دروس في القيادة من أسطورة ليفربول يورغن كلوب

لم يكن موسم 2023/2022 سهلاً على يورغن كلوب. بحلول شهر يناير، كان “ليفربول” قابعاً في المركز التاسع بالدوري الإنجليزي بعد خسارة مذلّة بثلاثية نظيفة أمام “برايتون”، وهي المباراة التي وصفها كلوب شخصياً بأنها الأسوأ منذ توليه تدريب الفريق عام 2015. تركزت الاتهامات على أسلوبه في القيادة، وتحديداً “ولاءه الزائد عن الحد” الذي أدى إلى الإبقاء على مجموعة من اللاعبين رغم تراجع مردودهم البدني والفني مثل فابينيو وجوردان هندرسون وجايمس ميلنر.
بعد مباراة “برايتون”، واجه الإعلام الإنجليزي كلوب، فجاء رده قاطعاً: “أنا وفيّ، وأعتقد أن على الجميع أن يكونوا أوفياء. لكني لست وفياً إلى درجة مبالغ فيها”. غير أن الاتهام “بالوفاء” لم يفارق المدرب الألماني منذ ذلك الحين.
لا يُعدُّ الألماني كلوب واحداً من أبرز مدربي “ليفربول” على الإطلاق فحسب، بل أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في كرة القدم خلال العقدين الماضيين. لم يأتِ نجاحه من إنفاق مئات الملايين على ضم أبرز اللاعبين في العالم، بل من توظيف الإمكانات المتاحة، و”كاريزمته” الشخصية، لبناء منظومات ناجحة من فرق كانت تعاني التراجع وفقدان الهوية.
المشي فوق الجمر
غير أن هذا الأسلوب في القيادة يعتمد على تحفيز أعضاء تلك المنظومة لتقديم أفضل ما لديهم يوماً بعد يوم. في حواره الشيّق الأخير مع رجل الأعمال البريطاني ومقدم بودكاست “مفكرة رئيس تنفيذي” ستيفن بارتليت، قال كلوب إن هدفه كان تحفيز لاعبيه “للمشي فوق الجمر … عبر خلق ثقافة، أو بيئة تجعلهم جميعاً يدركون أن ما يحدث هنا شيء مميز ويستحق (التعب) من أجله”.
اقرأ أيضاً: كلوب يغادر نادي ليفربول بعد تحقيق مالك الريدز ثروة طائلة
هذه الفلسفة لا تقتصر على كرة القدم والرياضة. فكل قائد يسعى لبناء ثقافة عمل ملهمة يعلم أن التحفيز لا يقوم على المكافآت وحدها، بل على الإحساس بالانتماء والمعنى. تخلق هذه البيئة بدورها علاقة متنية بين المدير وأفراد الفريق، تعتمد في جزء منها على الولاء المتبادل.
يشير الصحفي الأميركي داف ماكدونالد في كتابه “آخر الرجال الواقفين” إلى أن الولاء المتبادل بين جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك “جيه بي مورغان”، وموظفيه، شكّل ركيزة أساسية في نجاحه، واصفاً إياه بقائد “ملهم يتمتع بكاريزما قوية ويثير لدى مرؤوسيه مستوى من الولاء لم أرَ مثله من قبل”.
لا تشكل هذه العلاقة مشكلة أثناء النجاح، لكنها قد تتحول إلى تحدٍّ في أوقات الشدائد. تكشف عدّة دراسات أن الولاء الزائد عن الحد قد يتسبب في تأجيل قرارات صعبة لكنها ضرورية. الأمر لا يقتصر بالطبع على المدراء لكنه يمتد إلى الموظفين أيضاً، حيث أشارت دراسة صادرة عن جامعة “نوتردام” عام 2021، أن “الولاء” يمثل سبباً رئيسياً بحالات التستر على المخالفات في أماكن العمل.
ولعل الأمثلة الأقرب إلى الحياة اليومية هي ما سمعته من صديق دائم الشكوى من ظروف عمله بإحدى الشركات في القاهرة: عدد ساعات طويل وراتب لا يوازي الجهد. لكن رده في كلّ مرة نصحته فيها بترك المكان كان: “لا أستطيع أن أتركهم الآن، فهم بحاجة شديدة لوجودي”.
لم أكن بحاجة إلى دراسة علمية للتأكد من أنه ليس استثناءً للقاعدة، لكني وجدت بحثاً لجامعة “ديوك” الأميركية خلص إلى أن المدراء يميلون إلى تكليف الموظفين المخلصين بمهام إضافية وأعمال غير مدفوعة الأجر أكثر من زملائهم الأقل التزاماً.
“لا أستطيع إسعاد الجميع”
الولاء في العمل مهم للنجاح، طالما كان مصحوباً بتفاهم أنه قائم على مصلحة متبادلة قد تنتهي عندما يقرر المدير أو المؤسسة أن وقت التغيير قد حان، أو عندما تسنح للموظف أو اللاعب فرصة أفضل في مكان آخر. هذا لا يجعل بالضرورة من تلك القرارات أكثر سهولة بمرور الوقت.
في صيف 2023، أدرك كلوب ذلك تماماً. قرر الاستغناء عن خدمات هندرسون، وبيع فابينيو لنادي الاتحاد السعودي، ونجح في إعادة بناء خط وسط ليفربول بصفقات ممتازة أعادت الحيوية للفريق.
في حواره مع بارتليت، تحدث كلوب عن الضغط الكبير الذي يتعرض له مدربو كرة القدم قائلا: “لا يمكنني إسعاد الجميع. لديك 25 لاعباً، لكن يجب أن تبدأ المباراة بـ11 فقط”.
ركز الإعلام الرياضي العالمي والعربي على تصريحات كلوب عن رفضه العمل في مانشستر يونايتد وعن استعداده “نظرياً” للعودة لتدريب ليفربول، لكن اللقاء الذي امتد لأكثر من ساعتين كان حافلاً بتفاصيل رائعة عن فلسفته في القيادة. كان أبرز ما فيها بالنسبة لي هو حديثه عن تعلمه من الفشل بقدر التعلم من النجاح.
كيف تفشل لتنجح؟
تحدث كلوب، الذي يشغل حالياً منصب مدير قطاع كرة القدم في مجموعة “ريد بول”، عن أن البيئة التي نشأ فيها عودته على مواجهة النكسات بثقة: “الفشل لا يفاجئني. تخيل عالماً يفوز فيه الجميع طوال الوقت. هذا لا يحدث أبداً. المهم هو أن تعرف كيف تتعامل مع فشلك للحصول على ما تريده”.



