اخر الاخبار

ضابط أميركي سابق ينصح إسرائيل بالاستفادة من دروس معارك الفلوجة

في 7 أغسطس، اتخذ مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر للحرب قراراً مثيراً للجدل بمواصلة هجمات الجيش البرية ضد “حماس” في غزة، رغم جهود وقف إطلاق النار المتقطعة والمخاطر المستمرة التي تهدد حياة (الإسرائيليين) المحتجزين المتبقين.وقد أدان هذا القرار عدد كبير من الدول، من بينها دول مثل فرنسا، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، والمعروفة عموماً بتعاطفها الأكبر مع السياسات الإسرائيلية.

استهدفت خطة مجلس الوزراء الأمني ​​المصغر مدينة غزة تحديداً كجزء من سعيه وراء خمسة أهداف: إنقاذ المحتجزين؛ فرض سيطرة أمنية كاملة على المدينة؛ نزع السلاح من كامل قطاع غزة؛ تجريد “حماس” من سلاحها؛ وإنشاء إدارة مدنية لا تشمل لا “حماس” ولا السلطة الفلسطينية. وقد أثار هذا المخطط معارضة واسعة داخل إسرائيل وأدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية كبيرة.

فاتورة الحرب تستنزف اقتصاد إسرائيل.. وهذه أبرز التكاليف

نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن الخطة تتضمن مهمة أولية للجيش تتمثل في السيطرة الكاملة على مدينة غزة، التي يسكنها حوالي مليون فلسطيني، بالإضافة إلى مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء قطاع غزة. يبلغ عدد سكان المنطقة بأكملها حوالي 2.2 مليون نسمة، وقد هُجّرت الغالبية العظمى منهم من ديارهم بسبب الصراع. وتعاني نقصاً مزمناً في الغذاء والماء والإمدادات الطبية والكهرباء.

ما أهمية المهمة العسكرية الموكلة إلى الجيش، الذي يتألف في معظمه من جنود الاحتياط، والذي عانى من ضغوط شديدة جراء ما يقرب من عامين من القتال البري المتواصل؟ ما هي النتائج العسكرية المحتملة؟.

دروس من حروب طويلة

لقد أمضيتُ سنوات أتعامل مع جيش الدفاع الإسرائيلي، وكان آخرها في مهمتي العسكرية الأخيرة كقائد للقيادة الأميركية في أوروبا قبل عقد. خلال سنواتي الأربع في الوظيفة، كانت إحدى مسؤولياتي الرئيسية هي التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وسافرتُ كثيراً إلى تل أبيب والقدس وجميع أنحاء البلاد. وأُكنّ احتراماً عميقاً للقدرات والاحترافية وروح الابتكار التي يُضفيها جيش الدفاع الإسرائيلي على العمليات القتالية.

لكنني أيضاً من قدامى المحاربين في حروب أميركية تكاد تكون أزليةً كالحرب الأميركية في أفغانستان والعراق، وأعتقد اعتقاداً راسخاً أنه بهذا القرار السياسي، فإن الجيش الإسرائيلي “يتجه نحو الخطر”، كما نقول في قوات البحرية.

إسرائيل ترفع ميزانية الدفاع بـ12.5 مليار دولار لتغطية كلفة الحروب

على وجه الخصوص، يُعدّ التوجيه بالاستيلاء على مدينة غزة -الخطوة الأولى في خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو- مهمةً ثقيلةً. عندما أقرأ عن أوامر جيش الدفاع الإسرائيلي، يتبادر إلى ذهني فوراً سيناريو الحرب الدامية والقاسية في معركة الفلوجة في العراق في نوفمبر 2004. عُرفت باسم “عملية فانتوم فيوري”، وكانت أكبر هجوم أميركي حضري منذ معركة “هوي” الشهيرة في فيتنام، قبل عقود.

كانت الفلوجة مدينة يقطنها نحو 400 ألف إنسان (أي ما يُقل عن نصف سكان مدينة غزة). أما عدد المسلحين المناوئين في العراق، فقد بلغ حوالي 3000، وهو ما يُقارب تقريباً تقديرات عديد كوادر حماس المتبقية في المنطقة الحضرية. وكما هو الحال في مدينة غزة، قامت القوة المناوئة العراقية قبل 20 عاماً ببناء مجمعات أنفاق، ونصبت كميات كبيرة من الأفخاخ المتفجرة، وكانت على استعداد لاستخدام المدنيين كدروع بشرية.

عوامل ميزان القوة

تألفت قوات التحالف الهجومية في الفلوجة بشكل أساسي من 10000 جندي من مشاة البحرية الأميركية (معظمهم من الفوجين الأول والسابع) وقوات الجيش -وتلك من بين أفضل القوات الصادمة في العالم. كما شاركت كل من القوات البريطانية والعراقية، وإن كان بأعداد أقل بكثير. تلقت قوة الهجوم دعماً فعالاً من طائرات هليكوبتر قتالية وطائرات هجومية وكثير من وحدات القوات الخاصة.

إن حرب المدن يصعب توقع مجرياتها وهي تحدٍّ كبير لأي جيش. في حين أن مستوى التدريب على القتال فيما أسماه الجنرال البحري المتقاعد تشاك كرولاك “حرب الكتل الثلاث” قد ارتفع على مدى العقود الماضية، إلا أنه ما يزال غير كافٍ لمواجهة تحديات جسيمة.

المشكلة الأولى هي كثافة المباني في ساحة المعركة، والتي توفر ارتفاعات شاهقة يمكن للمدافعين من خلالها إطلاق النار بسهولة على القوات والمركبات التي تتحرك في الشوارع، التي تصبح في الواقع مواقع للقتل.

حرب غزة.. إسرائيل لا تستبعد إدارة القطاع مؤقتاً قبل نقل الحكم لسلطة فلسطينية

يمكن للمدافعين إلحاق خسائر فادحة، ثم الاختفاء، والتحرك عبر أسطح المنازل في الأحياء المتراصة التي يعرفونها جيداً؛ ليعودوا للظهور بكمين آخر على بُعد بضعة مربعات سكنية.

تكمن الصعوبة الرئيسية الثانية في وجود كثافة سكانية مدنية عالية وضعيفة. سيحاول جيش الدفاع الإسرائيلي، كقوة قتالية تلتزم بالمبادئ، الحد من الأضرار الجانبية التي تلحق بالمدنيين والمساجد والمدارس والمرافق الطبية ومراكز توزيع الغذاء. إلا أن “حماس” لن تكون لديها مثل هذه المحاذير، وستدفع المدنيين حرفياً، كما حدث في الفلوجة، نحو القوات الإسرائيلية المتقدمة. ستكون الخسائر المدنية عالية جداً، برغم أن جيش الدفاع الإسرائيلي سيحاول إخلاء أكبر عدد ممكن من السكان قبل شن الهجوم.

ثالثاً، ستدور المعارك في الغالب تحت أضواء الإعلام. وستُضخّم أخطاء جيش الدفاع الإسرائيلي وتُبثّ فوراً في جميع أنحاء العالم. وستزداد بالتوازي معاناة المدنيين، التي تُعرض عبر الإعلام باستمرار. الفلوجة، التي كانت تُعرف سابقاً باسم “مدينة المساجد”، دُمّر أكثر من نصف دور العبادة فيها. ولا توجد سلطة مدنية (في غزة) يمكن للإسرائيليين اللجوء إليها طلباً للمساعدة في إغاثة السكان.

خسائر فادحة للسيطرة

في نهاية المطاف، سيطرت قوات مشاة البحرية وقوات الصاعقة التابعة للجيش على المدينة في الفلوجة، مُتكبدةً خسائر فادحة في القتلى والجرحى. استغرقت الحملة أكثر من ستة أسابيع، وكانت الآثار المتبقية في الرأي العام العالمي عميقة نتيجةً لوفيات المدنيين.

كما حفّزت عمليات تجنيد المقاتلين وساهمت في ولادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). في الواقع، تبين أن النصر كان باهظ الثمن إلى حد كبير، وأدى إلى ما سُمي “الصحوة السنية الكبرى”. في النهاية، سُلّمت الفلوجة إلى الحكومة العراقية. ومن المفارقات أنه بعد عقد من معركة الفلوجة، هاجم “داعش” المدينة واستولى عليها عام 2014.

أعلم أن جيش الدفاع الإسرائيلي مُدرك تماماً لتحديات حرب المدن، ولديه خبرة واسعة من الصراع الحالي والحروب السابقة. لكن بينما تدرس القيادة السياسية في القدس الخيارات، تقتضي الحكمة أن تراجع المعارك الحضرية الوحشية في العراق؛ وخاصة مدينة الفلوجة المنكوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *