قيود الصين الجديدة على المعادن النادرة تشعل سباق إمدادات

تمثل القيود الجديدة الواسعة التي فرضتها الصين على صادرات المعادن النادرة أول محاولة كبيرة للسيطرة على التدفق العالمي للمعادن الحيوية التي تهيمن عليها، مستفيدة من الأسلوب نفسه الذي يمكّن الولايات المتحدة من ممارسة نفوذها خارج حدودها.
تشترط القواعد التي أُعلنت الأسبوع الماضي على الشركات الأجنبية الحصول على موافقة الحكومة الصينية قبل تصدير أي منتجات تحتوي حتى على كميات ضئيلة من بعض المعادن النادرة المستخرجة في الصين.
يمثل هذا النفوذ خارج الحدود إعلاناً عن سيطرة الصين على سلاسل التوريد العالمية للمواد الضرورية لكل شيء، من الطائرات المقاتلة إلى السيارات الكهربائية.
كتب آرثر كروبير ولايلا خواجة المحللان لدى “غافيكال ريسيرش” (Gavekal Research) في مذكرة بحثية يوم الاثنين “بعد عقود من السعي المستمر، أصبح لدى الصين أخيراً بعض المزايا التكنولوجية الحقيقية مقارنة بالولايات المتحدة”. وهذه الحزمة من الإجراءات لم تصدم الولايات المتحدة فقط، بل دفعتها إلى التعهد بالتصدي لها.
اقرأ أيضاً: الصين تشدد القيود على تصدير تقنيات المعادن النادرة
ردود أوروبية غاضبة
قال وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكه راسموسن، الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية، يوم الثلاثاء: ” ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يرد بحزم”.
واتهم مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، الصين بـ”استغلال العلاقات التجارية المتبادلة لتحقيق مكاسب سياسية”، وذلك أثناء حديثه في واشنطن وسط تجمع رؤساء المؤسسات المالية العالمية خلال اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
في حين ستتوقف حدة الاضطراب على مدى تطبيق القواعد الجديدة، فقد دفعت هذه الخطوة الشركات وصانعي السياسات على حد سواء للبحث عن تدابير مضادة محتملة وبدائل مستقبلية للمواد الحيوية القادمة من الصين.
أميركا تحشد لمواجهة الصين
قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في مقابلة مع قناة “فوكس بيزنس” يوم الاثنين: “لن نسمح باستمرار هذه القيود على التصدير وعمليات المراقبة المصاحبة لها”. وأضاف: “لقد وجهوا ضربة قوية نحو سلاسل التوريد والقاعدة الصناعية للعالم الحر بأسره”.
وأعلن أنه يتوقع الحصول على دعم منسّق من أوروبا والهند، إلى جانب دول ديمقراطية أخرى في آسيا، في إشارة واضحة إلى اليابان وكوريا الجنوبية. وقال دومبروفسكيس إنه يتوقع إجراء مناقشات هذا الأسبوع خلال اجتماع مجموعة السبع في واشنطن.
قد يؤدي التطبيق المبالغ فيه من قبل الصين إلى تسريع جهود إنشاء سلاسل توريد بديلة، مما يقوض هيمنة الصين على المدى الطويل- تماماً كما قد تؤدي القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على الرقائق المتقدمة إلى نتائج عكسية وتشجيع الابتكار الصيني.
اقرأ أيضاً: ترمب وشي يشعلان فتيل أزمة تجارية جديدة والاقتصاد العالمي على نار
شهدت شركات التعدين الأسترالية العاملة في مشاريع المعادن الحيوية ارتفاعات مذهلة في الأسهم يوم الثلاثاء، حيث أغلق سهم “ريزوليوشن مينيرالز” (Resolution Minerals) مرتفعاً بنسبة 56%، فيما صعد سهم ” نوفا مينيرالز” (Nova Minerals)، بنسبة 16%.
الهند تبحث عن حلول بديلة
في الهند، بدأ صانعو السيارات وموردو القطع أو المكونات بتسريع تجارب المغناطيسات المصنوعة من الفريت، كبديل أقل كفاءة ولكنه أكثر أماناً من الناحية الجيوسياسية للمعادن النادرة الثقيلة التي كانوا يعتمدون عليها سابقاً، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. قال الأشخاص إن لديهم مخزوناً يكفي الاحتياجات حتى ديسمبر في الوقت الحالي.
اقرأ أيضاً: الهند تدرس إنشاء احتياطي استراتيجي من المعادن النادرة
تُمثل إجراءات الصين تكيّف الرئيس شي جين بينغ لتكتيكات سبق أن ابتكرتها الولايات المتحدة- باستخدام الهيمنة في القطاعات الحيوية بمثابة أداة ضغط ضد المنافسين الأجانب.
في حين تمتلك واشنطن القدرة على استخدام الدولار لممارسة نفوذها خارج حدودها، تستغل الصين الآن سيطرتها المطلقة على معالجة المعادن النادرة وإنتاج المغناطيسات الدائمة.
قال كريس كينيدي، محلل جيواقتصادي أول (محلل العلاقة بين السياسة العالمية والاقتصاد الدولي) لدى “بلومبرغ إيكونوميكس”، والذي سبق أن عمل في مجلس الأمن القومي خلال إداراتي بايدن وترمب: “تمتلك الولايات المتحدة نفوذاً لا مثيل له في الأسواق المالية، بفضل انتشار الدولار وأهمية مركزية النظام المالي الأميركي”. وأضاف: “تمتلك الصين نفوذاً عالمياً من خلال هيمنتها على الصناعات الأساسية الضرورية للتصنيع العالمي”.
قيود أوسع على المعادن
إن إدراج خمسة معادن نادرة إضافية في القائمة الصينية للمعادن النادرة المقيدة بالتصدير-الهولميوم واليوروبيوم والإيتربيوم والثوليوم والإربيوم- سيجعل من الصعب على الشركات إيجاد بدائل للمغناطيسات المصنوعة من السبعة معادن التي شملتها القيود التي أعلنتها بكين في أبريل الماضي.
على المدى القصير، تظل البدائل محدودة. تتحكم الصين في 70% من إجمالي المعادن النادرة المستخرجة عالمياً، وأكثر من 90% من المغناطيسات الدائمة المصنوعة من هذه المعادن.
اقرأ أيضاً: ما هي المعادن النادرة؟ ولماذا تقع في قلب الحرب التجارية؟
على الرغم من أن شركات في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد أبلغت سابقاً عن نقص في الإمدادات وتوقف الإنتاج خلال القيود الصينية السابقة، فإن إنشاء قدرات إنتاج بديلة يستغرق سنوات.
إذا تم تطبيق هذه السياسة بصرامة، فإنها تشكّل نقطة اختناق تعتمد على التكنولوجيا الصينية وتؤثر عملياً على جميع الصناعات الحديثة التي تعتمد على المغناطيسات الدائمة عالية الأداء.
تنطبق هذه الإجراءات ليس على المواد الخام فحسب، بل تشمل أيضاً المنتجات المصنوعة في الخارج باستخدام المعادن النادرة الصينية- حتى عندما تمثل هذه المواد 0.1٪ فقط من قيمة المنتج.
مبررات أمنية صينية
بررت وزارة التجارة الصينية هذه القيود بأسباب تتعلق بالأمن القومي، مشيرة إلى أن المعادن النادرة متوسطة وثقيلة الوزن لها تطبيقات عسكرية هامة. وأكد المسؤولون أن الإجراءات لن تحظر الصادرات بالكامل، ووعدوا بالموافقة على الطلبات التي تفي بالمتطلبات التنظيمية.
أعرب باحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إحدى أبرز مراكز الفكر المرتبطة بالحكومة، في تعليق يوم الاثنين عن الطموح للسيطرة على التدفق العالمي لهذه المعادن، بغض النظر عن النوايا.
قال وانغ زيانغ، الباحث المساعد في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن الصين تتحول من كونها مجرد مورد إلى “السلطة المسيطرة على سوق المعادن النادرة”، مؤكداً أن هذه الإجراءات تمنع الاستخدام العسكري للعناصر وتصب في المصلحة المشتركة للمجتمع العالمي.يمثل هذا التحرك الأخير ذروة سنواتٍ من التوسع في نظام بكين للرقابة على الصادرات.
قبل قمة شي وترمب
منذ عام 2020، شرعت الصين في بناء منظومة متكاملة تحاكي نظام الضوابط الأميركي، بدءاً من إدراج الكيانات في القوائم السوداء، وصولاً إلى فرض نفوذها خارج حدودها على التكنولوجيا ذات المنشأ الصيني.
يبدو أن توقيت الخطوة مرتبط بتوسيع واشنطن لقائمة الكيانات المستهدفة، التي تشمل شركات صينية عاملة في قطاع أشباه الموصلات وهي خطوة اعتبرتها بكين انتهاكاً للتفاهمات الثنائية التي جرى التوصل إليها في مدريد الشهر الماضي، والتي تنص على عدم فرض أي قيود جديدة أثناء محادثات التجارة.
قد تُستخدم هذه القيود كورقة ضغط تفاوضية قبيل المحادثات المرتقبة بين الرئيس شي جين بينغ والرئيس الأميركي دونالد ترمب في وقت لاحق من هذا الشهر.
قد يهمك: بيسنت: لقاء شي وترمب لا يزال قائماً و”جميع الخيارات مطروحة”
قال كروبير وخواجا إن الإعلان يمهّد لمفاوضات يمكن أن توافق فيها الصين على تخفيف قيودها على تصدير المعادن النادرة، مقابل تنازلات مماثلة من جانب الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقيود على تصدير أشباه الموصلات.
بغضّ النظر عن نتائج تلك المحادثات، لكن من غير الواقعي توقع أن تُلغى القيود تماماً أو تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً، حسبما قال أوليفر ميلتون، الذي شغل حتى وقتٍ قريب منصب الملحق المالي الأميركي في بكين، ويعمل حالياً مديراً لقسم الشؤون الصينية في مجموعة “روديوم” (Rhodium).
النضال حتى الرمق الأخير
أوضح أن “هذا قرار استراتيجي يهدف إلى ضمان امتلاك السلطات الصينية نفوذاً مستمراً ودائماً على الولايات المتحدة ودول أخرى، لردع أي قيود تصدير محتملة ضد الصين في المستقبل”.
وأضاف: “يدرك صانعو السياسات في الصين جيداً أنهم يمتلكون القدرة على تعطيل إنتاج الشركات الأميركية الكبرى، بطرق تُضاعف أثر ذلك على الأسواق الأميركية مثل استهداف شركات كبرى مثل أبل وتسلا على سبيل المثال”.
أشارت وزارة التجارة الصينية إلى استعدادها للحوار مع الدفاع عن إجراءاتها، قائلة في بيان يوم الثلاثاء إن بكين “ستقاتل حتى النهاية إذا لزم الأمر”، في حين يظل باب الحوار مفتوحاً.
اقرأ أيضاً : البنتاغون يبحث شراء وتخزين معادن حيوية بقيمة مليار دولار
قبضة صينية على المعادن النادرة
بعيداً عن منطق الانتقام أو تكتيكات التفاوض، تأتي هذه الإجراءات في إطار تعزيز الاستراتيجية الصناعية الأوسع لبكين. من خلال إحكام السيطرة على تقنيات المعالجة ومعدات التصنيع، تسعى الصين إلى إبقاء منافسيها في موقعٍ متأخر، مع تشجيع إقامة شراكات مع الشركات الصينية.
تدخل القواعد المنظمة للمصنّعين في الخارج الذين يستخدمون المعادن النادرة الصينية أو المعدات المرتبطة بها حيّز التنفيذ في الأول من ديسمبر المقبل. قد يؤدي تطبيق الحد الأدنى البالغ 0.1% من القيمة على أي منتج يحتوي على معادن نادرة صينية إلى التأثير على شريحة واسعة من السلع الوسيطة، ومن المرجّح أن يتسبب في تأخيرات كبيرة على صعيد الإجراءات الإدارية والتصاريح.