كيف يتعامل المستثمرون مع طفرة أسهم الذكاء الاصطناعي؟

في سنوات ما بعد طفرة أسهم الإنترنت وانهيارها، أي في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، بحث خبراء الاقتصاد المالي عن تفسيرات أكثر إقناعاً لما حدث من مجرد “جنون المستثمرين”.
كان من أنجح هؤلاء الباحثين لوبوس باستور وبييترو فيرونيسي من كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو، حيث كانت ورقتهما البحثية “الثورات التقنية وأسعار الأسهم”، المنشورة في دورية “أمريكان إيكونوميك ريفيو” عام 2009، محور مؤتمر كامل في معهد ماساتشوستس للتقنية هذا الشهر.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي قادر على تحويل الاقتصاد ولو كان فقاعةً
كانت المناسبة فوز الورقة البحثية بجائزة ستيفن إيه. روس التي تمنح كل عامين من مؤسسة النهوض بالبحوث في الاقتصاد المالي (كان روس، الذي توفي عام 2017، باحثاً مالياً بارزاً في معهد ماساتشوستس للتقنية)، لكن مسألة كيفية تأثير الثورات التقنية في الأسواق المالية أصبحت أيضاً الموضوع الرئيسي في خضم طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي.
بُنيت هذه الورقة البحثية، بالإضافة إلى ورقتين سابقتين من إعداد باستور وفيرونيسي، على نماذج رياضية بسيطة لا تقدّم أي تنبؤات حول موعد انتهاء هذا الطفرة أو ما إذا كانت ستنتهي بشكل سيئ، لكنها تقدم رؤى حول كيفية تطورها.
الخلاصة الأبسط هي أنه مع تزايد وضوح الأهمية الاقتصادية للذكاء الاصطناعي، ستنخفض تقييمات الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، أي نسبة السعر إلى الأرباح، ونسبة السعر إلى القيمة الدفترية، وغيرها من النسب المماثلة.
تقييم الأسهم بناءً على الرياضيات المبسطة
تتناول الورقتان البحثيتان الأوليتان، “تقييم الأسهم والتعلم عن الربحية” (2003) و”هل كانت هناك فقاعة في ناسداك أواخر التسعينيات؟” (2006)، نتائج الرياضيات المبسطة، التي تُشير إلى أنه في الصيغة الاقتصادية الأساسية لكيفية تقييم أسهم النمو، فإن زيادة عدم اليقين بشأن النمو تعادل قيماً أعلى.
أما الورقة الثالثة فتتناول قضايا أعمق تتعلق بالمخاطر المنهجية، إذ بدأت الابتكارات التقنية “للاقتصاد الجديد” تؤثر على “الاقتصاد القديم”، وهي تبرز بسرعة كبيرة في ظل الثورة التقنية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
أولاً، الرياضيات المُبسطة. نموذج غوردون للنمو هو تعديل يعود إلى خمسينيات القرن الماضي لنموذج خصم الأرباح الذي وضعه جون بور ويليامز عام 1938 لتقييم الأسهم، وهو ينص على أن سعر السهم يجب أن يساوي أرباحه في الفترة الحالية (أي السنة الحالية عادةً، لأن أسعار الفائدة يُعبر عنها عادةً بقيم سنوية) مقسوماً على معدل الخصم مطروحاً منه معدل نمو الأرباح المتوقع.
ماذا يقول بعض الأذكياء عن فقاعة الذكاء الاصطناعي؟
معدل الخصم هو ببساطة المعدل الذي يخصم به المستثمر الأرباح المستقبلية لأنها في المستقبل؛ وقد يكون غير مألوف تماماً، مع أنه غالباً ما يكون مشابهاً لمتوسط تكلفة رأس مال الشركة المرجح.
لأن شركات التقنية سريعة النمو لا تدفع عادةً أرباحاً، يستخدم باستور وفيرونيسي القيمة الدفترية بدلاً من الأرباح، لكن الفكرة الأساسية واحدة. أيضاً، إذا كان معدل نمو الأرباح (أو القيمة الدفترية أو الأرباح أو التدفقات النقدية) مساوياً لمعدل الخصم أو يتجاوزه، فإن النموذج يفشل، ما يؤدي في البداية إلى سعر غير محدد لأنه لا يمكن القسمة على الصفر، ثم إلى أسعار سلبية.
كما قال الإحصائي الراحل جورج بوكس: “جميع النماذج خاطئة، لكن بعضها مفيد”. ما يفيد في نموذج نمو غوردون في هذه الحالة هو أنه يظهر لماذا قد يدفع المستثمر العقلاني مبلغاً أكبر مقابل نمو أرباح غير مؤكد مقارنةً بنمو مكافئ لكنه مؤكد، وأيضاً لماذا قد تتقلب بحدة يومياً الأسعار التي يرغب المستثمر في دفعها.
فيما يلي رسم بياني لما ينتجه النموذج لسهم بعائد سنوي حالي قدره دولار واحد للسهم ومعدل خصم قدره 10%.
عند نمو أرباح مُعين بنسبة 5%، تبلغ قيمة السهم 20 دولاراً، لكن لنفترض أنك تعتقد أن هناك احتمالاً قدره 50% أن يكون معدل النمو 4% واحتمالاً بقدر 50% أن يكون 6%. يعادل ذلك نفس معدل النمو المتوقع وهو 5% (نصف 4% ونصف 6%). لكن بإدخال معدلات النمو هذه في النموذج أولاً، ستكون القيمة المتوقعة 20.83 دولار وليس 20 دولاراً (نصف 16.67 دولار زائد نصف 25 دولاراً).
إذا كان هناك احتمال بنسبة 50% أن يكون معدل النمو 1% واحتمال قدره 50% أن يكون 9%، فإن ذلك يعطي أيضاً معدل نمو متوقعاً قدره 5%، لكن القيمة المتوقعة ستقفز إلى 55.56 دولار. وبزيادة الاحتمالات إلى احتمالية 60% لنمو قدره 1% واحتمالية 40% لنمو 9%، تنخفض القيمة المتوقعة إلى 46.67 دولار. وقد أدخل باستور وفيرونيسي أرقام القيمة الدفترية للشركات المدرجة في بورصة ناسداك في أواخر التسعينيات في نسختهما من النموذج، وقد أظهرت أسعاراً وتقلبات لا تختلف كثيراً عن تلك السائدة في الأسواق خلال فترة صعود وهبوط شركات الإنترنت.
الارتباط بين الاقتصادين القديم والجديد أثراً وتأثراً
تأخذ ورقة “الثورات التقنية” في الاعتبار أيضاً التغيرات في الجزء الآخر من مقام صيغة النمو، وهو معدل الخصم. قد يكون الاستثمار في الشركات الصغيرة التي تستغل تقنية جديدة محفوفاً بالمخاطر، لكن يُمكن تنويع هذه المخاطر نظراً لأن ثروات الشركات ليست مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما يحدث في بقية الاقتصاد وسوق الأسهم.
بالتالي، قد يطبق المستثمر العقلاني معدل خصم منخفض، ما يرفع قيمة السهم. ومع نمو شركات “الاقتصاد الجديد” هذه، تصبح أكثر ارتباطاً مع “الاقتصاد القديم” وتخضع لمخاطر منهجية ترفع سعر الخصم. كما أن نجاح شركات الاقتصاد الجديد يجلب معه مخاطر منهجية متزايدة إلى الاقتصاد القديم، بحيث تجبر الشركات الراسخة على تبني التقنيات الجديدة أو التخلف عن الركب، ما يرفع أسعار الخصم أكثر.
هل يجد المستثمرون كنوز الأسهم الدفينة قبل مجيء الروبوتات؟
للوصول إلى هذه النقطة، يجب أن تكون شركات الاقتصاد الجديد قد حققت نمواً كبيراً، ما يؤدي إلى “صراع بين التدفقات النقدية وأسعار الخصم”، كما يقول باستور، الذي يشغل، إلى جانب عمله الأكاديمي، منصباً في مجلس إدارة عملاق صناديق المؤشرات ”فانغارد”.
في البداية، كانت زيادات التدفق النقدي كافية للحفاظ على ارتفاع الأسعار، لكن في 50 ألف محاكاة أجراها باستور وفيرونيسي لورقتهما البحثية، كانت النتيجة المتوسطة هي أن ارتفاع أسعار الخصم سادت في النهاية وانخفضت الأسعار- وهو ما حدث في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفي حادثة أخرى درساها، وهي فترة ازدهار وانهيار أسهم السكك الحديدية في خمسينيات القرن التاسع عشر.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي
لم تسر كل محاكاة على هذا النحو. يقول باستور: “بعضها يستمر في الارتفاع”، ويُحتمل أن يحدث هذا مع الذكاء الاصطناعي. لكن إحدى النتائج المتوقعة في الورقة البحثية وقد بدأت تظهر هي أن عامل بيتا -الذي يقيس حركة سهم فردي أو مجموعة من الأسهم بما يتناسب مع تحركات سوق الأسهم ككل- للأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي آخذ في الارتفاع، ما يشير إلى زيادة في مخاطرها المنهجية التي قد تبدأ في النهاية في التأثير على الأسعار.
وجدت ورقة بحثية عُرضت في مؤتمر معهد ماساتشوستس للتقنية، وقد صنفت الشركات حسب استخدام الكلمات الرئيسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في إعلانات الوظائف، زيادة في بيتا للشركات ذات الذكاء الاصطناعي المرتفع من عام 2010 إلى عام 2018، ووجد تحليل سريع ودقيق أعده (ChatGPT5) للمؤتمر بناءً على توجيهات فيرونيسي، قفزةً كبيرةً في عامل بيتا هذا العام لسلة من 28 سهماً مرتبطاً بالذكاء الاصطناعي. (لم أكن حاضراً في المؤتمر، لكن باستور أرسل لي عرض الشرائح والفيديو المصاحب، وهو من إعداد الذكاء الاصطناعي).
تتراوح السيناريوهات المحتملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي بين طوفان من البيانات غير المجدية، وذكاء خارق يدمر الجنس البشري- وكلاهما سيضر بالأسهم، في رأيي. مع ذلك، فإن التوقعات التي تحرك الأسواق الآن تشير إلى زيادة في الإنتاجية ذات أبعاد غير مؤكدة. ومع تزايد اليقين بشأن حجم هذه الزيادة، يُرجح أن يقل حماس المستثمرين حُيالها.
 
				 
					 
					


