كيف يؤثر خفض أسعار الفائدة على الاقتصاد المصري في 2025؟

انعكس قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة هذا العام على توقعات مجتمع الأعمال بانتعاش الاستثمار وتعزز تنافسية الصادرات، مع تراجع تكلفة التمويل.
يرجح رجال أعمال واقتصاديون في مقابلات مع “الشرق” أن يسهم القرار في تنشيط الطلب المحلي وزيادة استهلاك الأسر، فيما من المنتظر أن يظهر أثر الخفض على أسعار البيع للمستهلكين خلال شهرين، بما ينعكس إيجاباً على النشاط الصناعي والإنتاجي، ومبيعات قطاعات مثل السيارات والعقارات، إلى جانب تعزيز أداء بورصة مصر.
خفض البنك المركزي المصري الخميس الماضي أسعار الفائدة للمرة الثالثة منذ بداية 2025، موافقاً أغلب التوقعات، وذلك بواقع 200 نقطة أساس، ليصل سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى 22% و23% و22.5%، على الترتيب. يصل بذلك إجمالي التخفيضات في أسعار الفائدة في مصر إلى 5.25% منذ بداية العام، بعد أن قلص المركزي الفائدة في أبريل ومايو الماضيين.
توقعات بمزيد من خفض الفائدة
رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، علي عيسى، قال لـ”الشرق”، إنه يتوقع ألا يكون الخفض الأحدث هو الأخير هذا العام، خاصة في ظل تباطؤ معدل التضخم مما يقابله تقليص الفائدة، مشدداً على أن القطاع الاستثماري ينتظر ذلك بفارغ الصبر.
عيسى، أضاف أن الفارق الآن بين معدلي التضخم والفائدة كبير، لذا فإن خفض الفائدة في الأشهر المقبلة بين 2% إلى 3% أخرى سيكون منطقي، ليتقلص الفارق إلى 4%، والذي سيصب في صالح أصحاب المدخرات، ويحافظ على معدلات السيولة في البنوك.
بعد قرار البنك المركزي الأحدث، بلغ سعر الفائدة الحقيقي، أي معدل الفائدة الاسمي مطروحاً منه معدل التضخم، في مصر 8.1%.
تباطأ التضخم السنوي في المدن المصرية للشهر الثاني على التوالي في أغسطس إلى 13.9% أي أقل من نصف ذروته المسجلة في سبتمبر 2023.
اعتبر البنك المركزي، في بيانه الصادر الخميس الماضي، أن قرار خفض الفائدة “مناسب للحفاظ على سياسة نقدية من شأنها ترسيخ التوقعات ودعم المسار النزولي المتوقع للتضخم”. مضيفاً أن توقعه باستمرار تراجع التضخم خلال العام الحالي إلى نطاق 14%-15%، “إضافة لتحسن التطورات الشهرية للتضخم مقارنة بالأشهر السابقة وكذا تطورات سعر الصرف الداعمة، ساعد على إفساح المجال لاستئناف دورة التيسير النقدي”.
رئيس جمعية رجال الأعمال أوضح في حديثه مع “الشرق” أن خفض الفائدة يزيد تنافسية المنتجات المصرية عالمياً، لمساهمته في تراجع تكلفة الإنتاج، معبراً عن رضاه حيال وتيرة الخفض حتى الآن.
قد يهمك أيضاً: محلل: التحسن في أداء الجنيه مؤقت حتى تراجع سعر الفائدة في مصر
تقديرات بهبوط أسعار الأغذية
المدير العام للمجموعة “المصرية السويسرية للمكرونة والطحن”، أحمد السباعي، قال إن قرار خفض الفائدة سيؤثر بشكل إيجابي ومباشر على القطاع الصناعي، خاصة الشركات التي تعتمد على رأس المال العامل في عملياتها.
السباعي، أضاف في حديثه مع “الشرق” أن خفض الفائدة سيساهم في حصول الشركات على تمويل رخيص، ما من شأنه أن يعزز قدرتها على زيادة طاقة الإنتاج. وتوقع السباعي أن يظهر تأثير خفض الفائدة على أسعار البيع للمستهلكين خلال شهر أو شهرين، بنسبة قدرها عند 1%.
من جانبه، قال حسن الفندي، رئيس شركة “الحرية للصناعات الغذائية” ورئيس شعبة السكر باتحاد الصناعات لـ”الشرق”، إن أي خفض لأسعار الفائدة سيفيد الأنشطة الإنتاجية في مختلف القطاعات.
وفي رأيه، فإن معدلات الفائدة الحالية ما زالت تثقل كاهل المستثمرين، وتبطئ نمو الإنتاجية، مرجحاً أن تشهد الفترة المقبلة إمكانية لتقليص الفائدة بوتيرة أكبر، مشيراً إلى الحاجة لعودتها إلى معدلاتها التي وصفها بـ”الطبيعية” بين 12% و13%.
وقال الفندي “الأسعار ستتجه للانخفاض الفترة المقبلة، خاصة مع عودة التضخم لمعدلاته الطبيعة، وهو ما كان يضغط على القوى الشرائية وحركة البضائع في الأسواق، خاصة في ظل تقليص الكثير من الأسر لإنفاقها الاستهلاكي”.
اقرأ أيضاً: التضخم يتباطأ في المدن المصرية للشهر الثاني على التوالي
الفندي، أضاف في حديثه مع “الشرق” أن الاستمرار في خفض الفائدة يكتسب أهمية خاصة في ظل عدم تفعيل مبادرة تمويل الصناعة بسعر فائدة 15%، نتيجة صعوبة الاشتراطات والبطء في الإجراءات.
في مطلع العام الجاري، أطلقت الحكومة مبادرة دعم الشركات الصناعية بسعر فائدة 15%، تشمل تقديم تسهيلات تمويلية بقيمة 30 مليار جنيه. وتستهدف المبادرة، التي كان من المقرر بدء تفعيلها مارس الماضي، صناعات الأدوية والغذائية والهندسية والكيماوية والملابس الجاهزة والغزل والنسيج والتعدين ومواد البناء.
المستثمر المحلي المستفيد الأكبر
تصريحات الفندي تتوافق مع رؤية رئيس لجنة الزراعة والري في “جمعية رجال الأعمال المصريين” مصطفى النجاري، الذي اعتبر أن أسعار الفائدة الحالية ما زالت مرتفعة، موضحاً أن المعدلات الحالية للإقراض تبلغ نحو 23%، في حين أن دولاً أخرى تتيح قروضاً بفائدة تتراوح بين 5% و7%.
النجاري، أضاف في حديثه لـ”الشرق” أن الخفض سينعكس إيجاباً على الاستثمارات خاصة المحلية، إذ أن المستثمر المحلي الذي يحتاج إلى الاقتراض سيكون المستفيد الأكبر، حيث ستزيد تنافسية المنتج الذي يبيعه محلياً أو يصدره، وذلك بخلاف المستثمر الأجنبي، الذي يهتم بشكل أكبر بعوامل مثل سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، وكلفة الطاقة، والتكاليف التشغيلية والاستثمارية.
“انخفاض تكاليف الاقتراض لدى الشركات سينعكس إيجابياً على أسعار المنتجات بشكل عام خلال الفترة المقبلة”، بحسب النجاري.
كانت بنوك استثمار قد توقعت أن يواصل المركزي سياسة الخفض التدريجي حتى نهاية العام، ليصل إجمالي التراجع السنوي إلى نحو 725 نقطة أساس، ما يعني أن هناك خفضاً إضافياً محتملاً في الفائدة بنحو 2%.
توقعات بتحسن الطلب على العقارات
من جانبه، يرى طارق شكري رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية أن خفض الفائدة يفتح شهية المستثمرين بالقطاع للتوسع من خلال تشجيعهم الحصول على تمويلات بنكية، واصفاً القرار بأنه خطوة علي الطريق الصحيح للاقتصاد المصري بشكل عام.
“لا تزال تكلفة التمويل مرتفعة، لكن استمرار خفض الفائدة خلال العام يمنح رسالة طمأنينة ويحفز المستثمرين على التوسع والاقتراض”، بحسب شكري في مقابلة مع “الشرق”.
وأضاف أن مجتمع الأعمال يتوقع بوجه عام وصول الفائدة إلى نحو 20% بنهاية العام، مرجحاً أن تشهد أسعار العقارات زيادة طفيفة لا تتجاوز 10%، إذا استمرت الأوضاع النقدية الحالية، مع عودة التحسن في حركة المبيعات، بعد حالة الهدوء التي سادت خلال الربع الأول.
الرئيس التنفيذي لشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار “سوديك”، أيمن عامر قال لـ”الشرق” إن خفض الفائدة بما يزيد عن 500 نقطة أساس منذ بداية العام يتيح للمطورين العقاريين ضخ استثمارات جديدة، وتسريع وتيرة تنفيذ المشروعات القائمة.
قد يهمك أيضاً: هل ينعش خفض الفائدة سوق العقارات في مصر؟
“تتمثل أهمية قرار خفض أسعار الفائدة في مصر في تزامنه مع استقرار سعر الصرف، وهي مؤشرات إيجابية تعزز الثقة في السوق وتمنح دفعة انتعاش للقطاع العقاري، باعتباره أحد أبرز المستفيدين من خفض تكلفة التمويل”، وفقاً لعامر.
تحسن أداء عملة مصر على نحو ملحوظ في الآونة الأخيرة ليصعد إلى أعلى مستوى خلال عام في أغسطس، وسط دعم من تدفقات قوية للنقد الأجنبي مع بدء موسم السياحة والعطلات الصيفية، إلى جانب استقرار نسبي في السوق النقدية.
التوسع في المشروعات العقارية
“على صعيد المطورين، يساهم خفض الفائدة في تقليل تكلفة الاقتراض وتحسين الجدارة الائتمانية، مما يتيح فرصاً أكبر للتوسع وتطوير المشروعات الجديدة”، بحسب ريمون عهدي، الرئيس التنفيذي لشركة “وادي دجلة للتنمية العقارية”.
قال عهدي، في حديثه مع “الشرق”، إن القرار يسهم في تعزيز قدرة العملاء على الشراء، ما يرفع من وتيرة المبيعات وينعش حركة السوق.
توقع البنك المركزي أن يواصل التضخم مساره النزولي على مدار الأفق الزمني للتوقعات، ليقترب من مستهدفه بحلول الربع الرابع من 2026. وفي الوقت نفسه، ألمح إلى أن “توقعات التضخم لا تزال عُرضة للمخاطر الصعودية المحلية والعالمية”.
دعم التصنيع والمبيعات بقطاع السيارات
يتوقع تنفيذيون في قطاع السيارات أن يمتد الأثر الإيجابي لخفض أسعار الفائدة إلى القطاع، إذ أن ذلك يشجع المصنعين للحصول على تمويل بكلفة أقل، وتنفيذ توسعات في الإنتاج، ما من شأنه أن يعزز القوة الشرائية في السوق، وينشط المبيعات.
يرى علاء السبع، رئيس مجلس إدارة مجموعة “السبع أوتوموتيف”، في مقابلة مع “الشرق” أن يستفيد المنتجون والمستوردون على السواء من تقلص أسعار الفائدة، متوقعاً أن ينتج عن ذلك نمو مبيعات قطاع السيارات بنسبة 50% بحلول نهاية العام الجاري.
ارتفع إجمالي مبيعات السيارات في مصر بنسبة 97% خلال النصف الأول من العام الجاري، ليصل إلى 74.4 ألف مركبة.
“خفض الفائدة سيحفز قطاع السيارات في مصر، إذ أنه يقلل تكلفة التمويل على المصنعين، ويشجع على ضخ استثمارات جديدة، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على زيادة المعروض”، بحسب ما قاله فادى محسن نائب الرئيس التنفيذي لعلامة “هيونداي” بشركة “جى بى أوتو” لـ”الشرق”.
يقول محمد مصطفى، رئيس مجلس إدارة شركة “إكستريم أوتو”، إن خفض الفائدة يعزز قدرة المستهلكين على شراء السيارات عبر أنظمة التقسيط، مما يدعم نمو مبيعات القطاع.
في الوقت ذاته، يتوقع عمرو سليمان رئيس مجلس إدارة مجموعة “الأمل” لتجميع وتصنيع السيارات، أن يبدأ تأثير الخفض في الظهور على أسعار السيارات خلال فترة لا تتجاوز الـ 3 أشهر، حيث تحتاج السوق لبعض الوقت لاستيعاب التغييرات في تكلفة التمويل، وتأثيرها على الأسعار النهائية للمستهلك.
في المقابل، يرى خالد سعد، أمين عام رابطة مصنعي السيارات في مصر ورئيس مجلس إدارة شركة “جنباي رويال”، أن خفض سعر الفائدة سيشجع الشركات المصنعة على تحديث خطوط الإنتاج القائمة، وتطوير منتجات جديدة تلبي احتياجات السوق المتغيرة.
بداية طريق التيسير النقدي
على صعيد الأوضاع النقدية، يرى هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث في شركة “الأهلي فاروس”، أن عملية خفض أسعار الفائدة الأساسي لا تزال في مراحلها الأولى ضمن دورة التيسير النقدي. ويشير إلى أن الطريق لا يزال طويلاً للوصول إلى مستويات فائدة تبلغ حوالي 13%، وهي النسبة التي يعتقد أنها ستكون مشجعة ومحفزة لدعم تمويل توسعات الشركات وتطوير أعمالها. وتوقع جنينة في مقابلة مع “الشرق” الوصول إلى ذلك المعدل بحلول العام القادم.
كان البنك المركزي أعلن في آخر اجتماع له في 2024 تمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة إلى الربع الرابع من 2026 والربع الرابع من 2028 عند 7% (بارتفاع أو انخفاض 2%) و5% (بارتفاع أو انخفاض 2%) في المتوسط على التوالي، وذلك اتساقاً مع التقدم التدريجي للبنك المركزي نحو اعتماد إطار متكامل لاستهداف التضخم، وفق البيان المرافق لقرار لجنة السياسات النقدية حينها.
جاذبية الأصول المحلية مستمرة
تشير آية زهير، رئيسة البحوث بشركة “زيلا كابيتال”، إلى أن أسعار الفائدة الحقيقية ما زالت تضمن جاذبية الأصول المحلية وتدعم النشاط الاقتصادي. وأضافت في حديث مع “الشرق” أن الظروف الاقتصادية الحالية تسمح بمزيد من التيسير النقدي، بفضل تباطؤ التضخم، وزيادة موارد العملات الأجنبية، وخاصة انتعاش تحويلات المصريين في الخارج.
كان البنك المركزي أعلن الأسبوع الماضي، تسجيل تحويلات المصريين العاملين بالخارج تدفقات قياسية خلال العام المالي 2024-2025، إلى نحو 36.5 مليار دولار، بزيادة 66.2% عن 2024.
عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قالت إن سعر الفائدة الحقيقي في مصر لا يزال من بين الأعلى في العالم رغم الخفض الأخير.
“الخفض قد يكون له تداعيات سلبية على رؤوس الأموال الأجنبية الساخنة وعلى جاذبية العوائد المصرفية للمدخرين، ما يجعل البنك المركزي يتعامل مع الوضع بحذر شديد” بحسب المهدي، التي تشدد على ضرورة وضع ضوابط وقيود على دخول وخروج الأموال الساخنة لمصر لتجنب تداعيات التخارج المفاجئ لتلك الأموال.
دفعة لبورصة مصر
محمود عطا، المدير التنفيذي لشركة “الصك لتداول الأوراق المالية”، يقول إن خفض الفائدة يقدم دفعة للبورصة المصرية، وسيدعم من تحقيق مؤاشراتها مستويات تاريخية جديدة، وقد تقترب بالمؤشر الرئيسي للسوق “إي جي إكس 30” من مستويات 38000 نقطة مع نهاية الربع الجاري.
أرجع عطا في حديثه مع “الشرق” ذلك لعدة عوامل أهمها استمرار الزخم ببعض القطاعات القيادية المستفيدة من القرار، وعلى رأسها القطاع العقاري، الأكثر نشاطاً منذ بداية العام، إلى جانب قطاع الخدمات المالية غير المصرفية والقطاع الصناعي.