موسم العودة إلى المدارس يدخل سنة أولى اقتصاد رقمي

لم يعد موسم العودة إلى المدارس مجرد جولة تقليدية في المكتبات والأسواق لشراء المستلزمات المختلفة، بل تحول في عصر الرقمنة إلى منظومة اقتصادية متكاملة تمتد من التجارة الإلكترونية إلى المدفوعات الرقمية، مروراً بالاتجاهات التي تفرضها منصات التواصل الاجتماعي. ووفقاً لتقرير شركة “غراند فيو ريسيرش” (Grand View Research)، بلغ حجم السوق العالمية للعودة إلى المدارس 172.3 مليار دولار في 2024، مع توقعات ببلوغه 230.14 مليار دولار بحلول 2030. في السطور التالية نستعرض معم كيف تحول هذا الموسم مع اختراقه لعصر الاقتصاد الرقمي؟
من المكتبة إلى المنصات الرقمية
لم يعد الآباء مضطرين لزيارة المكتبات والمحال المزدحمة، بعدما أصبحت المنصات الإلكترونية مثل “أمازون” و”نون” الوجهة الأبرز للتسوق في موسم العودة إلى المدارس. ففي الولايات المتحدة، أظهرت بيانات المجلس الوطني للبيع بالتجزئة (NRF) لعام 2025 أن 55% من المتسوقين يفضلون الشراء عبر الإنترنت، لتتقدم المنصات الرقمية على المتاجر الكبرى والمتاجر المُخفضة.
هذا التحول يتكرر في أسواق الشرق الأوسط، حيث قفزت الطلبات الإلكترونية في الإمارات بنسبة 18% خلال موسم العودة إلى المدارس 2025، تحديداً من 10 يوليو إلى 17 أغسطس، مقارنة بالعام الماضي، فيما ارتفعت القيمة الإجمالية للمبيعات عبر الإنترنت 22% خلال الفترة نفسها، بحسب بحث مشترك أجرته منصة “فلوواو” (Flowwow) وشركة التسويق العالمية “أدمتاد” (Admitad). كما نُفذ 47% من المشتريات المدرسية عبر الهواتف الذكية في 2025 مقابل 39% في 2023، ما يؤكد تصاعد الاعتماد على التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي.
بهذا الصدد، قالت آنا جيديريم، الرئيسة التنفيذية لـ”أدمتاد”، إن “موسم العودة إلى المدارس أصبح أحد أقوى مواسم التجزئة في تقويم المبيعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا يسبقه سوى فعاليات كبرى مثل الجمعة السوداء ورمضان”.
في الوقت نفسه، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في صياغة اتجاهات الشراء. فمقاطع “الأنبوكسنغ” (Unboxing) على “تيك توك” و”إنستغرام” باتت تحدد المنتجات الرائجة. وخلال أسبوع واحد من أغسطس 2024، نُشر نحو 13 ألف فيديو تحت وسم #backtoschoolhaul بزيادة 47% عن العام السابق.
اقرأ أيضاً: كيف تتغير تطبيقات “اشتر الآن وادفع لاحقاً” مع نضجها؟
ووفقاً لمسح ديلويت (Deloitte) لعام 2025، يخطط 75% من أولياء أمور جيل زد و46% من جيل الألفية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في رحلة التسوق المدرسي، فيما ينفق هؤلاء نحو 1.8 ضعف ما ينفقه غيرهم، لتتحول المنصات الرقمية وشبكات التواصل إلى السوق الحديثة للعودة المدرسية.
اقتصاد المشاركة المدرسية
إلى جانب ازدهار الشراء الجديد، برز خلال الأعوام الأخيرة اقتصاد المشاركة المدرسية كخيار متنامٍ للتوفير المالي وحماية البيئة، إذ اتجهت الأسر حول العالم إلى المنصات الإلكترونية والمبادرات المحلية لتبادل وبيع المستلزمات المستعملة من زي مدرسي وكتب وحتى أجهزة إلكترونية.
في الولايات المتحدة، أظهرت بيانات المجلس الوطني للبيع بالتجزئة أن متاجر السلع المستعملة ومنصات إعادة البيع أصبحت وجهات رئيسية للباحثين عن التوفير، إلى جانب اعتماد خطط “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” لتخفيف الأعباء المالية. وأوضح استطلاع “ديلويت” (Deloitte) لعام 2024 أن 43% من أولياء الأمور الأميركيين يشترون منتجات مدرسية مستعملة لأبنائهم إذا توفرت، مقارنة بـ40% في 2023، فيما أكد 74% منهم أنهم لا يجدون حرجاً في إرسال أبنائهم إلى المدرسة بمستلزمات مستخدمة، ما يعكس تحولاً في الثقافة الاستهلاكية نحو إعادة الاستخدام.
اقرأ أيضاً: نمو نموذج “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” يثير قلق هيئات حقوق المستهلكين
وفي المملكة المتحدة، أصبحت الأسواق الإلكترونية مثل “إيباي” (eBay) خياراً أساسياً لتأمين المستلزمات المدرسية بأسعار أقل. ووفق بيانات منصة “يودل” (Yodel) لعام 2024، فإن 47% من الآباء اشتروا زياً مدرسياً مستعملاً، بينما أبدى 28% استعدادهم لذلك مستقبلاً. كما يعتمد 43% من الأهالي على متاجر الجمعيات الخيرية للحصول على ملابس مدرسية مستعملة، ويستفيد 47% من بنوك أو معارض تبادل الزي المدرسي التي توفرها الجهات المحلية. ومن المبادرات البارزة، أطلقت مدينة ليدز برنامجاً لتبادل الزي عبر المدارس والمجتمعات المحلية، حيث أُعيد توزيع نحو 8,500 قطعة مستعملة مجاناً خلال صيف واحد، مما وفر للأسر حوالي 144 ألف جنيه إسترليني، وخفض 30.6 طن من انبعاثات الكربون.
في بقية أنحاء أوروبا، دفع التضخم الأسر للبحث عن بدائل عملية. ففي إسبانيا، أوضحت دراسة أجراها “سيتيليم أوبزرفاتوري” (Cetelem Observatory) أن 64% من العائلات في أندلوسيا تعيد استخدام المواد المدرسية، و36% تشتري مستلزمات مستعملة، بينما يستفيد 27% من برامج إعارة الكتب. ويشير موقع “يورو نيوز” (Euronews) إلى أن هذه الممارسات توفر ما يصل إلى 50% من التكلفة خلال الموسم الدراسي.
أما في العالم العربي، فتنتشر المبادرات الأهلية بشكل متزايد. ففي الإمارات، رصدت صحيفة “الإمارات اليوم” عشرات الإعلانات على مجموعات “فيسبوك” و”واتساب” لبيع وتبادل الكتب الدراسية المستعملة. وفي مصر، ظهرت مجموعات على تطبيق “واتساب” لتبادل الكتب مجاناً بين الأسر، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، في محاولة لمواجهة ارتفاع أسعار الكتب الخارجية والمستلزمات الأخرى.
ثورة المدفوعات الرقمية
لم يقتصر التحول الرقمي لموسم العودة إلى المدارس على الشراء فقط، بل شمل أيضاً طرق الدفع في ظل ارتفاع الإنفاق والضغط المالي على الأسر.
فقد أظهرت بيانات شركة الخدمات المالية الرقمية “زيب” (Zip) لعام 2025 أن 71% من الآباء في أميركا اعتمدوا على خدمات “اشترِ الآن وادفع لاحقاً”، فيما قال 17% إنهم كانوا سيتخلون عن مستلزمات أساسية لولا هذه الحلول. هذه الأرقام تعكس كيف أصبحت هذا النوع من الخدمات ضرورياً لكثير من الأسر لضمان تأمين المستلزمات التعليمية من ملابس وأجهزة إلكترونية دون التضحية بالاحتياجات الأساسية.
اقرأ أيضاً: “فوري” المصرية: نمو متسارع بخدمة “اشترِ الآن وادفع لاحقاً”
وفي المملكة المتحدة، كشف استطلاع مؤسسة بارنتكايند (Parentkind) لعام 2025 أن 34% من الآباء استخدموا خدمات دفع مؤجل مثل “كلارنا” (Klarna)، بينما خطط 45% لاستخدام بطاقات الائتمان، و29% اضطروا لتقليص نفقات أساسية كالغذاء والتدفئة لتغطية تكاليف الزي المدرسي، وفق صحيفة “الغارديان”.
وعلى المستوى العالمي، قدرت دراسة نشرتها صحيفة “فاينانشيال براند” أن المدفوعات الرقمية ستتجاوز 33.5 تريليون دولار سنوياً مع نهاية العقد. كما أفادت بيانات “وورلد باي” (Worldpay) بأن 79% من معاملات التجارة الإلكترونية عالمياً بحلول 2030 ستكون عبر وسائل رقمية كالمحافظ والتقسيط، مقابل 21% فقط للنقد والبطاقات التقليدية.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شهدت حلول المدفوعات الرقمية توسعاً ملحوظاً مع دخول لاعبين جدد إلى الساحة. في مصر، تُعد شركة فاليو (ValU) من أبرز منصات “اشترِ الآن وادفع لاحقاً”، وقد أبرمت شراكات مع مؤسسات تعليمية مثل الجامعة الأميركية بالقاهرة لتقسيط الرسوم الدراسية بفائدة مخفضة، ما جعل التعليم أكثر يسراً للأسر. كما أن حلول التقسيط عبر المنصات الرقمية باتت هي المنقذ في كثير من الحالات، كما يتضح من الفيديو أدناه:
إلى جانب ذلك، انتشرت منصات المدفوعات الرقمية المتكاملة، حيث تُعد فوري (Fawry) في مصر نموذجاً بارزاً لهذا التحول. فقد تعاونت مع مبادرة “المدارس الذكية” لتوفير بوابة إلكترونية لسداد المصروفات المدرسية عبر الإنترنت، في إطار استراتيجية الدولة للتحول الرقمي وفق رؤية مصر 2030.
المستفيدون من موسم العودة إلى المدارس
لا تقتصر الاستفادة من موسم العودة إلى المدارس على تجار الأدوات والملابس فقط، بل تشمل قطاعات أخرى أيضاً. في مقدمتها شركات الشحن والتوصيل التي تشهد طفرة في الطلبات الإلكترونية مع تزايد اعتماد الأسر على التسوق عبر الإنترنت، حيث يمثل شهر أغسطس ذروة موسمية في نشاط سلاسل التوريد” من تخطيط المخزون إلى تنسيق الشحن والتسليم.
وأشارت شركة “كوربورايت ترافيك لوجيستكس” (Corporate Traffic Logistics) إلى أن الموسم يؤثر بشكل مباشر على حركة الشحن ومواعيد التسليم، مما يرفع الطلب على الشاحنات ويزيد الازدحام في الطرق والمستودعات.
اقرأ أيضاً: الحذر من طفرة تطبيقات الدفع ضروري لجيل الألفية
كذلك، تُعد المصارف وشركات البطاقات من الرابحين في هذا الموسم، إذ يرتفع استخدام البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم مع زيادة الإنفاق على المستلزمات المدرسية.
وفي المحصلة، فإن ثورة المدفوعات الرقمية أعادت تشكيل ملامح موسم العودة إلى المدارس، حيث باتت الأسر تعتمد بشكل أكبر على البطاقات والمحافظ الإلكترونية وخطط التقسيط لتخفيف الأعباء، فيما استفادت قطاعات موازية من هذا التحول، من شركات الشحن التي كثفت عملياتها لتلبية الطلب الإلكتروني، إلى البنوك التي شهدت نمواً في استخدام بطاقاتها.