اخر الاخبار

“عراب البنزين” في إندونيسيا يواجه تهم فساد بمليارات الدولارات

هيمن تاجر نفط قليل الظهور إعلامياً على تجارة الوقود في إندونيسيا لعقود. والآن يجد نفسه غارقاً في تحقيق فساد بقيمة 18 مليار دولار يتعلق بشركة النفط الوطنية المملوكة للدولة، وقد تحول إلى اختبار حاسم لحملة الرئيس برابوو سوبيانتو لمكافحة الفساد.

محمد رضا خالد، الذي حافظ طويلاً على علاقات سياسية رفيعة المستوى، يُعرف في القطاع بلقب “عراب البنزين” لدوره المحوري في استيراد منتجات نفطية بمليارات الدولارات، معظمها من سنغافورة المجاورة. رغم أن نفوذه أخذ في التراجع -مع سعي إندونيسيا للاعتماد بدرجة أقل على المشتريات الخارجية المكلفة من البنزين والديزل- فإنه يظل حتى الآن الهدف الأكثر جرأة للإدارة الحالية، بينما تعيد هيكلة نظام شراء الطاقة وتسعى لإطلاق عجلة النمو في أكبر اقتصاد بجنوب شرق آسيا.

إنتاج النفط الإندونيسي يتراجع

رغم أن إندونيسيا كانت عضواً مبكراً في “أوبك”، فإن إنتاج النفط تراجع بشدة خلال العقود الأخيرة، إذ هبط بما يقرب من 60% خلال ربع القرن الماضي مع تقادم الحقول وتراجع الاستثمارات، وهو ما رفع فاتورة الواردات. وتعرضت شركة النفط والغاز المملوكة للدولة “برتامينا” (PT Pertamina) لانتقادات متكررة، بما في ذلك من البرلمان الإندونيسي، بسبب ضعف الكفاءة. وتخضع الآن لتحقيق بشأن مخالفات في واردات النفط الخام والمنتجات النفطية بين عامَي 2018 و2023، يقول مسؤولون إنها كلفت الدولة 285 تريليون روبية، أي ما يعادل نحو 18 مليار دولار. يشمل التحقيق عدة شركات، من بينها واحدة على الأقل يسيطر عليها خالد، وفق تصريحات صادرة عن مكتب المدعي العام.

إندونيسيا: صفقة شراء النفط من أميركا مشروطة بمفاوضات الرسوم الجمركية.. تفاصيل أكثر هنا

قال سيواغي نيغارا، الباحث في “معهد يوسف إسحاق لدراسات جنوب شرق آسيا” (ISEAS-Yusof Ishak) في سنغافورة: “برابوو يريد أن يُنظر إليه كرئيس يتسم عصره إنه نظيف من الفساد، وقائد يملك الشجاعة الكافية لاجتثاثه. يعد هذا أحد الملفات التي يتعين على إدارة برابوو معالجتها إذا كانت تريد فعلاً تحسين جودة الحوكمة داخل الشركات المملوكة للدولة”.

التحقيق المتسع بشأن “برتامينا” وفروعها وشركاتها التجارية -أحد أكبر تحقيقات مكافحة الفساد في إندونيسيا منذ عقود- أسفر بالفعل عن احتجاز أكثر من 10 مسؤولين تنفيذيين، بينهم نجل خالد، واستجواب أكثر من 250 شاهداً.

اتهامات تواجه محمد رضا خالد

يتهم مكتب المدعي العام خالد بأنه المالك المستفيد لشركة “أوربت ترمينال ميراك” (PT Orbit Terminal Merak)، التي يُعتقد أنها حصلت على عقد إيجار طويل الأجل مع “برتامينا”، أتاح تحقيق مكاسب غير مشروعة من خلال عقود تخزين وقود غامضة. يظهر اسم ابنه، محمد كيري أدريانتو رضا في السجلات الرسمية بوصفه مساهماً رئيسياً في الشركة عبر سلسلة من شركات قابضة.

اقرأ أيضاً: إندونيسيا تسعى لتكوين أول احتياطي نفطي عبر تخزين 10 ملايين برميل

لم يوجه المدعي العام في إندونيسيا حتى الآن اتهاماً رسمياً إلى خالد، الذي امتنع عن المثول بعد أن استُدعي 3 مرات منذ بدء التحقيق في “برتامينا” وفروعها. وتُظهر سجلات الهجرة أنه غادر إندونيسيا في فبراير متجهاً إلى ماليزيا. لم يصدر عنه أي تصريح علني بشأن القضية، ولا يُعرف له محام. أما محامي ابنه المحتجز فلم يرد على طلبات “بلومبرغ” للتعليق على الأمر، لكنه كان قد قال سابقاً لمجلة “تمبو” (Tempo) إن نشاط موكله “لا علاقة له بوالديه”. لم يتسن الحصول على رد عند مراجعة بصفة شخصية للمكتب المسجل لشركة ” أوربت ترمينال ميراك”. 

مع ذلك، ذكرت السلطات خالد علناً عدة مرات كأحد المشتبه بهم في القضية المتشعبة، وأعلنت بوقت سابق من الشهر الجاري أنها ستسعى للحصول على “إشعار أحمر” من “الإنتربول”، وهو تنبيه دولي لملاحقة مطلوب وليس مذكرة توقيف. وقال مكتب المدعي العام إن العملية ما زالت جارية. كما صادرت السلطات أصولاً قالت إنها مرتبطة بخالد، بينها سيارة “تويوتا ألفارد” و”ميني كوبر” و3 سيارات “مرسيدس”، إضافة إلى مبالغ نقدية بعملات مختلفة.

قال سايمون ألويسيوس مانتيري، الرئيس التنفيذي لشركة “برتامينا” الذي عينه برابوو العام الماضي، إنه يعتذر عن التحقيق من دون التطرق إلى تفاصيله، مؤكداً أن الشركة ترحب بإجراءات المدعي العام وستعمل مع الحكومة لتعزيز الشفافية.

مكافحة الفساد في إندونيسيا

لم تكن التحقيقات في الفساد أمراً جديداً على إندونيسيا، إذ أن حكومة برابوو التي مضى عليها عشرة أشهر فقط، كانت قد لاحقت بالفعل عدداً من القضايا -فقد أُدين شخصان بارزان من الساسة المعارضين لتحالفه وللإدارة السابقة بجرائم متعلقة بالفساد العام الماضي، ثم مُنحا عفواً الشهر الجاري- غير أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف كيان مملوك للدولة بهذا الحجم ورجل أعمال بمكانة خالد.

اقرأ المزيد: الاتفاق مع إندونيسيا يفتح فرصاً بـ50 مليار دولار أمام الصادرات الأميركية

ترجع صلات خالد السياسية إلى ما لا يقل عن 3 عقود، إلى عهد الزعيم الاستبدادي سوهارتو، عندما وردت تقارير أنه ساعد في شراء طائرة روسية من طراز “سوخوي”. وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية “أنتارا”، فقد كان محل ثقة لتمثيل شركة لشراء السلاح من أجل إنجاز الصفقة. ولم يعلق هو على هذا التقرير.

لكن نفوذه الحقيقي برز من خلال تجارته النفطية، إذ استغل علاقاته السياسية ليوسع دوره في واردات المنتجات النفطية إلى إندونيسيا، بحسب شركاء سابقين فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم لحساسية الأمر. كان ذراع “برتامينا” التجاري في سنغافورة -“برتامينا إنرجي تريدينغ” (Pertamina Energy Trading) المعروفة اختصاراً بـ”بيترال” (Petral)- يمثل محوراً أساسياً في التجارة. في أوج نشاطه، كانت الشركات المرتبطة بخالد تستحوذ على ما يصل إلى 70% من عقود الوحدة، وفق تصريحات وزير الطاقة الأسبق سوديرمان سعيد، الذي أمر بمراجعة حكومية خلال 2015 لأنشطة “بيترال”، وذلك في مقابلة إذاعية الشهر الماضي.

ذلك التدقيق، الذي غطى عمليات “بيترال” بين يناير 2012 ومايو 2015، خلص إلى أن تدخل أطراف ثالثة جعل “برتامينا” تدفع أسعاراً أعلى لواردات الوقود والنفط الخام، بحسب ما ذكره الرئيس التنفيذي آنذاك دوي سوتجيبتو. وقد أُحيلت النتائج إلى هيئة مكافحة الفساد في إندونيسيا، لكن لم تُفتح أي قضية ضد المتورطين. وفي النهاية جرى إغلاق “بيترال”.

شبكة استثمارات ضخمة

لم يكن خالد -وهو من الأقلية العربية في إندونيسيا- شخصية عامة إذ كان يتجنب الظهور في المناسبات الكبرى، لكن ثروته نمت بشكل مطرد. قدرت مجلة “غلوب آسيا” ثروته في 2016 بنحو 460 مليون دولار. استثمر في مجالات متعددة، بينها مزارع نخيل الزيت والعقارات. من بين استثماراته الأخرى، امتلاكه حصة كبيرة في شركة الطيران الاقتصادي ” إيرآسيا إندونيسيا” (PT AirAsia Indonesia)، وفق بيانات رسمية.

اقرأ المزيد: إندونيسيا تعتزم بناء مصفاة نفط بطاقة مليون برميل يومياً

كما اتسعت روابطه السياسية بمرور الوقت، إذ كان يستقبل سياسيين في مكتبه بحي الأعمال في جاكرتا، وفق ما ذكره أشخصا كانوا على اتصال به في السابق. أسهم في تمويل المحاولة الأولى الفاشلة لبرابوو للترشح للرئاسة في 2014، بحسب أشخاص كانون معاونين له في السابق، لكنه في الحملة الانتخابية الثانية بعد 5 سنوات دعم حزباً مسانداً لمنافس برابوو والفائز في النهاية، جوكو ويدودو.

رغم ذلك، فإن صعوده استند إلى اعتماد إندونيسيا الكبير على واردات الوقود. رغم أنها ما زالت تنتج كميات غير قليلة من النفط الخام، فإنها تفتقر منذ زمن طويل إلى سعة التكرير اللازمة لتلبية الطلب المحلي لأكثر من 280 مليون نسمة على البنزين والديزل ومنتجات أخرى.

لكن برابوو جعل من تقليص هذا الاعتماد أولوية خاصة، إذ يسعى لجذب استثمارات في عمليات التكرير داخل البلاد، وفي الأجل الأقرب لتقليل الاعتماد الكبير على سنغافورة – حيث كان خالد يدير أعماله المربحة من مكتب متواضع.

قال وزير الطاقة باهليل لهاداليا خلال مؤتمر في مايو الماضي: “نحن نستورد الوقود من بلد لا ينتجه أصلاً. وهذا أمر يدعو للسخرية”.

وجرى بالفعل استبدال بعض تلك الواردات بصفقات شراء من دول أخرى، بينها الولايات المتحدة الأميركية، التي وقعت معها إندونيسيا اتفاقاً تجارياً الشهر الماضي.

اقرأ أيضاً: “مبادلة للطاقة” تكتشف بئر غاز في إندونيسيا بطاقة 100 مليون قدم مكعب يومياً 

في نهاية المطاف، فإن الدفع المتجدد نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة جعل خالد على خلاف مع أهداف الحكومة. قال المحلل السياسي كيفن أورورك إن هذا التغيير جعل “أكبر طرف مؤثر في القطاع حرفياً” يبدو أقل حصانة، تماماً في اللحظة التي سعت فيها الحكومة الجديدة إلى إثبات حضورها.

أضاف أورورك، رئيس شركة “ريفورماسي إنفورميشن سيرفيسز” (Reformasi Information Services) للاستشارات ومقرها جاكرتا: “قطاع النفط كان مستقراً أكثر من اللازم، ولم يكن نشطاً مثل النيكل ونخيل الزيت. لم يعد هو الطرف الوحيد المؤثر على الساحة بعد الآن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *