اخر الاخبار

لماذا يصوب ترمب نيران الرسوم الجمركية نحو الأدوية؟

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوصلته التجارية نحو قطاع الأدوية، ملوحاً باحتمالية فرض رسوم تصل إلى 250% على شركات الأدوية، مما يهدد بإعادة تشكيل واحدة من أكثر الصناعات حساسية. هذه الخطوة، التي تأتي ضمن سياسة ترمب الصارمة في حماية الصناعة المحلية، فتحت الباب أمام تساؤلات حول دوافعه الحقيقية، وإذا ما كان يسعى إلى تقليص اعتماد واشنطن على الواردات الحيوية، أم أنها ورقة ضغط جديدة في حربه التجارية الممتدة مع شركاء عالميين؟

التقرير التالي يتناول أبعاد هذه الحملة، ورد فعل الشركات عليها.

متى بدأت معركة ترمب ضد شركات الأدوية؟ وما مواقفه السابقة؟

معركة ترمب ضد شركات الأدوية بدأت منذ ولايته الأولى، حين وجّه انتقادات حادة لما اعتبره استغلالاً للمستهلك الأميركي وعبئاً متنامياً على برامج الرعاية الصحية الحكومية. ففي يناير 2017، وصف تلك الشركات بأنها “تتملّص من العقاب”، متهماً إياها بفرض أسعار مرتفعة على الأدوية في برامج مثل “ميديكير” و”ميديكيد”، ولوّح حينها بإتاحة التفاوض المباشر مع الشركات لخفض التكاليف، وذلك بحسب رويترز.

وخلال الشهر نفسه، اجتمع ترمب برؤساء تنفيذيين لعمالقة القطاع مثل “نوفارتس” (Novartis) و”ميرك” (Merck) و”جونسون آند جونسون” (Johnson & Johnson) و”إيلي ليلي” (Eli Lilly)، وطالبهم بخفض الأسعار قائلاً إن الحكومة الأميركية تدفع “أسعاراً فلكية”، متعهداً في المقابل بتسريع إجراءات الموافقة على الأدوية عبر إدارة الغذاء والدواء وتخفيف الأعباء التنظيمية، بحسب وول ستريت جورنال.

ترمب يخطط لخفض أسعار الأدوية الموصوفة في أميركا… التفاصيل هنا

وفي 2018، صعّد الرئيس السابق من لهجته بعدما أعلنت شركات عدة خطط لرفع أسعار الأدوية، إذ ضغط بشكل مباشر على شركات مثل “فايزر” (Pfizer) و”نوفارتس” (Novartis)، ما دفعها إلى تأجيل زيادات كانت مقررة. وأكد ترمب آنذاك أن هذا التراجع يعكس جدية إدارته في “إحداث تغيير في السوق”، مقدماً ذلك كدليل على فاعلية نهجه التصادمي مع الصناعة، وفقاً لـ”بلومبرغ”.

غير أن النتائج الملموسة بدت محدودة؛ إذ أشار تقرير صادر عن اللجنة المالية في مجلس الشيوخ إلى أن أسعار معظم الأدوية واصلت ارتفاعها خلال عامي 2017 و2018، رغم وعود ترمب المتكررة بجعل خفض الأسعار أولوية لإدارته، بحسب “رويترز”.

لماذا يستهدف ترمب شركات الأدوية؟

يصعّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجومه على شركات الأدوية مدفوعاً بثلاثة أسباب رئيسية: الفجوة الحادة في الأسعار بين السوق الأميركية والأسواق الأجنبية، ورغبته في إعادة توطين سلاسل التوريد، ورفضه لما يعتبره استغلالاً للابتكار الأميركي من قبل شركات أجنبية وشركاء دوليين.

يأتي ذلك بعدما بلغت قيمة الأدوية المستوردة في الولايات المتحدة 213 مليار دولار خلال عام 2024، وقد يؤدي فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الأدوية إلى زيادة في تكاليف الدواء بنحو 51 مليار دولار سنوياً، حاصة وأن نسبة المواد الفعالة المستوردة المستخدمة في صناعة الأدوية بأميركا تصل إلى 50%.. المزيد من المعلومات في الفيديو أدناه.




أولاً، يركّز ترمب على ما يصفه بـ”الاستغلال السعري”، حيث يدفع الأميركيون -وفقاً لتصريحاته- أضعاف ما تدفعه الدول الأوروبية مقابل الأدوية نفسها. ويطالب الشركات بخفض أسعار الأدوية الجديدة لتتوافق مع “أدنى سعر عالمي”، وتطبيق تخفيضات فورية في برنامج “ميديكيد”، ما يعكس قناعة لديه بأن نظام التسعير الحالي يخدم الخارج على حساب المواطن الأميركي.

اقرأ أيضاً: ترمب يفتح نار الرسوم على الهند وأوروبا والأدوية.. وأول زيادة بعد 24 ساعة

ثانياً، يسعى ترمب إلى تقليص الاعتماد على التصنيع الخارجي، ملوّحاً بفرض رسوم جمركية على الأدوية المُنتجة خارج الولايات المتحدة، ما لم تنقل الشركات عملياتها التصنيعية إلى الداخل خلال مهلة زمنية محددة. 

وقال إن الرسوم الجمركية على منتجات شركات الأدوية “ستكون بسيطة في البداية”، لكنها قد ترتفع “في نهاية المطاف إلى 250%”، في حال لم تُصحح مسارها التجاري مع الولايات المتحدة.

يرى ترمب أن هذه الإجراءات ضرورية لتأمين الإمدادات الحيوية وتقليل التعرض لاضطرابات سلاسل التوريد العالمية، وقال في 24 مارس الماضي: “سنعلن عن “الرسوم الجمركية” على الأدوية في وقت ليس ببعيد، لم نعد ننتج الأدوية، وإذا تعرضنا لأزمات مثل حروب أو أي مشكلة أخرى سنحتاج إلى الصلب، وسنحتاج إلى الأدوية”.

ثالثاً، يرفض ترمب تخفيف القيود المفروضة على تسعير الأدوية في السوق الأميركية، معتبراً أن التنازلات في هذا الملف تصب في مصلحة شركات أجنبية وشركاء دوليين يستفيدون من الابتكار الأميركي دون تحمّل تكاليفه، ويحمّل ترمب شركات الأدوية، سواء المحلية أو متعددة الجنسيات، مسؤولية ارتفاع التكاليف، مؤكداً عزمه استخدام “كل ما في وسع الحكومة” للضغط عليها إذا لم تبادر إلى خفض الأسعار طوعاً.

كيف استجابت شركات الأدوية للهجوم؟

خلال ولاية ترمب الأولى عام 2017، واجهت شركات الأدوية حملة ضغط غير مسبوقة لتخفيض الأسعار. ورداً على ذلك، لجأت بعض الشركات الكبرى إلى تجميد أو تأجيل زيادات الأسعار المقررة، في محاولة لامتصاص الغضب السياسي.

وأعلنت شركات مثل “فايزر” و”نوفارتس” عن تأجيل زيادات في أسعار عدد من أدويتها بعد انتقادات علنية من ترمب، في خطوة عكست محاولة للصناعة لخفض حدّة المواجهة مع البيت الأبيض، بحسب “رويترز”.

في تلك الفترة أيضاً، عملت بعض الشركات على خفض أسعار محددة أو طرح خصومات لتأكيد التزامها بالمسؤولية الاجتماعية وتخفيف الضغوط التنظيمية. وتزامن هذا التوجه مع إطلاق مبادرات لتعزيز الشفافية في التسعير وتوضيح آليات تحديد الأسعار ونشرها على الإنترنت، في محاولة لتقليل حدة الهجوم السياسي والحفاظ على سمعة القطاع أمام الرأي العام، بحسب بلومبرغ.

أما في ولايته الحالية، فقد أعاد ترمب تصعيد خطابه تجاه الصناعة عبر توجيه رسائل إلى 17 شركة دواء كبرى يطالبها فيها بخفض الأسعار لتتماشى مع المستويات الدولية. هذا الضغط دفع بعض الشركات إلى تجربة البيع المباشر للمستهلكين كآلية جديدة لتمرير الخصومات بشكل أوضح، بحسب موقع “بارونز” (Barron’s).

وطرحت شركات مثل “فايزر” (Pfizer) و”بريستول مايرز سكويب” (Bristol Myers Squibb) بالفعل أدوية بخصومات تجاوزت 40% عبر قنوات مباشرة للمستهلك، بينما أعلنت “جي إس كيه” (GSK) أنها دخلت في مفاوضات مع إدارة ترمب لإيجاد صيغة تضمن وصول الخصومات إلى المرضى دون الإضرار بالتسعير، بحسب رويترز.

كيف تأثرت أسهم شركات الأدوية بتهديدات رسوم ترمب؟

تراجعت أسهم شركات الأدوية في 12 مايو 2025 بعد تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بربط أسعار الأدوية في الولايات المتحدة بالمستويات المدفوعة في الخارج وربط مدفوعات “ميديكير” بالأسعار الدولية؛ فتراجعت “أبفي” (AbbVie)، و”ميرك” (Merck)، و”فايزر” (Pfizer) و”إيلي ليلي” (Eli Lilly) بنحو 2% إلى 4% في تداولات قبل الافتتاح في ذلك اليوم، وهبطت في أوروبا “أسترازينيكا”، و”جي إس كيه” و”روش” (Roche) بنسبة 3% إلى 7%، ثم تجدّد الضغط مطلع أغسطس مع رسائل البيت الأبيض إلى 17 شركة تُمهلها 60 يوماً لخفض الأسعار، ما كبَح مكاسب المؤشرات، وأعاد تسعير المخاطر على ربحية القطاع.

العدوى انتقلت إلى آسيا، وفي طوكيو هبط سهم “تشوغاي” بأكثر من 7.2%، وتراجع “داييشي سانكيو” و”تاكيدا” بنحو 5%، بينما خسر “إس كي بيوفارماسوتيكالز” و”سيلتريون” و”سامسونغ بيولوجيكس” أكثر من 3% في سيول. ورغم التشكيك في قابلية التنفيذ الكامل، رأى محللون أن مجرد الإعلان يشكّل ضغطاً سلبياً على أسهم الدواء.

اقرأ المزيد: تصريحات ترمب تضغط على أسهم شركات الأدوية الآسيوية

تحرّكت جماعات الضغط سريعاً، إذ قدّرت رابطة شركات صناعة الأدوية الأميركية “فارما” (PhRMA) أن مقترحات ترمب لربط الأسعار الأميركية بالأدنى دولياً قد تكبّد القطاع خسائر تصل إلى تريليون دولار خلال 10 سنوات. وكثّفت الرابطة اتصالاتها بالكونغرس لعرض مخاطر هذه الترتيبات على الربحية والاستثمار في الابتكار، محذّرة من أن الضغوط التسعيرية المقترحة قد تقلّص الهوامش وتعيد تشكيل معادلة التسعير في السوق الأميركية.

كما قال محللا “بلومبرغ إنتليجنس” جون ميرفي وسام فازيلي في مذكرة إن نقص المعلومات حول محل تصنيع مكونات الأدوية يشكل تحدياً أمام أي عملية تقييم لتأثير الرسوم الجمركية المرتقبة، لكن الشركات ذات أقل هامش ربح إجمالي قد تتعرض لأشد تأثير سلبي على الأرباح، وأشاروا إلى “بريستول مايرز سكويب” و”فايزر” وسانوفي”.

هل يمكن أن تتأثر أسعار الأدوية حول العالم برسوم ترمب المزمعة على شركات الأدوية؟

نعم، من المرجح أن تؤثر رسوم ترمب المزمعة –إذا ما فُرضت بالفعل وبنسب تصل إلى 250%– على أسعار الأدوية عالمياً، وليس فقط داخل الولايات المتحدة.

السبب أن شركات الأدوية الكبرى تعمل من خلال سلاسل توريد معقدة وعابرة للقارات، حيث يتم إنتاج المواد الخام في دول، والتصنيع في أخرى، ثم التوزيع على أسواق متعددة. أي زيادة في التكلفة عند نقطة من هذه السلسلة سرعان ما تنعكس على الأسعار النهائية في بلدان مختلفة.

إضافة إلى ذلك، فإن فرض رسوم بهذا الحجم سيدفع الشركات إما إلى رفع الأسعار لتعويض خسائرها أو تقليص استثماراتها في البحث والإنتاج، ما يضغط على الإمدادات العالمية.

وفي خطوة استباقية، رفعت شركة “إيلي ليلي” سعر دواء “ماونجارو” للتخسيس في بريطانيا حتى 170%، في سياق ضغوط البيت الأبيض لخفض الأسعار داخل أميركا ورفعها في أوروبا؛ بحسب “رويترز”.

فيما تُحذّر “بروكنغز” من أن الرسوم تُفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد وتزيد مخاطر نقص الأدوية المكافئة منخفضة الهامش.

وداخل الولايات المتحدة، قال ترمب إن البداية ستكون برسوم صغيرة على واردات الأدوية ترتفع تدريجياً إلى 150% ثم 250%، ما يرفع كلفة الاستيراد ويضغط صعوداً على الأسعار؛ كما تشير تقديرات موقع “كيه إف إف” (KFF) المعني بأخبار القطاع الصحي إلى أن شركات التأمين بدأت تسعير تأثير الرسوم في ميزانيات 2026.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *