فنزويلا مارد نفط تقيده حكومته الاشتراكية.. هل يحرره ترمب؟

رغم أن لديها أكبر احتياطيات نفطية في العالم، إلا أن فنزويلا للأسف ليست ذات وزن كبير في أسواق الطاقة. مع تراجع الإنتاج إلى أدنى مستوياته منذ قرن، لا يحدث التهديد الأميركي لإدارة الرئيس نيكولاس مادورو تأثيراً يُذكر على النفط؛ بل يبدو أن المواجهة الفعلية لن تؤدي إلا إلى ارتفاع طفيف في الأسعار.
بل قد يكون العكس صحيحاً. إنه احتمال ضعيف، لكن حملة عسكرية قصيرة -ربما تحاكي غزوات الولايات المتحدة لغرينادا وبنما عامي 1983 و1989 التي أدت إلى انهيار النظام في كاراكاس- قد تتحول سريعاً من عامل صعودي إلى هبوطي في سوق النفط.
ترمب: لم أتخذ قراراً بشن ضربات على فنزويلا
قد يعيد تغيير النظام، الذي من شأنه إنهاء 25 عاماً من الاشتراكية والتضييق، فتح فنزويلا أمام الشركات الأجنبية، وهي خطوة أساسية لتعزيز إنتاج النفط الخام. فالجيولوجيا موجودة، وكل ما يلزم لإطلاق العنان لثروة البلاد النفطية هو رأس المال والوقت والجهد.
بالتأكيد، أنا كبير السن بما يكفي لأتذكر الوعود الكاذبة بحدوث طفرة نفطية عراقية بعد عام 2003. ومع ذلك، فإن حكومة موالية للغرب ومؤيدة لقطاع الأعمال قد تحول فنزويلا إلى مصدر كبير لإمدادات النفط المتزايدة في العقد الذي يلي عام 2030.
لطالما أدركت السعودية، حتى إن لم تُعلن عن ذلك، أن فنزويلا حليف مهم في ”أوبك+“، رغم أن الدولة الأميركية اللاتينية يعتريها اختلال وظيفي. وكلما تدهورت فنزويلا، كان يذهب شيء من حصتها في سوق النفط إلى المملكة.
هل تساهم أحوال فنزويلا الداخلية بتحولٍ في سوق النفط؟
كان وصول الاشتراكية إلى فنزويلا أواخر عام 1998، الذي ما يزال غير مفهوماً، لحظةً مفصليةً في سوق النفط، مهدّت، إلى جانب صعود الصين والاضطرابات في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، الطريق لارتفاع حاد بالأسعار استمر لعقود.
قد ينهي تغيير الأيديولوجية في كاراكاس -بفرض من الولايات المتحدة- هذا الارتفاع، عبر إلغاء إحدى السرديات الإيجابية القليلة المتبقية في السوق، وهي إجابة سؤال: من أين سيأتي النفط الخام الإضافي بعد عقد؟ سيصبح الجواب واضحاً: من فنزويلا.
هل تخوض واشنطن حرباً في أميركا اللاتينية؟ ثلاثة سيناريوهات
لعل الرئيس دونالد ترمب، إذ شعر بأن خطر حدوث صدمة في الإمدادات ضئيل وأن الغنيمة النفطية المحتملة كبيرة، أمر بإرسال أسطول صغير إلى البحر الكاريبي، يضمّ أقوى حاملة طائرات أميركية، جيرالد أر. فورد، ومجموعة السفن الحربية التي ترافقها.
كان العذر الأولي عملية مكافحة المخدرات. لكن حتى الآن، يشمل هذا الحشد العسكري أنواعاً من الأسلحة مثل قاذفات ”بي-1 لانسر“ الاستراتيجية وسفن الهجوم البرمائية التي تناسب الاستخدام للإطاحة بحكومة أكثر من تفجير قوارب مخدرات صغيرة.
هل فعلاً أصبح موضوع تغيير حكومة فنزويلا مسألة وقت؟
أبقى ترمب الجميع في حيرة بشأن نواياه الحقيقية. لكن عندما سُئل يوم الأحد عمّا إذا كان زمن مادورو قد انتهى، أجاب: “أقول نعم”. يبدو السؤال بشأن تغيير النظام متعلقاً بالتوقيت والكيفية ولم يعد سؤالاً عن احتمال حدوث ذلك.
لقد غادرت حاملة الطائرات جيرالد أر. فورد البحر الأبيض المتوسط يوم الثلاثاء؛ ويستغرق عبور المحيط الأطلسي ما بين سبعة إلى عشرة أيام، لذا لا يُرجح شن أي حملة عسكرية قبل النصف الثاني من هذا الشهر. بالتالي، فإن الفترة الزمنية الرئيسية هي من 15 نوفمبر تقريباً إلى الأيام التي تسبق عيد الميلاد.
هل يمكن لاستعراض القوة، ربما إلى جانب ضربات محدودة، أن يُجبر مادورو على التنحي؟ لقد بنى الرجل القوي الفنزويلي، الذي تولى السلطة عام 2013 بعد وفاة معلمه هوغو تشافيز، شبكة محسوبية واسعة ومتعددة الطبقات.
ترمب ومادورو.. صراع قديم يتجدد في مياه فنزويلا ما القصة؟
كل من له شأن في الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية، وخاصة في الجيش وشركة النفط الوطنية المملوكة للدولة، ”بتروليوس دي فنزويلا“ (Petróleos de Venezuela) متكسب. لذا، فإن من يملكون القدرة على إسقاط النظام هم الخاسرون الأكبر من انهياره. بدلاً من أن تدفع الدائرة الضيقة التي تحيط مادورو رئيسها إلى التنحي كما يأمل ترمب، قد يتجمعون حول سارية رايته التي تجلب لهم منافع.
لا يُرجّح أن يُصبح النفط ساحة معركة. إذا واصل ترمب حملة القصف، فلا يُرجح أن يستهدف حقول النفط الفنزويلية أو المصافي أو محطات التصدير. كما أوضح البيت الأبيض في إيران في وقت سابق من هذا العام، فإن أولويته ستكون إبقاء الصراع بعيداً عن سوق الطاقة قدر الإمكان.
أثر حرب في فنزويلا على الأسواق ضئيل
على أي حال، لا تُقارن فنزويلا مع إيران. فالأخيرة هي خامس أكبر منتج للنفط في العالم؛ بينما الأولى هي الحادية والعشرون. إن إنتاج فنزويلا، الذي انخفض بنحو 70% على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، ضئيل جداً بحيث لا يؤثر على توازن العرض والطلب العالمي.
راهناً، تضخ فنزويلا حوالي مليون برميل يومياً، بزيادة عن أدنى مستوى لها في مئة عام، وهو 350 ألف برميل يومياً في عام 2020، لكنه أقل من حوالي 3.5 مليون برميل يومياً في عام 1998. والأهم من ذلك، أن فنزويلا تُساهم بنسبة 0.9% فقط من إمدادات النفط العالمية، بانخفاض عن أكثر من 11% عام 1965 و4.8% في 1998.
لا تملك كاراكاس القدرة على تعطيل سوق الطاقة خارج حدودها. على عكس حليفتها إيران، التي تُسيطر على أحد جانبي مضيق هرمز بالقرب من حقول النفط السعودية، إلا أن فنزويلا لا تملك أي أهداف نفطية أجنبية مهمة في متناول اليد.
على الأكثر، قد يحاول مادورو ضرب صناعة النفط في غيانا المجاورة وترينيداد وتوباغو وكوراساو وأروبا. بالعودة إلى 25 عاماً، كانت كوراساو وأروبا مهمتين، لا سيما كمركزين كبيرين للتكرير والتخزين يخدمان الولايات المتحدة؛ أما اليوم، فإن غيانا هي الوحيدة المهمة لسوق النفط، وأشك في أن فنزويلا تمتلك القوة العسكرية الكافية لاستهدافها.
وإن كانت لديها لاقدرة فعلاً، فمؤكد أن واشنطن لديها الآن أصول بحرية تحمي الصناعة الغيانية، التي تسيطر عليها شركتا ”إكسون موبيل“ و“شيفرون“.
الولايات المتحدة ترصد 50 مليون دولار لمن يقبض على رئيس فنزويلا
لا يرجح أن يعطل مادورو قطاع النفط المحلي
يظل النفط شريان الحياة الاقتصادية لفنزويلا، لذا لا يُرجح أن يوقف مادورو بنفسه الإنتاج رداً على ذلك. نادراً ما تستورد الولايات المتحدة أي نفط خام فنزويلي هذه الأيام. مع ذلك، في حال شنّ ضربة عسكرية، سيتعرض مليون برميل يومياً من الإمدادات للخطر، وهذا ليس أمراً هيناً. الأهم من ذلك، أن النفط الخام الفنزويلي من نوع خاص تُفضله بعض المصافي المتطورة.
كما يجدر الالتفات إلى التأثير المحتمل للاضطرابات الاجتماعية. في عام 2002، بعد أشهر من محاولة انقلاب فاشلة ضد تشافيز، شنّ عمال النفط إضراباً أدى إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 80% لعدة أشهر. وردّ النظام بتسريح أكثر من 18 ألف موظف من شركة النفط الوطنية، واستبدلهم بموالين.
على المدى المتوسط، من شأن تغيير القيادة في كاراكاس أن يضع احتياطيات البلاد النفطية الغنية في حزام أورينوكو -المشابهة لتلك الموجودة في حوض أثاباسكا للرمال النفطية في ألبرتا، كندا- على المحك. تحتوي المنطقة على أكثر من 15% من نفط العالم، ما يمنح فنزويلا القدرة على إنتاج كميات أكبر بكثير مما تنتجه اليوم.
هل تنتقم فنزويلا من أميركا عبر غيانا وإكسون موبيل؟.. روبيو يحذر
في مرحلة ما من تسعينيات القرن الماضي، كانت لدى كاراكاس خطة لزيادة الإنتاج إلى 5 ملايين برميل يومياً، ثم إلى 6.5 مليون. لكن وصول تشافيز، الذي غيّر مسار السياسة النفطية الفنزويلية وتحالف مع السعودية، وضع حداً لهذه الرؤية. ثم صادر الفنزويليون أصول بعض الشركات الأجنبية، وغادرت شركات أخرى بسبب العقوبات الأميركية.
كانت السياسة، لا التجارة، هي التي حالت دون أن تصبح فنزويلا عملاقاً نفطياً. لكن الساسة يأتون ويذهبون، وكذلك الأيديولوجيات السياسية؛ أما الجيولوجيا فهي ثابتة لا تتغير.



