ما أثر اعتراف دول بفلسطين على أرض الواقع؟

بقلم: ليزا باير
اعترفت فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا رسمياً بفلسطين كدولة قبل بدء الاجتماع السنوي لقادة العالم في الأمم المتحدة في 23 سبتمبر، ويُتوقع أن تنضم إليها في ذلك دول أخرى خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
السعودية وفرنسا تقودان مؤتمراً أممياً لإنهاء الحرب وتمكين دولة فلسطين
تعترف الغالبية العظمى من دول العالم، حوالي 150، بالدولة الفلسطينية. هذا لا يعني أن للشعب الفلسطيني دولة خاصة به بكل معنى الكلمة. في الواقع، يبدو احتمال الحكم الذاتي الكامل أبعد من أي وقت مضى. لكن التصريحات الأخيرة لها قيمة رمزية لدى الفلسطينيين، وهي تخدم عزل إسرائيل دبلوماسياً، إذ تعارض حكومتها قيام دولة فلسطينية.
ماذا يعني إعلان كيان كدولة؟
بموجب اتفاقية مونتيفيديو لعام 1933، التي وضعت التعريف التقليدي للدولة بموجب القانون الدولي، يجب أن يستوفي هذا الكيان أربعة شروط. تُلبي الضفة الغربية وقطاع غزة الشرط الأول -وهو وجود سكان دائمين- لكنهما لا تستكملان، بقدر ما، الشروط الثلاثة الأخرى وهي وجود حكومة وحدود إقليمية محددة والقدرة على إبرام اتفاقيات.
هل إقامة دولة احتمال واقعي للفلسطينيين حالياً؟
بموجب مجموعة من اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في أوائل التسعينيات، شُكّلت السلطة الفلسطينية بهدف إقامة حكم ذاتي محدود. ولم تحكم سوى أجزاء من الضفة الغربية، مع خضوع مناطق أخرى للسيطرة الإسرائيلية.
فقدت السلطة سيطرتها على قطاع غزة، الذي خرجت منه القوات الإسرائيلية والمستوطنون المدنيون عام 2005، لصالح حركة حماس الإسلامية المسلحة عام 2007، ما أدى فعلياً إلى إنشاء كيانين فلسطينيين منفصلين للحكم.
ترمب يأمل التوصل لاتفاق بشأن غزة هذا الأسبوع
ألزمت اتفاقيات التسعينيات إسرائيل والفلسطينيين بالتفاوض على تسوية دائمة لنزاعهم، وهو ما فُهم على نطاق واسع على أنه يعني إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
كان ينبغي أن يتفق الطرفان على الحدود الإقليمية، وفي غضون ذلك، تُقيد الاتفاقيات قدرة الفلسطينيين على إبرام اتفاقيات مع دول أخرى في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والتعليمية.
ما يريده الفلسطينيون هو التحكم في مصيرهم، وتحقيق ذلك يتطلب أكثر من مجرد تصريحات. هذا يعني أن على الإسرائيليين التخلي عن السيطرة على جزء كبير على الأقل من قطاع غزة والضفة الغربية. لكنهم تحركوا في الاتجاه المعاكس.
أعادت القوات الإسرائيلية غزو غزة بعد أن شنّ عناصر حماس هجوماً على إسرائيل من القطاع في 7 أكتوبر 2023، ما أثار حرباً جديدة. يدعو بعض الساسة الإسرائيليين إلى إعادة إنشاء مستوطنات إسرائيلية مدنية في غزة، وقد أشار استطلاع رأي نُشر في أواخر يوليو إلى أن نصف البلاد يؤيد الفكرة.
في 30 يوليو، أقرّ البرلمان الإسرائيلي قراراً غير ملزم يدعو إلى ضم جميع هذه المستوطنات في الضفة الغربية، التي يسكنها حوالي 500 ألف إسرائيلي إلى جانب 3 ملايين فلسطيني.
ما فائدة الاعترافات الأخيرة للفلسطينيين؟
إنها تُضفي شرعيةً على قضية الدولة الفلسطينية. أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تقول إنها تمثل جميع الفلسطينيين، قيام دولة فلسطينية لأول مرة عام 1988. وعلى مر السنين، ازداد عدد الدول التي اعترفت بها.
صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 على منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الهيئة الدولية. يسمح هذا للوفد الفلسطيني بالمشاركة في الاجتماعات، ولكن لا يحق لها التصويت في الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة.
العالم يتبنى دولة فلسطين.. ماذا بعد؟
يتطلب الحصول على عضوية دولة موافقة تسع دول على الأقل من أصل 15 دولة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويستطيع أي من أعضائه الدائمين، أي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، استخدام حق النقض. لقد عارضت الولايات المتحدة حتى الآن الاعتراف بدولة فلسطينية خارج إطار اتفاقية سلام مع إسرائيل.
ما هو البعد التاريخي؟
خضعت الأرض المقدسة، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1517، للحكم البريطاني عندما تقاسم المنتصرون في الحرب العالمية الأولى السيطرة على أراضي الخاسرين.
يعود أول ما يُسمى بمقترح الدولتين إلى لجنة بيل عام 1937، التي أوصت بتقسيم ما كان يُعرف آنذاك بفلسطين الانتدابية البريطانية لوقف العنف العربي-اليهودي. تبنت الأمم المتحدة خطة تقسيم مختلفة عام 1947، لكن العرب رفضوا كلا الطرحين، ما أدى إلى إعلان استقلال إسرائيل عام 1948 واندلاع أول حرب عربية إسرائيلية.
أسفرت تلك الفترة عن نزوح ما يُقدر بنحو 700 ألف لاجئ فلسطيني. وفي حرب عام 1967، استولت إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وأراضٍ عربية أخرى، مما وضع السكان تحت الاحتلال العسكري وأجج المشاعر القومية الفلسطينية.
بعد الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 1987 وأودت بحياة أكثر من 1200 فلسطيني و200 إسرائيلي، أسفرت مفاوضات سرية عن اتفاقيات أوسلو للسلام التاريخية في عام 1993. وكان يُفترض أن يكون الحكم الذاتي المحدود الذي ناله الفلسطينيون بموجب هذه الاتفاقيات إجراءً مؤقتاً.
لماذا لم تبلغ اتفاقات السلام الغاية منها؟
استمر الاحتلال العسكري وبناء المستوطنات الإسرائيلية والعنف، إذ فشل الجانبان مراراً في حل القضايا التي تعيق التوصل إلى اتفاق نهائي موعود. وكانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت بين عامي 2000 و2005، دموية بشكل خاص.
شملت العقبات التي واجهت المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية تحديد موقع الحدود وكيفية تقاسم القدس ووضع اللاجئين الفلسطينيين.
زخم الاعتراف بدولة فلسطين.. حل الدولتين يتقدم في أروقة الدبلوماسية وينتظر التحقق على الأرض
تحركت إسرائيل بمفردها في عام 2005، عندما سحبت قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة، وأغلقت الحدود معه إلى حد كبير، ثم فرضت حصاراً عليه بعد أن انتزعت حماس السيطرة على القطاع من السلطة الفلسطينية. وأصبحت غزة لاحقاً منصة لانطلاق الصواريخ وقذائف الهاون والمقاتلين الفلسطينيين إلى إسرائيل.
ما رأي الإسرائيليين والفلسطينيين في حل الدولتين؟
تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين لم يعودوا يؤيدون هذه الفكرة. وبلغت نسبة معارضة حل الدولتين بين الفلسطينيين 57% في استطلاع أُعد في مايو. وفي استطلاع رأي في مطلع عام 2024، عبّر 55% من الإسرائيليين عن معارضتهم لقيام دولة فلسطينية مستقلة حتى لو كانت منزوعة السلاح.
ما هي البدائل؟
يؤيد كثير من الإسرائيليين فكرة بسط السيادة الإسرائيلية على جزء من الضفة الغربية على الأقل، حيث استمر بناء المستوطنات الإسرائيلية. ويقول مؤيدو الضم إن للإسرائيليين الحق في البقاء بشكل دائم في الضفة الغربية، التي يُسمونها باسمها التوراتي وهو يهودا والسامرة.
إذا سيطرت إسرائيل في نهاية المطاف سيطرة كاملة على المزيد من الفلسطينيين في الضفة الغربية، فسيتعين عليها الاختيار بين منحهم الجنسية، ما يُضعف الأغلبية اليهودية في البلاد، أو إبقائهم بلا جنسية، مما يُعزز اتهامات الفصل العنصري.
في استطلاع رأي مشترك شمل الجانبين في ديسمبر 2022، قال 37% من اليهود الإسرائيليين إنهم يرغبون في رؤية حل يتضمن دولة واحدة غير ديمقراطية لا يتمتع فيها الفلسطينيون بحقوق متساوية. أعرب 30% من الفلسطينيين عن رغبتهم في دولة واحدة ذات هيمنة فلسطينية. في حين أيدت أقليات أصغر من كلا الجانبين دولة ثنائية القومية تتمتع بحقوق متساوية للجميع.