوترات والتناقضات التي يواجهها العالم بينما تحاول الحكومات إزالة الكربون من اقتصاداتها دون كبح النمو الاقتصادي.

تعهدات البرازيل في “كوب 30”

تعهد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بإنهاء إزالة الغابات في بلاده وعكس اتجاهها، كما دعا إلى إنشاء صندوق بقيمة 125 مليار دولار يُكافئ الدول على كل هكتار من الغابات التي تحافظ عليها. وفي أكتوبر، حصلت شركة الطاقة الوطنية “بتروبراس” (Petroleo Brasileiro SA) على ترخيص للتنقيب عن النفط قرب مصب نهر الأمازون.

قال لولا في يونيو: “من هذه الثروة سنحصل على الأموال لبناء التحول الطاقي الذي نحلم به.” لكن الناشطين البيئيين وصفوا هذا الطرح بأنه متناقض، إذ إن انبعاثات النفط البرازيلي ستغذي التغير المناخي الذي تقول الحكومة إنها تسعى لمكافحته.

تؤكد ظواهر الطقس المتطرفة الحاجة الملحّة إلى خفض الانبعاثات وحماية الدول الأكثر عرضة من أسوأ تداعيات التغير المناخي، إذ لم تعد الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات وموجات الحر التي يفاقمها الاحتباس الحراري تترك منطقة في العالم من دون أثر.

يشكّل هذا العقد مرحلة حاسمة في سياسات المناخ، إذ يوشك الوقت أن ينفد أمام الدول لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات والحفاظ على الاحترار العالمي دون مستويات كارثية.

كان العام الماضي الأشد حرارة على الإطلاق، إذ تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية بأكثر من 1.5 درجة مئوية المعدل المسجل قبل الثورة الصناعية. وهو الحد الأعلى الطموح الذي اتفقت عليه الدول عند توقيع اتفاق باريس في قمة كوب 21 عام 2016. وتشير تحليلات أممية حديثة إلى أن درجات الحرارة تتجه بدلاً من ذلك نحو ارتفاع بمقدار 2.8 درجة مئوية فوق المعدلات ما قبل الصناعية.

اقرأ المزيد: العالم يواجه ارتفاعاً قياسياً في الحرارة خلال السنوات المقبلة

يؤكد العلماء أن كل جزء من درجة إضافية في حرارة الغلاف الجوي يقرب العالم من نقاط تحول لا رجعة عنها. فالشعاب المرجانية لم تعد قادرة على التعافي من موجات الإجهاد الحراري، والعالم الأكثر دفئاً — إلى جانب إزالة الغابات — يضع غابة الأمازون أمام خطر الانحسار الواسع، بحسب تقرير نقاط التحول العالمية لعام 2025. كما أن تراجع الجليد البحري في القطبين الشمالي والجنوبي يقلل من قدرة الأرض على عكس أشعة الشمس إلى الفضاء، مما يؤدي إلى تسارع وتيرة الاحترار العالمي.

أدت هجمات دونالد ترمب على علم المناخ وطلبه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمرة الثانية إلى تباطؤ المبادرات المناخية على مستوى العالم. كما تم تفكيك تحالف “صافي الصفر” الذي يضم أكبر بنوك العالم، ويتوقع أن يحضر عدد أقل من قادة الأعمال البارزين قمة كوب هذا العام.

مع ذلك، تظهر مؤشرات على أن التحول نحو الطاقة النظيفة جارٍ فعلاً، وإن بوتيرة أبطأ مما هو مطلوب. فقد تم استثمار أكثر من 10 تريليونات دولار بين عامي 2014 و2024 في قطاع الطاقة النظيفة، بما في ذلك رقم قياسي بلغ تريليوني دولار في عام 2024. ويشهد الطلب على السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والبطاريات اللازمة لتخزينها ارتفاعاً حاداً، بينما تعافت أسهم التكنولوجيا النظيفة بقوة وتفوقت بشكل ملحوظ على معظم المؤشرات الأخرى.

غير أن القلق السائد يتمثل في أن ما يشهده العالم هو “إضافة طاقية” وليس “تحولاً طاقياً”؛ أي إن الزيادة في مصادر الطاقة المتجددة لا تحل محل الوقود الأحفوري، بل تواكب الارتفاع المتزايد في الطلب على الكهرباء نتيجة تحسن مستويات المعيشة، واستخدام أجهزة التكييف على نطاق واسع، وتوسع مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.

طالع أيضاً: 2025 عام لا يبعث على التفاؤل مناخياً

ما محور محادثات قمة كوب 30؟

سيجتمع ممثلون عن نحو 200 دولة في مدينة بيليم تحت ضغطٍ كبير لمعالجة الفجوة بين الخطط الحالية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة وما هو ضروري فعلاً للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة قريباً من 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100.

تتضمن أجندة القمة مقترحاً من الرئاسة البرازيلية لتخصيص 1.3 تريليون دولار سنوياً لتمويل المبادرات المناخية في الدول النامية بحلول عام 2035، وهو الهدف الذي تم الاتفاق عليه خلال قمة كوب 29 في أذربيجان العام الماضي. وتقترح البرازيل سلسلة من الإجراءات قصيرة المدى تشمل خطة لتسليم أول 300 مليار دولار. كما ستتناول المناقشات قضايا مكافحة إزالة الغابات، والتكيف مع كوكب أكثر حرارة، والتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري.

ماذا عن دور الولايات المتحدة في “كوب 30″؟

أعلن دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة في يناير، إلا أن أكبر مصدر تراكمي للانبعاثات في العالم لا يزال من الناحية الإجرائية ضمن الاتفاق، لأن الانسحاب لا يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مرور عام كامل.

ولن ترسل واشنطن أي ممثلين رفيعي المستوى إلى قمة “كوب 30″، فيما لا يزال من غير الواضح ما إذا كان دبلوماسيون مهنيون من وزارة الخارجية أو مسؤولون آخرون سيحضرون القمة.

اقرأ المزيد: بعد عام من محادثات المناخ الصعبة.. التحالفات الأصغر هي البديل

ما الذي يجري خلال قمم المناخ “كوب”؟

تركّز هذه القمم بشكل أساسي على كيفية خفض انبعاثات الكربون، وحماية الدول الأشد تضرراً من تداعيات تغيّر المناخ.
شهدت بعض دوراتها محطات مفصلية، أبرزها قمة كيوتو في 1997 التي حدّدت الالتزامات القانونية للدول الغنية بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وقمة باريس في 2015 التي رسّخت هدفاً واضحاً للحد من الاحترار العالمي عند درجتين مئويتين كحد أقصى، مع التطلّع لحصره عند 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. (وقد بلغنا بالفعل عتبة 1.5 درجة العام الماضي).
تمتد فعاليات قمم “كوب” عادةً على مدى أسبوعين.

في مستهلّ القمة، يحضر قادة العالم لتحديد التوجهات السياسية العامة، ويبرز قادة الدول الجزرية المنخفضة والدول الفقيرة في الدعوة إلى تحرّك أكثر جدية.
ثم يغادر الزعماء، لتدخل القمة أسبوعها الثاني الذي تهيمن عليه مفاوضات مغلقة بين الوفود الحكومية لصياغة اتفاق نهائي.
تُتخذ القرارات بالتوافق، ما يمنح أي دولة القدرة على تعطيل الاتفاق من حيث المبدأ، لذا يعمل المفاوضون على تأمين إجماع شامل على النص النهائي قبل طرحه للتصويت.
ولم تخفق قمم المناخ في إقرار النص النهائي سوى مرة واحدة، وذلك في قمة كوبنهاغن عام 2009.

طالع أيضاً: كيف خسرت أوروبا غابات بمساحة قبرص بسبب الحرائق؟

من يختار الدولة المضيفة، وما هو دورها؟

تتناوب المجموعات الإقليمية الخمس التي تنقسم على أساسها الأمم المتحدة سنوياً على استضافة قمة المناخ، حيث تطرح الدول ترشحها لاستضافة القمة ضمن المجموعة التي تنتمي إليها، ويتم اختيار الدولة المضيفة بالتوافق بين حكومات تلك المجموعة.
وعند فوزها، تتولى الدولة المضيفة دور “قائد الدفّة”، إذ تُحدّد سقف الطموحات المناخية لذلك العام، وتسعى إلى الحفاظ على وحدة الصف بين المشاركين. وغالباً ما يبدأ هذا الدور قبل وقت من موعد القمة.
فعلى سبيل المثال، قبل انعقاد “كوب 26” في غلاسكو، قام السياسي البريطاني ألوك شارما، الذي ترأس القمة، بجولات حول العالم ممهّداً لإطلاق تعهّد بإنهاء استخدام الفحم.
لكن العمل الفعلي ــ أي إدارة المفاوضات بين الوفود لمحاولة إنجاز اتفاق نهائي ــ يبدأ داخل أروقة القمة نفسها.
ومن المقرر أن تنتقل الاستضافة العام المقبل إلى مجموعة “أوروبا الغربية ودول أخرى”، حيث تتنافس تركيا وأستراليا على استضافة “كوب 31”.

كيف بدأت قمم المناخ “كوب”؟

انبثقت قمم “كوب” عن “قمة الأرض” التي عُقدت في ريو دي جانيرو عام 1992، وجمعت 179 دولة. وقد أسفرت تلك القمة عن تأسيس الإطار الذي مهّد لانعقاد أول مؤتمر للأطراف “كوب 1” في برلين عام 1995.
وتهدف هذه القمم إلى دفع الدول نحو اتخاذ إجراءات ملموسة لمواجهة تغيّر المناخ، ومتابعة التقدّم المحقّق على هذا الصعيد.

محطات بارزة في تاريخ قمم المناخ:

  • ريو دي جانيرو 1992 — انعقاد أول قمة بيئية عالمية.

  • برلين 1995 — استضافة أول قمة مناخ “كوب” واتفاق على عقد اجتماعات سنوية.

  • كيوتو 1997 — التوصّل إلى اتفاق لخفض الانبعاثات.

  • كوبنهاغن 2009 — فشل القمة في التوصّل إلى اتفاق كان متوقعاً بشأن خفض الانبعاثات.

  • باريس 2015 — توقيع اتفاق تاريخي للحدّ من الاحترار العالمي؛ انسحبت منه الولايات المتحدة في 2020 ثم عادت إليه في العام التالي.

  • غلاسكو 2021 — اتفاق الدول على “خفض تدريجي” لاستخدام الفحم.

  • شرم الشيخ 2022 — إقرار صندوق لتعويض “الخسائر والأضرار”.

  • دبي 2023 — توافق القادة على “التحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري”.

  • باكو 2024 — تحديد هدف تمويل مناخي سنوي بقيمة 1.5 تريليون دولار بحلول 2035.

  • بيليم 2025 — تُعقد “كوب 30” من 10 إلى 21 نوفمبر.

قد يهمك: هل تستطيع الدول الأكثر تلويثاً خفض انبعاثاتها؟

متى لعبت الدولة المضيفة دوراً حاسماً في مسار القمة؟

في عام 2021، أثمرت الجهود البريطانية جزئياً بإبرام اتفاق يدعو إلى “خفض تدريجي” لاستخدام الفحم.
ورغم أن الصيغة لم تصل إلى “التخلّي الكامل” التي طالبت بها العديد من الدول، فإنها مثّلت سابقة، إذ كانت المرة الأولى التي يتضمّن فيها نص الاتفاق إشارة صريحة إلى نوع محدد من الوقود الأحفوري.

في العام التالي، سجّلت مصر إنجازاً بإقرار صندوق لتعويض “الخسائر والأضرار”، يهدف إلى دعم الدول الأكثر فقراً في التعامل مع آثار تغيّر المناخ. لكنها تعرّضت لانتقادات بسبب غياب التوافق على تقليص إضافي لاستخدام الوقود الأحفوري أو البناء على التعهّدات السابقة.
واشتكت دول أوروبية وحلفاؤها من انتهاج مصر أسلوب إداري “منسحب”، إذ لم تُطلق المفاوضات مبكراً ولم تُعزّز الثقة بين الدول المشاركة. (ردّ المبعوث المصري الخاص وائل أبو المجد بالقول: “هذه قمة تضم 197 دولة، لكل منها مستوى مختلف من الطموح والقدرات”.

في قمة المناخ “كوب 28” التي استضافتها دبي برئاسة سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة “أدنوك”، نجح المؤتمر للمرة الأولى في إدراج إشارة صريحة إلى “التحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري” ضمن النص النهائي للاتفاق، وهو إنجاز يُعزى، بحسب عدد من المشاركين، إلى تأثير الجابر على الدول المنتجة للنفط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *