في ظل مؤشرات على تراجع الاقتصاد.. هل هناك فقاعة في أسهم الصين؟

يرزح الاقتصاد الصيني تحت وطأة الرسوم الجمركية وأزمة عقارية متجذرة، إلا أن الأسهم تُواصل صعودها، في انفصال يُثير الشكوك حول قدرة موجة الارتفاع على الصمود.
في الشهر الماضي فقط، أضافت الأسهم المحلية ما يقرب من تريليون دولار إلى قيمتها السوقية، ووصل “مؤشر شنغهاي المركب” (Shanghai Composite Index) إلى أعلى مستوى له في عقد من الزمان، وارتفع مؤشر “سي إس آي 300” (CSI 300) من أدنى مستوى له هذا العام إلى أكثر من 20%. في تلك الأثناء، أطلقت جميع المؤشرات الاقتصادية الحديثة تقريباً -من اتجاهات الاستهلاك، وأسعار المنازل، إلى التضخم- إشارات تحذير للمستثمرين.
تحول الأثرياء الصينيين إلى الأسهم
جاء ارتفاع الأسهم مدفوعاً بتحوّل المستثمرين الأثرياء إلى الأسهم في ظلّ نقص البدائل. وبينما قد يُشير التقدم المُطرد للسوق إلى انخفاض خطر حدوث تصحيح مفاجئ، يُحذّر بعض المحللين من أن فقاعةً في طور التشكل. تحذر شركة “نومورا هولدينغز” من “التفاؤل المفرط”، بينما تصف شركة “تي إس لومبارد” (TS Lombard) هذا التباين بأنه حالة من المواجهة بين “المتفائلين بالسوق والمتشائمين بشأن الاقتصاد الكلي”.
يقول هومين لي، كبير استراتيجيي الاقتصاد الكلي في شركة “لومبارد أوديير” (Lombard Odier) في سنغافورة: “قد تتوقع الأسواق، سواءً كان ذلك صحيحاً أم خاطئاً، تحسّن أساسيات الاقتصاد الكلي. لكن سوقاً صاعدة لن تكون مستدامة إذا ظلّ التضخم قريباً من الصفر، وواجهت قدرة الشركات على التسعير عوامل معاكسة شديدة بسبب ضعف الطلب المحلي”.
تُعدّ الدوامة الانكماشية التي قوّضت قدرة الشركات على التسعير في ثاني أكبر اقتصاد في العالم أحد أهم أسباب الشك في استدامة الارتفاع الحالي.
مؤشرات مقلقة على صعيد الاقتصاد الكلي في الصين
استقرت أسعار المستهلك في يوليو، وتراجعت أسعار المنتجين للشهر الرابع والثلاثين، وواصل معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي سلسلة انخفاضاته. وبينما شرعت بكين في حملة للحد من فائض الطاقة الإنتاجية وكبح جماح حروب الأسعار، إلا أن تأثيرها كان محدوداً حتى الآن. انخفضت تقديرات الأرباح المستقبلية على مدى 12 شهراً للشركات المدرجة في مؤشر “سي إس آي 300” (CSI 300) بنسبة 2.5% عن أعلى مستوى لها هذا العام. وأثرت المنافسة السعرية الشديدة سلباً على أرباح شركات مثل “جيه دي دوت كوم” (JD.com Inc). و”جيلي أوتوموبايل هولدينغز” (Geely Automobile Holdings Ltd).
اقرأ أيضاً: “جيه بي مورغان”: كبح الصين فائض الطاقة الإنتاجية قد يدعم أسواق الأسهم
وقد غذّت هذه الصورة المقلقة التوقعات بأن بكين ستعزز دعمها. لكن السياسات المطبقة حتى الآن تشير إلى أن المسؤولين يتجنبون استراتيجية التحفيز واسع النطاق، مفضلين بدلاً من ذلك نهجاً مدروساً.
كما تُعقّد مكاسب الأسهم استجابة السياسات لتباطؤ الاقتصاد، وفقاً لـ”نومورا”، حيث تُخاطر التدابير الداعمة للنمو بتضخيم فقاعة سوق الأسهم.
دورة الازدهار والكساد في 2015
يقارن مراقبو السوق الوضع ببداية دورة الازدهار والكساد في عام 2015. في ذلك الوقت، أدى ارتفاع حاد في التداول بالهامش إلى صعود قوي في الأسهم، قبل أن تُسبب حملة صارمة على هذه الأنشطة الممولة بالديون انهياراً هائلاً.
في حين أن المكاسب الحالية أكثر اعتدالاً بكثير من الارتفاع الصاروخي الذي شهدناه قبل عقد من الزمان، فإن الاقتصاد الضعيف وانخفاض أسعار المصانع يُثيران مقارنات غير مريحة. وكما هو الحال مع طفرة الذكاء الاصطناعي اليوم، كانت التقنيات الجديدة، من مبادرة “إنترنت بلس” إلى البيانات الضخمة، تُغذي حماس السوق آنذاك.
يبلغ حجم ديون الهامش المستحقة 2.1 تريليون يوان (292 مليار دولار)، مقارنةً بـ2.3 تريليون يوان في ذروة عام 2015. تميل مكاسب الأسهم الصينية إلى الارتباط القوي بالسيولة وأرصدة الهامش.
قال هاو هونغ، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة “لوتس لإدارة آسيت مانجمنت” (Lotus Asset Management): “وفرة السيولة في السوق والاستيقاظ التدريجي للغرائز الشرهة يُذكراننا بالأوقات العصيبة التي شهدناها قبل عقد من الزمان”. وأضاف “بالطبع، ما زلنا في المراحل الأولى”.
تباطؤ في الصعود
هناك، بطبيعة الحال، أسباب تدعو للاعتقاد بإمكانية استدامة المكاسب الحالية. فقد كانت وتيرة زيادة المراكز في الأسهم أكثر توازناً مقارنةً ببعض الدورات السابقة. وفي الأيام الأخيرة، اتسع نطاق الارتفاع ليشمل شريحة أوسع من السوق، مما يشير إلى زخم أكثر ديمومة.
قال تشو تشن شين، رئيس شركة “أسيمتوت إنفستمنت ريسيرش” (Asymptote Investment Research) في بكين: “هناك مكامن ودائع أكبر، وشركات تكنولوجيا أقوى، وسياسات إنقاذ سوقية أكثر مباشرة، وكلها أقوى بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن”.
على الرغم من هذه العوامل الداعمة، فإن المشهد الضبابي للاقتصاد الكلي في الصين يجعل بعض المحللين أكثر انتقائية. قالت جاسمين دوان، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في “آر بي سي ويلث مانجمنت آسيا” (RBC Wealth Management Asia)، إنها تتجنب القطاعات التي تتأثر فيها الأرباح ببيئة انكماشية، أو القطاعات شديدة التنافسية التي تشهد ضغوطاً على هامش الربح.
وقالت هيبي تشين، المحللة في “فانتاج ماركتس” (Vantage Markets) في ملبورن: “سوق الصين الصاعدة أقرب إلى صندوق ألغاز منها إلى قصة نمو تقليدية”. وأضافت أن “الخطر يكمن في أنه بمجرد أن تتلاشى المعنويات (الإيجابية)، فإن المستثمرين سوف يخرجون على الفور”.