لا نهاية للإغلاق الحكومي الأميركي رغم الجوع وفوضى الصحة والطيران

أنعش الكونغرس الأميركي الآمال لفترة وجيزة في إنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد، غير أن التفاؤل بإمكانية التوصل إلى تسوية بعد الانتخابات سرعان ما تلاشى، إذ لا يزال أعضاء مجلس الشيوخ المحبطون بعيدين عن خطة الخروج من الأزمة.
خفض الديمقراطيون، الذين حققوا فوزاً ساحقاً بجميع أنحاء الولايات المتحدة يوم الثلاثاء، سقف مطالبهم، باقتراح تمديد الاعتمادات الضريبية ضمن قانون الرعاية الصحية الميسرة لعام واحد مقابل إنهاء الإغلاق الحكومي.
المقترح الديمقراطي ولد ميتاً
لكن نصف ساعة فقط كانت كفيلة بأن يصف الأعضاء الجمهوريون المقترح بأنه ولد ميتاً ويفتقر إلى الجدية.
ورغم ذلك، بقي أعضاء مجلس الشيوخ في واشنطن خلال عطلة نهاية الأسبوع لأول مرة منذ بدء الإغلاق قبل 39 يوماً، بعد أن قال الرئيس دونالد ترمب إن المشرعين “لا ينبغي لهم مغادرة المدينة” لحين التوصل إلى حل لأزمة الإنفاق.
حل مؤقت
زعيم الجمهوريين جون ثيون أبلغ الصحفيين يوم السبت بأن مجلس الشيوخ يسعى إلى التصويت خلال عطلة نهاية الأسبوع على حل مؤقت من شأنه تمويل وزارات الزراعة وشؤون المحاربين القدامى، إلى جانب إدارة الغذاء والدواء والكونغرس نفسه حتى 30 سبتمبر 2026. وقال مشرعون إن من المرجح أن تحصل الوكالات الأخرى على التمويل حتى 31 يناير.
عُقدت جلسة نادرة الحدوث يوم السبت لمناقشة مزايا قانون أوباماكير بقاعة المجلس من دون إجراء تصويت. ويتوقف عقد تصويت يوم الأحد على توقيت صياغة النص النهائي وحصوله على دعم كاف من الديمقراطيين. وأشار ثيون إلى بعض المحادثات الثنائية الإيجابية خلال اليوم الماضي.
لا محادثات قبل إنهاء الإغلاق
لكن ثيون قال إنه لن يقبل بإدراج أي بنود تتعلق بقانون أوباماكير في مشروع القانون الجديد، مضيفاً أنه لا يمكن إجراء المحادثات إلا بعد إنهاء الإغلاق المستمر منذ 39 يوماً.
اقرأ أيضاً: أطول إغلاق حكومي في تاريخ أميركا.. أزمات مستمرة وسط جمود سياسي
“لن نمدد هذا لعام آخر” على حد السيناتور ليندسي جراهام داخل قاعة المجلس، مضيفاً “سنغير هذا النظام المعطّل”. ولم يتمكن الجمهوريون من توحيد موقفهم لدعم مسعى كبير لإلغاء قانون أوباماكير خلال ولاية ترمب الأولى ولم يتوصلوا منذ ذلك الحين إلى اتفاق على بديل شامل.
كان الجمهوريون حاولوا عشرات المرات دون جدوى إلغاء قانون أوباماكير أو استبداله خلال الولاية الأولى لترمب.
أما زعيم الديمقراطيين تشاك شومر، فوصف موقف الجمهوريين الحالي بأنه “خطأ فادح” قائلاً: “نحن مستعدون للتفاوض بمجرد تمديد الإعانات”.
ترمب يُوَجه من بعيد
رغم ذلك، يشير قرار العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى تحول رمزي على الأقل بعيداً عن النهج غير الجاد الذي اتبعه المشرعون حتى الآن تجاه التوصل إلى اتفاق لإعادة فتح الحكومة. لكن ترمب لم يشر إلى أي نية للعب دور مباشر في المحادثات، إذ توجه يوم الجمعة إلى ناديه في مارالاغو بولاية فلوريدا، مكتفياً بإصدار توجيهاته للجمهوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول الديمقراطيون إن على ترمب أن يشارك شخصياً في المفاوضات، وإن على الجمهوريين إشراك أعضاء حزبهم في إعداد مشروع لقانون الإنفاق يتيح إنهاء الإغلاق، لأن تمريره يحتاج إلى أصوات الديمقراطيين.
وقالت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن من ولاية ماساتشوستس للصحفيين يوم الجمعة: “قالت لنا العائلات في جميع أنحاء البلاد يوم الثلاثاء إن تيسير تكاليف المعيشة قضية مهمة جداً بالنسبة لهم، ويريدون منا أن نواصل الضغط على الجمهوريين. لقد وضع الجمهوريون لنا حداً وقالوا إن من المقبول أن يجوع الأطفال، وأن تتعطل الرحلات الجوية، وأن يدفع الناس ضعفي أو ثلاثة أضعاف أقساط التأمين الصحي”.
على الجانب الآخر، يقول الجمهوريون إنهم لن يتفاوضوا بشأن تمديد إعانات قانون الرعاية الميسرة إلا بعد تصويت الديمقراطيين على إنهاء الإغلاق الحكومي.
وقال ثيون يوم الجمعة: “كل ما عليهم فعله هو قبول الإجابة بنعم. قدّمنا لهم حلاً. الرئيس مستعد للقاء بهم، وأنا مستعد لمنحهم الاقتراع”.
آثار الإغلاق الحكومي تتفاقم
تزداد آثار الإغلاق الحكومي سوءاً كلما طال أمده؛ فالموظفين الفيدراليين ما زالوا من دون رواتب، وأموال الطوارئ -التي تُستخدم كحل مؤقت لتمويل بعض المزايا ودفع رواتب العسكريين- تواجه خطر النفاد. كما تتراكم المعاملات المتأخرة المتعلقة باسترداد الضرائب وقروض الشركات الصغيرة وطلبات اتحادية أخرى بشكل متزايد.
ويشير المشرّعون إلى نقاط ضغط متعددة -بدءاً من فوضى شركات الطيران وصولاً إلى تأخر المساعدات الغذائية- يمكن أن تمثل محاور تحول لإنهاء الإغلاق. إلا أن أياً من هذه التطورات لم يقدم حتى الآن أي وضوح حول كيفية أو موعد انتهاء الإغلاق، مما يزيد من حالة عدم اليقين بشأن ما الذي يجب أن يسوء أكثر حتى يزداد الضغط على المشرّعين للتحرك.
يشتري نحو 24 مليون أميركي تأمينهم الصحي عبر برنامج أوباماكير بأسعار تفوق عدة أضعاف ما دفعوه العام الماضي، فيما لم يتلقّ عدد أكبر منهم بعد إعاناتهم الغذائية لشهر نوفمبر، التي ما زالت عالقة في نزاع قضائي.
تصميم ديمقراطي على استمرار الإغلاق
أما انتصارات الديمقراطيين يوم الثلاثاء فقد عززت تصميم الحزب على الاستمرار في معركة الإغلاق، بينما أدت عمليات إلغاء الرحلات الجوية الإلزامية التي فرضتها الحكومة الفيدرالية التي دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة إلى تقطع السبل بالمسافرين في بعض أكبر مطارات البلاد.
كما بدأت تأثيرات الإغلاق، التي كانت مقتصرة إلى حد كبير على الموظفين الفيدراليين خلال الأسابيع الأولى، تطال الآن شريحة أوسع من الأميركيين. فقد أمرت هيئة الطيران الفيدرالية (FAA) شركات الطيران بتقليص عدد الرحلات بنسبة 10% بحلول 14 نوفمبر، وهي خطوة قد تسبب فوضى للمسافرين خلال عطلة عيد الشكر، التي تُعد من أكثر فترات السفر ازدحاماً.
اقرأ أيضاً: الإغلاق الحكومي الأميركي يعمق فوضى السفر ويدفع لإلغاء مئات الرحلات
وقال وزير النقل شون دافي يوم الجمعة إن هذا القرار قد يرتفع إلى 20% إذا ساءت الأوضاع. كما تم إيقاف الرحلات مؤقتاً يوم السبت في أكبر مطارات نيويورك وشيكاغو.
تكلفة ضخمة للإغلاق
وفي الوقت ذاته، تعاني ميزانيات ملايين الأميركيين من ذوي الدخل المنخفض من ضغوط شديدة، إذ تم تأجيل صرف إعانات برنامج المساعدات الغذائية التكميلية أو بطاقات الطعام بسبب نزاع قانوني حول تمويل المدفوعات أثناء الإغلاق. وتستعد الكثير من هذه الأسر أيضاً لدفع تكاليف رعاية صحية أعلى بكثير العام المقبل مع قرب انتهاء صلاحية الإعانات ضمن قانون الرعاية الميسرة.
وتُقدّر تكاليف تداعيات الإغلاق على الاقتصاد الأميركي بنحو 15 مليار دولار أسبوعياً. كما يتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) أن يؤدي الإغلاق إلى خفض معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمقدار 1.5 نقطة مئوية بحلول منتصف نوفمبر.وقد هبطت معنويات المستهلكين إلى أدنى مستوى لها في ثلاث سنوات يوم الجمعة، وسط تصاعد القلق بشأن الإغلاق والأسعار وسوق العمل.
مكاسب آنية للديمقراطيين
ومع ذلك، يظهر استطلاع للرأي أن الديمقراطيين -في الوقت الراهن- هم من يحققون مكاسب من المعركة. إذ يرى نحو ثلاثة أرباع الأميركيين -74%- أن الإعفاءات الضريبية لتغطية التأمين الصحي ضمن قانون الرعاية الميسّرة يجب تمديدها، وفقاً لاستطلاع جديد أجرته مؤسسة “كيه إف إف هيلث” (KFF Health). وأيّد 94% من المشاركين الديمقراطيين تجديد الإعانات، إلى جانب 50% من الجمهوريين.
لكن المشاركين في الاستطلاع كانوا أقل حسماً بشأن الطرف المسؤول عن الإغلاق؛ إذ أظهر استطلاع لقناة “إن بي سي نيوز” (NBC News) أن 52% من الناخبين يلقون باللوم على ترمب والجمهوريين في الكونغرس بسبب المأزق، بينما يرى 42% أن الديمقراطيين يتحملون المسؤولية.



