اخر الاخبار

مقاطعات شركات عالمية تضغط على إسرائيل لإنهاء حرب غزة

بعد أن تصاعدت الحرب في غزة، بدأت شركات وبنوك عالمية وحكومات في سحب استثماراتها من الشركات الداعمة لإسرائيل، وانطلقت موجة واسعة من القرارات التي طالت القطاعات المالية والتكنولوجية والطاقة. ألقت هذه الضغوط بظلال قاتمة على مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي وسط تحذيرات من أن إطالة أمد الحرب لأشهر قادمة من شأنه خفض نمو الاقتصاد، في الوقت الذي يفرض فيه هذا الوضع على الحكومات والشركات إعادة تقييم سياساتها مع توقع تداعيات طويلة الأمد على الاقتصاد والسياسة الإقليمية.

ما أبرز حملات سحب الاستثمارات التي تستهدف الشركات الداعمة لإسرائيل؟

أقدمت شركات وبنوك عالمية على سحب استثماراتها أو إيقاف تعاملاتها مع شركات إسرائيلية بعد حرب غزة في 2023، حيث شملت الشركات المستهدفَة قطاعات الاتصالات والطاقة والبنوك. بحسب “رويترز”، سحب صندوق الثروة السيادي النرويجي استثماراته من 23 شركة إسرائيلية ودولية بسبب ارتباطها بالاحتلال، من أصل 61 شركة يمتلك الصندوق حصصاً فيها.

وأعلنت أكثر من عشرة بنوك دولية أنها ستسحب استثماراتها من شركة “إلبيت سيستمز” (Elbit Systems)، أكبر شركة أسلحة إسرائيلية والمدرجة في بورصتي تل أبيب ونيويورك، بسبب تورطها في انتهاكات للقانون الدولي؛ حيث تنتج الشركة حوالي 85% من المسيّرات التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن أسلحة ومعدات القوات البرية، بحسب موقع “ميدل إيست آي”.

فيما ذكر “ميدل إيست آي” أن شركة التأمين الفرنسية “أكسا” باعت أسهمها البالغة 2.5 مليون سهم بقيمة حوالي 20 مليون دولار في ثلاثة بنوك إسرائيلية، وهي “هابوعليم” (Hapoalim) و”ليؤومي” (Leumi) و”ديسكونت إسرائيل” (Israel Discount)، وذلك في يونيو 2024، فضلً عن سحب استثماراتها في شركات أسلحة إسرائيلية. 

بحسب “رويترز”، خفض صندوق “1832 أسيت مانجمنت” (ذراع إدارة الأصول لبنك سكوتيا الكندي) حصته في “إلبيت سيستمز” والتي تجاوزت 2.2 مليون سهم (حوالي 4.2% من الأسهم القائمة) لتصل الحصة الحالية إلى 1.13 مليون سهم (2.5% من الأسهم) خلال الربع الأول 2024، بقيمة 237.6 مليون دولار. 

وفقاً لـ”ميدل إيست آي”، شركة “إيتوتشو” اليابانية أنهت تعاونها مع شركة الأسلحة الإسرائيلية “إلبيت سيستمز” في 2024 استجابة لقرار من محكمة العدل الدولية عقب الانتهاكات في غزة. تعرف على المزيد في الفيديو أدناه:




قد يهمك: حملات مقاطعة وفرض عقوبات وسحب استثمارات.. حرب غزة تزيد “عزل إسرائيل”

ما الأثر الاقتصادي المباشر لحملات المقاطعة على الاقتصاد الإسرائيلي؟

في مطلع عام 2025 طرحت حكومة إسرائيل ما أسمته “فاتورة حرب” بقيمة تقارب 11 مليار دولار، كما تبنّت خطة لرفع الإنفاق الدفاعي بنحو 20 مليار شيكل سنوياً على مدى عقد، ما دفع مخصصات الدفاع في ميزانية 2025 إلى 107 مليارات شيكل، بزيادة 65% عن مستويات ما قبل الحرب. تهدف هذه الإجراءات إلى إبقاء العجز عند 4.5% من الناتج المحلي خلال العام المقبل، لكنها تفرض أعباءً إضافية على الأسر والشركات الصغيرة بسبب الضرائب الجديدة. الرسم البياني التالي يوضح تدهور وضع الاقتصاد الإسرائيلي مقارنة بالفترة السابقة على الحرب في غزة

بحسب دراسة أجرتها شركة “رايز” ونشرها موقع “تي آر تي غلوبال”، تعرضت الشركات الإسرائيلية لضغوط اقتصادية مباشرة منذ اندلاع الحرب، انعكست على القطاعات الحيوية كافة. فقد شهد قطاع التكنولوجيا الفائقة هبوطاً حاداً في الاستثمارات، حيث تراجعت من نحو 15 مليار دولار في عام 2022 إلى حوالي 7 مليارات دولار في 2023، فيما انخفضت الاستثمارات المحلية بنسبة 70% وعدد المستثمرين النشطين تراجع بنسبة 20% سنوياً. انعكست الأزمة على الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل حاد، حيث تم إغلاق نحو 46 ألف شركة مع حلول منتصف الحرب، غالبيتها شركات صغيرة تضم أقل من خمسة موظفين. 

أظهر استطلاع أجرته جمعية صناعات التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل حول تأثير الحرب أن أكثر من 30% من الشركات والمشاريع الناشئة الإسرائيلية نقلت جزءاً كبيراً من أنشطتها إلى الخارج في عام 2024. 

اقرأ المزيد: فاتورة الحرب تستنزف اقتصاد إسرائيل.. وهذه أبرز التكاليف

ما دور صناديق الثروة السيادية في الضغط على إسرائيل؟

أعلن وزير المالية الأيرلندي باسكال دانوهو في يوليو 2025 أن صندوق الثروة السيادي تخارج بالفعل من جميع حيازاته في ديون إسرائيل السيادية في ظل الظروف الراهنة، وفقاً لصحيفة “آيرش تايمز”. وذكرت “رويترز” في مايو الماضي أن صندوق التقاعد الحكومي النرويجي باع كامل حصته في شركة “باز للطاقة” الإسرائيلية، وهي الشركة المشغلة لأكبر شبكة محطات وقود في إسرائيل بسبب دورها في تزويد مستوطنات الضفة الغربية بالوقود. أوضح مجلس أخلاقيات الصندوق أن تشغيل باز لمحطات في الأراضي المحتلة يساهم في “استدامة المستوطنات المقامة خلافاً للقانون الدولي”. وبالمثل، صوّت اتحاد العمال النرويجي “LO” في 2025 لصالح مطالبة الحكومة بفرض مقاطعة اقتصادية شاملة على إسرائيل. 

وأعلن صندوق التقاعد الأكبر في النرويج “كيه إل بي” (KLP)، في بيان على موقعه بتاريخ 30 يونيو 2025، استبعاد شركتي “أوشكوش” (Oshkosh) الأميركية و”تيسنكروب” (ThyssenKrupp) الألمانية من محفظته الاستثمارية، لكونهما تزودان الجيش الإسرائيلي بمعدات تُستعمل في حرب غزة، استناداً إلى تقارير من الأمم المتحدة تفيد بتورط الشركتين في هذه الأعمال المخالفة للقانون الدولي.

اقرأ المزيد: صندوق نرويجي بأصول 114 مليار دولار يتخارج من شركتين تمدان إسرائيل بالسلاح

كيف تتعامل الشركات متعددة الجنسيات مع الضغوط؟

بدأت بنوك وشركات تأمين أوروبية تقليص استثماراتها في إسرائيل والشركات المرتبطة بالصراع، عبر بيع حصص وإدراج إسرائيل ضمن قوائم استثمارية محظورة، بحسب تقرير لـ”رويترز”. تزامن ذلك مع احتجاجات داخلية في شركات تكنولوجيا كبرى مثل “مايكروسوفت”، وفقاً لصحيفة “ذا غارديان”، حيث طالب موظفون بالكشف عن طبيعة التعاون مع الحكومة الإسرائيلية، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، ما أدى إلى توترات داخلية وانقسامات في بيئة العمل.

اقرأ المزيد: “مايكروسوفت” تفصل موظفين احتجّا على “العلاقات مع إسرائيل” 

ذكرت مؤسسة “إي جويش فيلانتروبي” أن معظم الشركات العالمية تعتمد سياسة الصمت الحذر لتجنب ردود فعل سلبية، في حين أشارت “الجزيرة” إلى أن تقارير أممية اتهمت شركات بتقديم تقنيات ومنتجات دعمت سياسات استيطانية أو أنشطة عسكرية. هذه الاتهامات زادت الضغط الإعلامي والحقوقي، ودفعت الشركات لمراجعة سياساتها الاستثمارية ومشاريعها.

بحسب “فاينانشال تايمز”، تعرضت علامات تجارية عالمية لمقاطعات في أسواق مختلفة، ما أثر على أرباحها ودفعها لإعادة تقييم استراتيجياتها. كما لجأت بعض الشركات إلى تعزيز الشفافية بإصدار بيانات تشرح مخاطرها الأخلاقية والقانونية، سعياً للحفاظ على ثقة المستثمرين والموظفين.

كيف تدفع التحركات الشعبية الشركات والحكومات نحو مقاطعة إسرائيل اقتصادياً؟

عقب الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة في 2023، ظهرت بقوة حملات شعبية تحت شعار المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS). فقد صوّت أكبر اتحاد نقابي في النرويج، خلال العام الجاري لمصلحة دعوة صريحة إلى مقاطعة اقتصادية شاملة لإسرائيل، مما زاد الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات. وبينما أشار رئيس الوزراء يوناس ستوره إلى تفضيل “نهج الانخراط” بدل المقاطعة، فقد اعترف بأن دعوات المقاطعة باتت “تعبيراً عن شريحة مهمة من الرأي العام” النرويجي، وفقاً لـ”رويترز”. 

قال كريس كيمبيزنسكي، الرئيس التنفيذي لـ”ماكدونالدز” إن أسواقاً عدة في الشرق الأوسط وخارجها تعرضت لتأثير ملموس نتيجة الحرب وما صاحبها من معلومات مرتبطة بالعلامة، وتوالت تغطيات تؤكد أن المقاطعات المرتبطة بغزة ضغطت على المبيعات، كما خفضت ستاربكس توقعات المبيعات.

طالع المزيد: ماكدونالدز تقر بتأثر أعمالها إثر حملة المقاطعة بسبب الحرب على غزة 

انخفضت أسهم شركة “أمريكانا للمطاعم العالمية”، صاحبة امتيازات مطاعم “كنتاكي” و”بيتزا هت” و”كريسبي كريم” و”هارديز” في الشرق الأوسط خلال الأشهر التالية لنشوب الحرب، وفقاً لتقرير “بلومبرغ” العام الماضي. يوضح تقرير الفيديو التالي مدى تأثير هذه الحملات الشعبية على الشركات الداعمة لإسرائيل

 




لم تقتصر تأثيرات التحركات الشعبية على القرارات الحكومية فحسب، بل امتدت إلى مبادرات في قطاع الثقافة والأعمال تجسدت في مقاطعة إسرائيل ومؤسساتها. ذكرت “رويترز” أن أكثر من 1800 من العاملين في مجال السينما والترفيه، بينهم نجوم في هوليوود، أطلقوا تعهداً جماعياً بمقاطعة المؤسسات السينمائية الإسرائيلية. 

اقرأ أيضاً: فنانون إيرلنديون يطالبون بامبي ثاج بمقاطعة “يوروفيجن” بسبب إسرائيل

معوقات أمام مقاطعة مزيد من الشركات الإسرائيلية

رغم هذه المحاولات للضغط على إسرائيل اقتصادياً، إلا أن الدعوات لمقاطعة مزيد من الشركات الإسرائيلية تواجه عقبات قانونية ودبلوماسية معقدة، إذ تفرض اتفاقيات التجارة الدولية والالتزامات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قيوداً صارمة على مثل هذه الخطوات. كما أن بعض الدول تخشى العواقب السياسية والاقتصادية لأي تصعيد قد يضر بعلاقاتها مع قوى كبرى داعمة لإسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن التشابك الكبير لسلاسل التوريد العالمية يجعل المقاطعة أكثر صعوبة، حيث تعتمد قطاعات استراتيجية على التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات الأمن السيبراني والزراعة والمياه. أي محاولة للاستغناء عنها قد ترتب تكاليف اقتصادية باهظة على الدول والشركات، ما يحد من قدرتها على الالتزام بالمقاطعة بشكل شامل.

كما تلعب جماعات الضغط الاقتصادي دوراً محورياً في عرقلة هذه الجهود، إذ تمارس الشركات الإسرائيلية والمتعددة الجنسيات نفوذاً واسعاً لحماية مصالحها. ويضاف إلى ذلك ضعف التنسيق الدولي بين الدول العربية والإسلامية، ما يجعل الجهود الفردية محدودة التأثير وغير قادرة على إحداث ضغط جماعي فعال.

ما التداعيات طويلة المدى لهذه الضغوط الاقتصادية؟

بحسب تقرير نشرته “رويترز” في مايو الماضي استناداً إلى بيانات من مصرف إسرائيل المركزي، فإن استمرار الحرب لستة أشهر إضافية من شأنه أن يخفض معدل نمو الاقتصاد بنحو نصف نقطة مئوية لعام 2025، كما يزيد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

من جانبها، خفضت وكالة التصنيف الائتماني “إس آند بي” تقييم إسرائيل طويل الأجل من “A+” إلى “A” استناداً إلى المخاطر الاقتصادية وتصاعد الإنفاق العام الناتج عن الحرب، وهو ما يزيد تكلفة الاقتراض ويقلل من الثقة لدى المستثمرين العالميين.

اقرأ المزيد: “S&P” تخفض تصنيف إسرائيل الائتماني وسط نظرة مستقبلية سلبية

في يوليو 2025 أكدت وكالة “موديز” تصنيف “Baa1” لإسرائيل، مشيرة إلى أن النزاع زاد الضغوط المالية، ورفع توقع مؤشر الدين إلى 75% من الناتج المحلي، بدلاً من 70% المتوقعة سابقاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *