قطاع الرعاية الصحية السعودي.. فجوات سعرية تفتح شهية المستثمرين

تشهد السوق المالية السعودية تداخلاً بين الحذر والترقب، إلا أن قطاع الرعاية الصحية يواصل إثبات مرونته كأحد أبرز القطاعات الدفاعية، مدعوماً بتحولات ديموغرافية واقتصادية تعزز فرص النمو طويل الأجل ضمن مستهدفات “رؤية السعودية 2030”.

تظهر بيانات جمعتها “الشرق” من “بلومبرغ” و”أرقام” أن معظم الشركات المدرجة ما زالت تتداول عند مستويات سعرية أدنى من المتوسط المستهدف الذي يقدّره المحللون، ما يعني وجود فجوة إيجابية يمكن أن تتيح فرصاً لمكاسب مجزية مستقبلاً.

في الترتيب المعتمد على نسبة الفارق بين السعر السوقي ومتوسط التوصيات البحثية، جاء تقييم “إس إم سي” الصحية في الصدارة بنسبة ارتفاع محتملة عن السعر السوقي تبلغ 48%، رغم اقتصار عدد التوصيات على اثنتين فقط.

وقال المحلل المالي محمد الميموني إن “مستوى التفاؤل الكبير تجاه “إس إم سي” يعكس ثقة المحللين بمرونة نموذج أعمالها وقدرتها على التوسع المستدام، إذ تمتلك مزيجاً ناجحاً بين التشغيل المباشر والتحالفات الاستراتيجية، ما يمنحها كفاءة تشغيلية انعكست على هوامش الربح الأخيرة”. وأضاف أن “رغم النظرة الإيجابية، تواجه الشركة تحديات أبرزها ارتفاع التكاليف التشغيلية والمنافسة على الكوادر الطبية، إضافة إلى أهمية الحفاظ على هوامش ربح مستقرة وإدارة التوسعات بكفاءة لتجنب ضغوط على التدفقات النقدية والعائد على حقوق المساهمين”.

أما عضو جمعية الاقتصاد السعودية سعد آل ثقفان فقال إن “مكرر ربحية الشركة أعلى من 30 مرة، لكن لدى الشركة توسعات كبيرة في مدينة الرياض بإضافة 3 مستشفيات جديدة وقرابة 700 سرير، مما يدعم الإيرادات والأرباح بشكل كبير، وبالتالي يخفض مكرر الأرباح المستقبلي بشكل واضح، وهو ما رفع التوقعات المستقبلية لسعرها”.

السعودي الألماني.. نمو مدعوم بتقييم جذاب وتوسع استراتيجي

في المرتبة الثانية، برز سهم “السعودي الألماني الصحية” كأحد أبرز الأسماء في المشهد الاستثماري للقطاع الصحي السعودي، إذ يعكس الفارق الكبير البالغ 42% بين السعر الحالي للسهم (57.8 ريال) ومتوسط التوصيات (82.21 ريال) ثقة بيوت الخبرة في قدرته على تحقيق نمو قوي خلال الفترات المقبلة.

وبحسب المحلل المالي محمد الميموني في حديثه لـ”الشرق”، فإن النظرة الإيجابية تجاه السهم تستند إلى عوامل أساسية وتنظيمية متعددة. فعلى الصعيد الأساسي، تدعم استراتيجية التوسع الجغرافي للشركة داخل المملكة وخارجها فرص نموها عبر الوصول إلى مناطق ذات طلب مرتفع وخدمات طبية محدودة، ما يعزز حصتها السوقية.

أما على المستوى التنظيمي والديموغرافي، فإن التوسع في برامج التأمين الصحي وارتفاع نسبة المستفيدين يزيد الإقبال على خدمات القطاع الخاص، وهو ما تستفيد منه الشركة بفضل بنيتها القوية وانتشارها الواسع.

وأشار الميموني إلى أن السهم ما زال يتمتع بجاذبية تقييمية، إذ لا يعكس سعره الحالي إمكانات النمو الكامنة رغم تحسن الإيرادات وهوامش التشغيل. كما أن الشركة تتميز بتموضع متوازن يجعلها خياراً مفضلاً للمستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء، فهي ليست من الشركات الضخمة مرتفعة السعر التي يصعب على الأفراد الدخول إليها، ولا من الشركات الصغيرة ذات المخاطر العالية، مما يمنحها جاذبية مزدوجة للمستثمر الباحث عن نمو مستدام وعائد مجزٍ.

ويختتم الميموني بأن السهم يجمع بين تقييم جذاب، وأساسيات قوية، وتوسع مستمر، ودعم اقتصادي وتنظيمي، ما يبرر التوصيات الإيجابية عليه بأهداف سعرية تفوق مستوياته الحالية.

أما “الحمادي” فجاءت في المرتبة الثالثة بفارق نسبته 35%. وتلتها شركات أخرى في الترتيب، من بينها “المواساة” التي سجلت فارقاً بنسبة 21%، و”رعاية” التي أظهرت فارقاً قدره 10%.

فقيه الطبية..مكررات ربحية مرتفعة

سهم “فقيه” جاء بمزيج من الفرص والمخاطر، مع فارق قدره 16%. ويرى عضو جمعية الاقتصاد السعودية سعد آل ثقفان أن الفرق بين السعر الحالي والمتوسط المستهدف منخفض نتيجة ارتفاع مكرر الربحية الذي يتجاوز 30 مرة، إلى جانب النمو المستقبلي المعتدل للشركة، وهو ما يحدّ من انخفاض المكررات بشكل كبير ويرفع التوقعات السعرية المستقبلية وفقاً لتقديرات بيوت الخبرة. ويقارن ذلك بشركة “السعودي الألماني” التي تتداول عند مكرر قريب من 20 مرة (باستبعاد الأرباح غير المكررة)، مع توقعات قوية بنمو الإيرادات والأرباح، ما يخفض المكررات ويدعم رفع السعر المستقبلي المتوقع للسهم.

سهم أكبر شركة في القطاع لديه فرص صعود 15%

أما “الحبيب”، أكبر شركات القطاع من حيث القيمة السوقية وسعر السهم البالغ 267.4 ريالاً، فجاءت بتوصيات أكثر تحفظاً، إذ بلغ الفارق بين السعر الحالي ومتوسط التوصيات 15% فقط.

يرى المحلل المالي الأول في صحيفة الاقتصادية ماجد الخالدي أن سهم “الحبيب” قلّص خسائره خلال العام الحالي بعد ارتداده من مستويات 227 ريالاً، حين كان يتداول عند مكرر ربحية أدنى من متوسط الأعوام الخمسة الماضية، ما دعم صعوده بشكل ملحوظ في الأسبوعين الأخيرين. ويُرجّح أن أرباح الربعين القادمين ستحفّز أداء السهم مع إمكانية وصوله إلى مستويات تقترب من 300 ريال، وهي القيمة العادلة المرجحة استناداً إلى الأداء المتوقع للعام الجاري، حيث ستسهم التوسعات الجديدة في نمو الأعمال بأكثر من 20% مقارنة بـ17.8% المسجلة في عام 2024.

سهما “دله” و”الموسى” فوق السعر المستهدف

وفي المراتب الأخيرة من حيث الفارق، يتداول سهما شركتا “دله” و”الموسى”، أعلى من متوسط السعر المستهدف، إذ جاء سعر سهم “دله الصحية” أعلى بنحو 1%، ولـ”الموسى” قرابة 6%.

ويُشير المحلل المالي ماجد الخالدي إلى أن “دله الصحية” مرشحة لتحقيق إيرادات فصلية مليارية للربع الثاني على التوالي، مستفيدة من الاستحواذات والتوسعات الجديدة، إلا أنه لا يُتوقع تسجيل نمو واسع في صافي الربح نتيجة ارتفاع تكاليف المشاريع واستمرار خسائر مستشفى دله الخبر الذي ما زال في مراحل التشغيل الأولى. كما يرى أن السهم يتداول بالقرب من متوسط توقعات المحللين، لكن أي تطورات إيجابية تفوق التقديرات قد تدفعه إلى مستويات أعلى، خصوصاً أنه ما زال يتداول عند مكررات ربحية أدنى من متوسط الأعوام الخمسة الماضية، وكذلك عند مكرر 4.1 مرة للمبيعات، وهي مستويات تُعد داعمة في حال جاءت النتائج الربعية أفضل من المتوقع.

رغم التفاوت في التقييمات، يجمع المحللون على أن القطاع الصحي السعودي بات خياراً استثمارياً متوازناً يجمع بين الاستقرار والعائد، مستفيداً من سياسات توسعية في برامج التأمين وزيادة الإنفاق على الصحة العامة.

وتوفّر البنية المتنوعة للقطاع مساحة أوسع للمستثمرين لتوزيع محافظهم بين شركات نمو مرشحة لصعود قوي، وأخرى مستقرة تقدم عائداً مستداماً، وهو ما يعكس نضج السوق السعودية المتسارع وجاذبيتها المتزايدة على المستويين الإقليمي والدولي.