اخر الاخبار

لماذا تتكبد الصين خسائر لتعزز مكانة اليوان؟

تستغل الصين مكانتها كأكبر دائن في العالم للمساعدة في توسيع نطاق استخدام اليوان، مانحةً المقترضين الأجانب فرصة الاستفادة من أسعار الفائدة المنخفضة في الداخل من خلال التخلي عن الدولار.

أصبحت إثيوبيا أحدث دولة تسعى هذا الأسبوع إلى تحويل جزء على الأقل من 5.38 مليار دولار مستحقة لبكين إلى قروض مقومة باليوان. كما يسعى عدد متزايد من الدول إلى الحصول على تمويل صيني أرخص عبر السندات.

اقرأ أيضاً: الصين تدافع عن اليوان في مواجهة التوترات التجارية مع أميركا

لكن لهذه الاستراتيجية ثمناً باهظاً على الصين، يُجبرها على تحمل بعض الخسائر في الوقت نفسه، إذ تراوح أسعار الفائدة المحلية عند مستوى أدنى بكثير من أسعار الفائدة على الدولار.

وأعلنت كينيا أنها خفضت تكاليف خدمة الدين السنوية بمقدار 215 مليون دولار من خلال تحويل قروضها للسكك الحديدية الصينية من الدولار هذا الشهر.

قال مايكل بيتيس، الباحث البارز في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي: “إذا دفع المُقترضون أقل، فإن المقرض يحصل على أقل”. الفائدة التي تعود على الصين مقابل انخفاض الإيرادات هي أن الرنمينبي أصبح عملة أكثر استخداماً على الصعيد الدولي.

ما الذي تستفيده الصين من تحويل القروض الدولارية؟

أفاد أشخاص مطلعون على التوجهات الرسمية بأن الصين تدعم تحويل القروض الدولارية المخصصة أصلاً لدفع ثمن سلعها وخدماتها. وأضاف الأشخاص، الذين طلبوا عدم كشف هوياتهم لأنهم غير مخولين بالحديث علناً، أن هذا النهج يُسهّل على المقترضين دفع ثمن البضائع الصينية باليوان، مما يُعزز دور العملة في تسوية وتمويل التجارة. قال أحدهم إن المبدأ نفسه قد ينطبق على القروض الجديدة المُقدمة لدول خارج القارة الأفريقية.

ما يجعل هذه المقايضة مجدية لدى الصين هو أنها تُرسّخ اليوان بشكل أعمق في التجارة والمدفوعات الدولية، ما يُضعف التفوق المالي للولايات المتحدة في وقت يشهد فيه أكبر اقتصادين في العالم خلافاً. كما أنها تُرسّخ نفوذها في أفريقيا، القارة التي أصبحت وجهةً أكبر بكثير للصادرات الصينية بعدما صعّد دونالد ترمب الرسوم الجمركية الأميركية.

اقرأ أيضاً: كيف ومتى ستنتهي سطوة الدولار الأميركي؟

بينما تحصل الصين في نهاية المطاف على فوائد أقل من خلال مبادلة القروض الثنائية من الدولار إلى اليوان، إلا أنها تُركّز على قضايا أشمل، وفقاً لبيتيس، الذي قال: “إنّ قلق الصين يكمن في أن سيطرة الولايات المتحدة على العملة الدولية الرئيسية تمنحها نفوذاً استراتيجياً”، مثل القُدرة على فرض عقوبات من خلال النظام المالي المرتكز على الدولار.

هل تكلفة رأس المال مواتية للمقترضين من الصين؟ 

بغض النظر عن الحسابات الجيوسياسية، أصبح ممكناً تعزيز حضور اليوان عالمياً لأن ضغوط الانكماش المُستمرة والتباطؤ الاقتصادي في الصين يستدعيان سياسة نقدية ميسرة استجابةً لذلك.

يُمكّن فرق سعر الفائدة بين الولايات المتحدة والصين المُقترضين من الحصول على تكلفة رأس مال مناسبة، فيما يتطلع كثير من المستثمرين العالميين إلى تنويع استثماراتهم بعيداً عن الدولار بعد سياسات ترمب المتقلبة في الداخل والخارج.

باعت المجر وكازاخستان هذا العام سندات مقومة بالعملة الصينية، بينما أعلنت سريلانكا عن نيتها الحصول على قرض باليوان يعادل 500 مليون دولار أميركي لمشروع طريق سريع. في غضون ذلك، تخطط إندونيسيا لأول عملية بيع خارجية لسندات باليوان.

الصين تنتهز الفرصة لتدويل اليوان مع تصاعد الشكوك حول الدولار

أصدرت الحكومات والبنوك المركزية والهيئات الدولية ما مجموعه 68 مليار يوان (9.5 مليار دولار) من الديون والقروض حتى أكتوبر من هذا العام، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ، وهو ضعف إجمالي ما أصدرته لعام 2024 بأكمله.

أعلن وزير مالية زامبيا سيتومبيكو موسوكوتواني في مقابلة الأسبوع الماضي، بأن الدولة الأفريقية، التي تدين أيضاً بمليارات الدولارات للصين، تراقب صفقة كينيا “باهتمام بالغ”.

قال: “أي شيء يخفف عبء ديون زامبيا، أي يوفر المال بالمعنى الحقيقي، هو أمر مثير للاهتمام دائماً… لم نتخذ قراراً بعد بشأن هذه المسألة تحديداً، لكننا نراقب ونتابع ما يحدث”.

في حين أن بكين لم تعلن رسمياً الكثير ولم تؤكد أبداً وجود مناقشات حول القروض، تعهدت وزارة الخارجية بالالتزام “بتعزيز التعاون العملي مع كينيا ودول أفريقية أخرى، وأن تجعل مساهمة الصين لمساعدة أفريقيا تحقق تنمية مستقلة ومستدامة”.

تزايد في عدد الدول المتجهة لقروض اليوان

أدرج يوفان هوانغ، الباحث في مبادرة الأبحاث الصينية الأفريقية بجامعة جونز هوبكنز، لاوس وجيبوتي والكونغو وموزمبيق والسنغال ضمن الاقتصادات منخفضة الدخل التي قد تسعى إلى اتفاقية مع بكين على غرار اتفاقية كينيا.

وقال في هذا الصدد: “قد تطلب دول أخرى بحاجة إلى تخفيف أعباء ديونها اتفاقيةً مماثلةً، لكن تغيير العملة وحده قد لا يكون كافياً لحل مشكلات ديونها غير المستدامة. قد تكون هناك حاجة إلى إعادة هيكلة أو تعديل شروط أعمق”.

إن مبادلات العملات ثنائياً هي جزء آخر من مساعي الصين لتعزيز اعتماد اليوان على المستوى الدولي، وهو اتفاقٌ أبرمته حوالي 30 دولة حول العالم مع البنك المركزي في بكين.

هل تتراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي حالياً؟

أشار دينغ شوانغ، كبير الاقتصاديين لشؤون الصين الكبرى وشمال آسيا في “ستاندرد تشارترد” إلى أن “الصين تحاول إنشاء نظام بيئي لليوان يتيح مزيداً من الخيارات لاستخدامه”. وأضاف أن هذا يشمل تشجيع الدول الأخرى على استخدام العملة في التجارة الثنائية والاستثمار في المنتجات المالية المقومة باليوان.

خلقت سنوات من الإقراض الخارجي الصيني مجموعةً هائلةً من الاقتصادات التي يمكن أن تستفيد من إعادة هيكلة التزاماتها. بيّن كيفن ب. غالاغر، أستاذ سياسات التنمية العالمية في جامعة بوسطن، إن أفقر 78 دولة في العالم، وفقاً لتعريف البنك الدولي، لديها ديون مستحقة للصين تبلغ حوالي 67 مليار دولار.

وقال غالاغر: “إذا أعادت الصين تمويل ديونها للدول لفترات أطول وبأسعار فائدة أقل، فستمنح هذه الدول مساحةً ماليةً تشتد الحاجة إليها… سيكون مفيداً جداً إعادة التمويل إلى هذا المستوى”.

هل نجحت محاولات الصين السابقة لتعزيز مكانة اليوان؟

لطالما حاولت الصين تعزيز مكانة اليوان عالمياً، لكن النتائج كانت ضئيلة، ويعود ذلك جزئياً إلى ضوابط رأس المال الصارمة وقبضة البنك المركزي الشديدة على سعر الصرف.

مع ذلك، يحسّن بنك الشعب الصيني أولوياته، بأن تعهد حديثاً بمواصلة فتح الأسواق المالية المحلية ودعم المؤسسات الأجنبية المهتمة باستخدام اليوان كعملة تمويل.

كما وسعت بكين نطاق الوصول إلى أسواق إعادة الشراء المحلية، وأطلقت نظام دفع سريع مع هونغ كونغ لجذب مزيد من الأجانب إلى اليوان.

في الوقت نفسه، أدى الارتفاع المستمر في أسعار الأسهم الصينية المحلية إلى تعزيز الطلب على اليوان، ما دفع مزيداً من المستثمرين إلى الأسواق المحلية. وقد حافظت ضوابط رأس المال الصينية وتفضيل بنك الشعب الصيني للاستقرار على ثبات العملة على الرغم من انخفاض عائدها.

33 تريليون دولار على المحك.. اقتراح بتجميد ديون الدول الناشئة عند الأزمات

في المقابل، فقد الدولار حوالي 7.5% من قيمته مقابل سلة من العملات العالمية حتى الآن هذا العام، مع زعزعة وضعه كملاذ آمن بسبب سياسات ترمب الجمركية الفوضوية وتضخم الدين الأميركي.

في حين أن النظام العالمي في حالة تقلب، تواجه بكين اختلالاً هيكلياً جعل اقتصادها يعتمد بشدة على عملة منافسها الرئيسي. هذا الاعتماد يشكل هذا الأمر نقطة ضعف للصين، خاصةً بعد أن أظهرت واشنطن أنها منفتحة على استخدام الدولار كسلاح وذلك ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا.

صرح غابرييل ويلداو، المدير الإداري لشركة “تينيو” الاستشارية، بأن مشتريات الصين المكثفة من الذهب في السنوات الأخيرة تُعدّ من بين المؤشرات على أنها تُحرز “تقدماً مطرداً وتدريجياً نحو التخلي عن الدولار… ستجد الصين ودول أخرى غير غربية سبلاً لتقليل اعتمادها على الدولار تدريجياً، مع تحوّل مدفوعات اليوان إلى خيار احتياطي أكثر جدوى”.

هل يصبح اليوان عملة احتياطية عالمية؟

يتمثل الهدف المباشر لبكين في بناء نظام نقدي متعدد الأقطاب، يُوفر فيه اليوان بديلاً موثوقاً. أما الطموح الأسمى على المدى البعيد، فهو تحويله إلى عملة احتياطية عالمية حقيقية، تعكس مكانة الصين كقوة عظمى تقنية واقتصادية.

في تعليقات نشرتها مجلة “كيوشي” التابعة للحزب الشيوعي في سبتمبر، قال محافظ بنك الشعب الصيني، بان غونغ شنغ، إن النظام الدولي قد “يتطور نحو هيكل تتعايش فيه بضع عملات سيادية، وتتنافس، ويوازن بعضها بعضاً”.

لكن كثيراً من الاقتصاديين يقولون إن أسعار الفائدة المنخفضة في الصين وحدها لن تكفي لرفع مكانة اليوان العالمية في غياب إصلاحات أعمق.

قال لويس كويجس، كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز” للتصنيفات الائتمانية: “لا يُرجح أن يظل هذا التكوين لأسعار الفائدة دون تغيير إلى الأبد… هناك حاجة إلى عوامل أخرى لدفع اتجاه هيكلي شامل نحو تدويل اليوان، بما يشمل تسهيل وصول الأجانب إلى الأسواق المالية الصينية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *