ترمب يشعل التوترات الجيوسياسية في أميركا اللاتينية

لسنوات، كانت لوحة الاقتصاد الكلي في أميركا اللاتينية تُحددها المؤشرات المعتادة مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي والتضخم وأسعار الفائدة والصرف والحسابات المالية والخارجية. وكانت المؤشرات الجيوسياسية حاضرة دائماً، ولكنها كانت أشبه بمقياس في الخلفية.
ومنذ بداية ولاية ترمب الثانية، يُومض هذا المقياس بتواتر أكبر ويتجاوز أهميةً ما سواه من مفردات تلك اللوحة. لم يكن هذا الوضع أوضح مما كان عليه في الأرجنتين هذا الأسبوع، حيث أدى وعد الدعم الأميركي إلى تراجع أسعار الأصول عن حافة الهاوية. لكنه أصبح أيضاً عاملاً بارزاً في البرازيل والمكسيك وفنزويلا وكولومبيا: فقد أصبح موقف هذه الدول مع واشنطن بالغ الأهمية على صعيدي الاقتصاد الكلي والأسواق.
أميركا اللاتينية على أعتاب تحول شامل
تتميز الأرجنتين بالمدى الذي يعزز فيه اتساقها مع واشنطن آفاقها الاقتصادية الكلية. في أبريل، كان الدعم الأميركي حاسماً في تأمين حزمة بقيمة 20 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي. وهذا الأسبوع، عادت واشنطن لإنقاذ البلاد من خلال إصدار بيان دعم أشبه بتصريحات دراغي، ما أدى إلى تحول جذري في أسعار الأصول.
الاقتصاد الأكبر أكثر تأثراً
لقد كان التوافق غير المشروط مع واشنطن بمثابة تغيير لقواعد اللعبة بالنسبة لهذا الاقتصاد، حتى الآن بتكلفة محدودة. على الرغم من أن البرازيل، أكبر اقتصاد في المنطقة، لم تتأثر توقعاتها الاقتصادية الكلية بعلاقتها مع الولايات المتحدة بشكل كبير مثل الأرجنتين، إلا أنها تأثرت سلباً في حالتها، وبشكل رئيسي من خلال الرسوم الجمركية.
وفقاً لتقديراتنا، فإن التنفيذ الكامل للرسوم الجمركية عند مستوى 50% الذي هدد بها الرئيس دونالد ترمب في 9 يوليو كان من شأنه أن يعرض 1% من الناتج المحلي الإجمالي للخطر.
البرازيل تطلق حزمة مليارية لدعم الشركات المتضررة من رسوم ترمب
فيما خففت الولايات المتحدة من تلك الضربة في 30 يوليو بقائمة طويلة من الإعفاءات، ما تزال البرازيل تواجه وسطياً رسوماً جمركية أميركية تبلغ 29%، ارتفاعاً من 1.3% في عام 2024، وهو أحد العوامل الكامنة وراء توقعات النمو الأيسر.
قد يمهد اجتماع (أو حديث) بين ترمب والرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الأسبوع المقبل الطريق لمزيد من التخفيف من حدة الهجوم الأميركي إذا تمكن القادة من البناء على ”الكيمياء البينية” للتوصل إلى اتفاق.
أثر استهداف الولايات المتحدة للبرازيل أيضاً على التوقعات السياسية، من خلال منح لولا دفعة وإلقاء الشكوك على التحول المحتمل إلى اليمين في عام 2026، الذي ربما ترحب به الأسواق.
لقد تعاملت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم مع علاقة ثنائية صعبة بمهارة ملحوظة، حيث نجت من أسوأ ما تبلغه رسوم ترمب. لقد أظهرت الحزم علناً فيما تجنبت نوع التصريحات أو الإجراءات الساخنة التي كانت ستستفز ترمب. كما عايرت تنازلاتها وخطوطها الحمراء للتركيز على القضايا التي تحمل آثاراً من الدرجة الأولى على المكسيك.
نتيجة لذلك، وعلى الرغم من الانكشاف التجاري الهائل للمكسيك على الولايات المتحدة، فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد المعرض للخطر يقع في النطاق الأدنى بين أعلى الدول مبيعات إلى الولايات المتحدة، وأقل من أو يتماشى مع أكبر جيرانها في أميركا الجنوبية.
علاقات متعددة الأوجه والنتائج
يمتد تأثير مكانة الدول مع الولايات المتحدة إلى ما هو أبعد من سياساتها المالية أو التجارية. كما أن موقف الولايات المتحدة الأشدّ تجاه الجرائم المتعلقة بالمخدرات، والدول التي لا تتعاون بشكل كامل في هذا المسعى، كان له أيضاً آثار كلية وسوقية على البعض.
في حالة فنزويلا، أدى الوجود العسكري المتزايد والعمليات في منطقة البحر الكاريبي إلى زيادة الضغط على حكومة نيكولاس مادورو، ما دفع الأسواق إلى التسعير مع رفع احتمال تغيير النظام.
لماذا سحب ترمب اعتماد كولومبيا في مكافحة تجارة الكوكايين؟
وفي كولومبيا، كان فقدان مكانتها كشريك للولايات المتحدة في مكافحة المخدرات ذا تأثير محدود فقط بفضل التنازل الذي يسمح باستمرار المساعدات العسكرية والإنسانية.
مع ذلك، فإن خطر فقدان هذه المساعدات -مع الآثار السلبية على الأمن والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر ونمو الناتج المحلي الإجمالي- يُرجح أن يزداد إن لم تتجه البلاد نحو اليمين في الانتخابات الرئاسية العام المقبل.