اخر الاخبار

متى تتمكن أوروبا من الاستغناء عن الطاقة الروسية؟

تسرّع بروكسل جهودها لخفض الاعتماد على الطاقة الروسية تماشياً مع مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بخفض الواردات من روسيا، وزيادة مشتريات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة. فهل يستطيع الاتحاد الأوروبي تحقيق ذلك؟

على الرغم من العقبات الاقتصادية والسياسية، نعتقد ذلك. إلا أن الخطر على المدى الطويل يكمن في أن تبدّل أوروبا اعتماداً على مصدر بآخر، وهذه المرة على الولايات المتحدة التي تزداد تقلباتها صعوبةً.

أوروبا عاجزة عن التخلص من إدمانها للغاز الطبيعي الروسي

تبتعد أوروبا بالفعل عن الطاقة الروسية، لكن ترمب قال إنه يجب على الأوروبيين خفض وارداتهم من الوقود الأحفوري من روسيا إذا كانوا يريدون عقوبات أميركية أشد على موسكو. وبينما قد يكون هذا التصريح تكتيكاً لتجنب اتخاذ إجراءات أشد، تدرك بروكسل أنه يجب عليها تسريع هذه الخطط للحفاظ على فرصة ضئيلة لإقناع واشنطن.

المقترحان الرئيسيان قيد المناقشة هما التخلص التدريجي الكامل من واردات الغاز الروسي، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، بحلول نهاية عام 2026، وحظر واردات النفط الروسي بدءاً من يناير. ستؤدي هذه الإجراءات إلى تكاليف اقتصادية للاتحاد الأوروبي ككل، وعلى بعض الدول الأعضاء على وجه الخصوص، ولكن تظل هذه التحديات قابلة للإدارة.

التخلص التدريجي يجنب أوروبا قفزة في أسعار الكهرباء

في ما يتعلق بالغاز، فإن تقديم التخلص التدريجي لمدة عام قد يضع ضغوطاً تصاعدية على الأسعار الفورية بحلول نهاية عام 2026، ويخفف من توقعات العرض الزائد في عام 2027. ويخاطر الخروج السريع بدفع الأسعار إلى الارتفاع والتأثير مرة أخرى على تكاليف الكهرباء في عديد من الأسواق الأوروبية.

مع ذلك، فإن زيادة تنويع الإمدادات وقدرة البنية التحتية، إلى جانب انخفاض الطلب على الغاز، جعلت التكتل أقل عرضة لصدمات العرض. نقدر أنه حتى في سيناريو القطع الكامل لصادرات الغاز الروسي، لن تشهد أوروبا تكراراً لارتفاع الأسعار الشديد في عام 2022.

سيكون لحظر النفط عواقب محدودة على الاتحاد الأوروبي حيث توقفت معظم الدول الأعضاء عن استيراد النفط الروسي. المجر وسلوفاكيا هما الدولتان الوحيدتان في الاتحاد الأوروبي اللتان تعتمدان على النفط والغاز الروسيين عبر خطوط الأنابيب.

الحظ لن يحالف أوروبا في سوق الغاز كل مرة

رغم الحرب على أوكرانيا عام 2022 والعقوبات الأوروبية المتتالية، فقد زادت كلتاهما اعتمادهما على موسكو بدلاً من أن تقلله. وهذا لا يعكس الاعتبارات الاقتصادية فحسب، بل يعكس أيضاً الخيارات السياسية لحكومتي بودابست وبراتيسلافا.

يمكن لكلا البلدين استبدال الطاقة الروسية بزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال عبر محطة كرك الكرواتية، وشراء الغاز غير الروسي عبر خطوط الأنابيب من الدول المجاورة، وتحويل تدفقات النفط الخام من خط أنابيب “دروغبا” إلى البحر الأدرياتيكي (خط أنابيب أدريا).

توسعت شبكات الربط الإقليمية وقدرة الغاز الطبيعي المسال منذ عام 2022، وتهدف مجموعة “إم أو إل” (MOL) المجرية إلى إعادة تجهيز مصافيها المجرية والسلوفاكية لتعمل بالكامل على النفط الخام غير الروسي بحلول عام 2026. 

مع ذلك، فإن تكوين المصافي، والوصول إلى خط أنابيب أدريا، وعقود التوريد طويلة الأجل تُشكل عقبات رئيسية.

تحوّل مكلف لكن دولاً أخرى تمكنت من تحقيقه

ستتطلب عملية التحول حوالي 500 مليون دولار لتكييف المصافي، بالإضافة إلى مئات الملايين من الدولارات لتحديث خطوط الأنابيب والوصلات. في حين أن النمسا والتشيك تمكنتا من إدارة هذا التحول، فإن مسار المجر وسلوفاكيا يعتمد في النهاية على الإرادة السياسية.

في أكتوبر، وقعت المجر أكبر صفقة للغاز الطبيعي المسال على الإطلاق مع شركة ”إنجي“ (Engie) الفرنسية، وهي الثانية في شهرين، ما يشير إلى الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد والاستعداد للانفصال عن روسيا.

ومع ذلك، لا تبدأ هذه الصفقة إلا في عام 2028. ستدخل اتفاقية شراء الغاز الطبيعي المسال الأصغر حجماً مع شركة “شل” (Shell)، الموقعة في سبتمبر 2025، حيز التنفيذ في عام 2026.

أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا أسوأ مما تبدو عليه

ما تزال براتيسلافا وبودابست تعارضان من حيث المبدأ أي تحرك لتقليل حاد في اعتمادهما على الوقود الأحفوري الروسي. مع ذلك، تعمل بروكسل على إيجاد طرق لتعظيم فرص الكتلة في خفض الواردات من روسيا قدر الإمكان. 

في البرلمان الأوروبي، حيث يُناقش الملف، توصل الأعضاء حديثاً إلى حل وسط لتقديم الموعد النهائي لواردات الغاز الروسي إلى نهاية عام 2026. سيُطرح الاقتراح للتصويت في اللجنة في 16 أكتوبر، ويُتوقع أن تسريعه نحو المفاوضات النهائية مع الدول الأعضاء.

للموافقة عليه، يجب أن يحصل على أغلبية في البرلمان وأغلبية مؤهلة في المجلس، ما يعني أنه لا يمكن لأي دولة عضو واحدة نقضه. كما اقترحت المفوضية الأوروبية حظراً محدداً على الغاز الطبيعي المسال الروسي في حزمة العقوبات التاسعة عشرة، التي سيسرع تنفيذها وتتطلب موافقة بالإجماع من الدول الأعضاء.

الدنمارك تشدد تفتيش ناقلات النفط لردع أسطول الظل الروسي

في حين أن المجر أو سلوفاكيا قد تحاولان منعه، فإن حقيقة أن الإجراء يستهدف الغاز الطبيعي المسال فقط قد تقلل من احتمالية قيامهما بذلك. قد يكون تقليل الاعتماد على النفط أصعب.

تدعو التعديلات المتفق عليها في البرلمان إلى حظر دائم على واردات النفط الروسي اعتباراً من عام 2026، لكن المفوضية تدرس أيضاً فرض رسوم جمركية على النفط الروسي لتثبيط المشتريات في البلدان التي تواصل استهلاكه.

يشير هذا إلى أن بروكسل قد تكون حذرة من احتمال عدم امتثال المجر وسلوفاكيا. ومن خلال تعويم الرسوم الجمركية، تُشير المفوضية إلى استعدادها لفرض تخفيضات على واردات النفط، إذ يمكن الموافقة على الرسوم الجمركية بسرعة أكبر ولا يمكن للدول عرقلتها.

بعد المجر.. سلوفاكيا تتمسك بالنفط الروسي وتقاوم ضغوط ترمب

كما أن تسريع فك الارتباط سيعزز موقف الاتحاد الأوروبي بأنه سيزيد مشتريات الوقود الأحفوري الأميركية بموجب اتفاقية التجارة المبرمة هذا الصيف، على الرغم من أن انخفاض واردات الطاقة الروسية لن يخلق طلباً كافياً لتلبية هدف التصدير الأميركي البالغ 750 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات.

الولايات المتحدة هي الآن أكبر مورد للغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فقد وضعت أوروبا بالفعل رهاناً جيوسياسياً كبيراً على الطاقة، ولم ينته الأمر بشكل جيد. إن التحول إلى الاعتماد على ما يمكن أن يصبح شريكاً آخر غير موثوق به يحمل مخاطر، خاصة مع وجود رئيس أميركي في البيت الأبيض يبدو على استعداد لاستخدام كل رافعة متاحة لانتزاع تنازلات من الحلفاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *