اخر الاخبار

أين يوجه العرب طاقة المستقبل الذكاء الاصطناعي أم الهيدروجين؟

تزايد تدفق الأموال إلى الهيدروجين الأخضر في المنطقة العربية خلال الأعوام الماضية، وسط استضافة مدينتين عربيتين هما شرم الشيخ ودبي لقمتي مناخ متتاليتين (كوب 27 و28)، واللتين شهدتا إعلانات عن مشاريع مليارية في هذا الوقود النظيف. لكن التطورات التقنية الأخيرة لاسيما بمجال الذكاء الاصطناعي -بموازاة استمرار ارتفاع التكاليف وعدم القدرة على تسويق الهيدروجين الأخضر- دفعت دولاً إلى إعادة النظر في أولويات توجيه الطاقة بين هذين القطاعين الحيويين.

أنتج هذا الواقع تحولاً في الخريطة الاستثمارية، فبعض الدول لجأت إلى المزامنة بين الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وبين تطوير تقنيات الهيدروجين، في حين أعطت دول أخرى الأولوية الاستثمارية للذكاء الاصطناعي ومنشآته على عملية إنتاج الطاقة.

توازن بين الهيدروجين ومراكز البيانات

هذا التحول دفع شركات عربية متخصصة بالطاقة النظيفة، مثل أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر” إلى السعي لتحقيق التوازن بين توجيه الاستثمارات إلى مشروعات الهيدروجين أو مراكز البيانات، وقال الرئيس التنفيذي للشركة، محمد جميل الرمحي، في مقابلة مع “الشرق” إن الطلب العالمي على منتجات الهيدروجين النظيف جاء أقل من التوقعات، ما يعكس غياب الطلب على وقودٍ كان يُنظر إليه يوماً ما بوصفه محورياً في التحول نحو الطاقة النظيفة.

وأوضح الرمحي أن خطة الشركة كانت تقوم على توليد 6 غيغاواط من الطاقة المتجددة لإنتاج نحو 350 ألف طن من الأمونيا الخضراء، غير أن الكهرباء المخصّصة للمشروع الشمسي البالغة تكلفته 6 مليارات دولار جرى تحويلها لتغذية مراكز البيانات. 

العقبات أمام سوق الهيدروجين الأخضر

تواجه سوق الهيدروجين الأخضر تحديات كبيرة أبرزها ارتفاع الكلفة وغياب المشترين الفعليين. وقال الرمحي إن “التحدي الأساسي اليوم هو غياب المشترين الفعليين للأمونيا الخضراء”، مضيفاً: “نعمل على محاولة إنتاج جزيئات خضراء بسعر تنافسي… فهذا هو الحل الوحيد”، مشدداً على أن مهمته الجوهرية ليست في إنتاج الهيدروجين أو الأمونيا، بل في توفير الكهرباء من مصادر خضراء.




من جانبه، يرى سهيل بن محمد المزروعي، وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، أن تزايد الطلب على الكهرباء بفعل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات يتطلب تكاملاً بين الطاقة التقليدية والمتجددة، مؤكداً أن عدم استقرار الطاقة المتجددة شكل عائقاً لعقود. وفيما يخص الهيدروجين الأخضر، قال إن مستقبله يعتمد على خفض تكلفته ثلاث مرات إضافية رغم تراجعها 50% في السنوات الخمس الماضية، مشيراً إلى مشاريع إماراتية داخل وخارج البلاد لتطوير سوق لمشتقاته في قطاع النقل.

ألمانيا تلغي خطط دعم بـ350 مليون يورو لمشروعات الهيدروجين.. التفاصيل هنا

وفي ظل هذه التحديات، حذرت “مؤسسة التمويل الدولية” من أن ارتفاع التكاليف وصعوبة تأمين تمويل طويل الأجل تُضعف الجدوى الاقتصادية لمشاريع الهدروجين الأخضر، خصوصاً في غياب عقود شراء واضحة مع مشترين نهائيين. ووفقاً لتقرير نشرته “إنتربرايز” (Enterprise)، فإن المستثمرين يواجهون صعوبات في المضي قدماً بالمشاريع ما لم تتوافر عقود شراء مُلزمة.

وانعكس ذلك في انسحابات شركات كبرى مثل “بي بي” من مشروع بقيمة 36 مليار دولار في أستراليا الغربية، وقدرت “بلومبرغ إن إي أف” أن عدد المشروعات الملغاة في 2024 بلغ 20 مشروعاً بالإضافة إلى 10 مشروعات العام الجاري.

اقرأ أيضاً: صخب الهيدروجين الأخضر يخفت بضغط التكاليف الباهظة

الهيدروجين الأخضر مايزال مغرياً

رغم هذه العقبات، دفعت السعودية بخطى حثيثة في مجال الهيدروجين الأخضر عبر عدد من المشاريع الضخمة، أبرزها مشروع “نيوم للهيدروجين الأخضر”، الأكبر عالمياً قيد التنفيذ، والذي يهدف لإنتاج 600 طن متري يومياً من الوقود النظيف بحلول نهاية 2026، وتصدير 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنوياً بدءاً من 2027.

قد يهمك أيضاً: وزير الصناعة السعودي: “نيوم للهيدروجين الأخضر” سيلبي 10% من المستهدف العالمي

كذلك بدأت الإمارات من مرحلة البحث والتجريب عبر مشروع مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، الذي نفذته هيئة كهرباء ومياه دبي بالتعاون مع “إكسبو 2020 دبي” و”سيمنز إنرجي”، حيث يُنتج نحو 20 كيلوغراماً من الهيدروجين الأخضر في الساعة.

أيضاً تواصل سلطنة عُمان تعزيز موقعها في سوق الطاقة الخضراء، عبر إبرام اتفاقيات مع تحالفات دولية بقيمة تفوق 20 مليار دولار لتنفيذ مشاريع في محافظة ظفار والدقم، تشمل شراكات مع شركات يابانية وبريطانية وأخرى عالمية لإنتاج 1.6 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول 2030.

وفي مصر، جذبت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس اتفاقيات تفوق قيمتها 60 مليار دولار في مجال الهيدروجين الأخضر، غير أن معظمها ما يزال دون قرار استثماري نهائي، باستثناء بعض المشاريع التي تستهدف التشغيل في 2028. 

وقعت مصر العام الماضي أربع اتفاقيات كبرى في مجال الهيدروجين الأخضر، بقيم تتراوح من 4 إلى 11 مليار دولار، كما أبرمت اتفاقاً مع تحالف يضم “طاقة عربية” و”فولتاليا” (Voltalia) الفرنسية بقيمة 3.46 مليار دولار، وآخر مع تحالف يشمل “بريتيش بتروليوم”، و”مصدر” الإماراتية، بقيمة 14 مليار دولار في السخنة.

بدوره، أعلن المغرب عن إطلاق ستة مشاريع كبرى للهيدروجين الأخضر باستثمارات تبلغ 32.6 مليار دولار بمشاركة تحالفات دولية تضم شركات من السعودية والإمارات والولايات المتحدة والصين وأوروبا، في خطوة تُعد من بين الأكبر على مستوى القارة. 

اقرأ المزيد: كيف يستثمر المغرب في الطاقات النظيفة من الشمس إلى الهيدروجين؟

وتطمح المملكة إلى تلبية نحو 4% من احتياجات العالم من الهيدروجين الأخضر. وتُقدَّر القيمة الإجمالية للمشاريع المُعلَنة في هذا القطاع بنحو 300 مليار دولار، ما يعزز موقع المغرب كمركز محوري في الاقتصاد الطاقي المستدام، وفق ما أكده كريم زيدان، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار في تصريحات لـ”الشرق”.

فرص الذكاء الاصطناعي بالمنطقة

وسط التحديات التي تواجهها مشروعات الهيدروجين الأخضر، بدأت بوصلة الطاقة تتجه نحو تلبية احتياجات الثورة الرقمية الجديدة التي يقودها الذكاء الاصطناعي. فالتوسع السريع في مراكز البيانات وتطبيقات الحوسبة السحابية يتطلب كميات هائلة من الكهرباء، الأمر الذي يدفع دول المنطقة إلى إعادة توزيع مواردها الطاقية بين مشاريع التحول الأخضر ومتطلبات الاقتصاد الرقمي.

وفي ظل تقديرات “برايس ووترهاوس كوبرز” (PwC) بأن يبلغ إسهام الذكاء الاصطناعي نحو 320 مليار دولار في اقتصادات الشرق الأوسط بحلول عام 2030 بما يدعم ضخ الأموال في هذا القطاع، إذا لم يعد الاستثمار في هذه التقنيات ترفاً، كما تتحول الأنظار إلى بناء بنية تحتية رقمية قادرة على دعم مراكز البيانات الضخمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يعزز تنافسية المنطقة في الاقتصاد العالمي الجديد.

وتتصدر السعودية استثمارات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط بإطلاق صندوق بقيمة 40 مليار دولار مع “أندريسن هورويتز” ومشاريع تتجاوز 100 مليار دولار، إلى جانب تأسيس شركة “هيوماين” لتطوير أشباه الموصلات والنماذج اللغوية ومراكز البيانات ضمن رؤية 2030، وأطلقت الشركة تطبيق “هيوماين تشات” المدعوم بنموذج الذكاء الاصطناعي “علام” متعدد اللغات، وتم تصميمه للإجابة على استفسارات المستخدمين باللغة العربية الفصحى والعامية.

اقرأ المزيد: فورة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط.. ما حجم الاستثمارات وأبرز الدول؟

وفي الإمارات، التي كانت أول من عين وزيراً للذكاء الاصطناعي عام 2017، تقود شركتا “جي 42″ و”إم جي إكس” استثمارات بمليارات الدولارات في مشاريع ضخمة أبرزها “ستارغيت”، في إطار “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031”.

أما قطر والمغرب، فخصصتا 2.5 و1.1 مليار دولار على التوالي للتحول الرقمي، في مسعى إقليمي لجعل الذكاء الاصطناعي محركاً للنمو وتنويع الاقتصاد.

ختاماً يمكن القول إن دول المنطقة توجه أنظارها إلى بناء بنية تحتية رقمية قادرة على دعم مراكز البيانات الضخمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يعزز تنافسية المنطقة في الاقتصاد العالمي الجديد، بدلاً من وضع كل رهانات الاستثمارات في سلّة الهيدروجين الأخضر وانتظار أسواق تصدير غير مضمونة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *