اخر الاخبار

طموحات الهند في الصناعة تصطدم بتعريفات ترمب المرتفعة

خصصت “فريدا غروب” (Farida Group)، أكبر شركة لصنع الأحذية في الهند، بالفعل قطعة أرض بمساحة 150 فدان في ولاية تاميل نادو جنوبي البلاد لتشييد منشأة تصدير جديدة ضخمة. ثم جاءت الضربة من واشنطن؛ أعلن الرئيس دونالد ترمب مضاعفة الرسوم الجمركية على الصادرات الهندية إلى 50%.

كان الأثر على “فريدا” فورياً، فهي تورد إلى علامات تجارية مثل “كول هان” و”كلاركس”، وتعتمد على الولايات المتحدة في نحو 60% من نشاطها. توقفت الطلبيات الجديدة، وعُلق المشروع الذي تبلغ كلفته 10 مليارات روبية (114 مليون دولار).

قال رفيق أحمد، رئيس مجلس إدارة الشركة، في مقابلة: “مع فرض رسوم جمركية بنسبة 25%، بالإمكان مواصلة العمل، يمكن تقديم خصم ما، والتفاوض مع المستوردين، وإجراء بعض التعديلات على الأرباح. أما عند نسبة 50%، لا يوجد ما يمكن فعله”.

اقرأ أيضاً: محللون: رسوم ترمب بنسبة 50% قد تخفض نمو الهند 1%

رسوم ترمب تعصف بالصناعة في الهند

الوضع لا ينطبق على “فريدا” وحدها، فقرار ترمب يفرض على الهند أعلى نسبة رسوم جمركية في آسيا، ما يهدد القطاع الصناعي الذي أمضى رئيس الوزراء ناريندرا مودي عقداً في محاولة بنائه وتطويره لمنافسة دول مثل الصين.

وكان المفترض أن تؤدي حملة “صنع في الهند” إلى رفع مساهمة التصنيع في الاقتصاد إلى 25%، لكنها بلغت 13% فقط في العام الماضي، أي أقل من نسبة 16% المسجلة في 2015، بحسب بيانات البنك الدولي.

ظهرت خلال الأعوام القليلة الماضية دلائل مبشرة على المستقبل الذي تصوره مودي، فزادت “أبل” عمليات تجميع “أيفون” في الهند، لتصبح ثاني أكبر دولة منتجة للهاتف الذكي في العالم بعد الصين. وعزز قطاعا الأدوية والتكنولوجيا الخضراء مكانتهما أيضاً. 

تُعد الولايات المتحدة، التي أسهمت سياساتها وإجراءاتها في تسريع وتيرة تبني الشركات استراتيجية “الصين + 1” (China Plus One) لتنويع سلاسل الإمداد، حالياً أكبر سوق لصادرات الهند في العالم، وإحدى المصادر الرئيسية للاستثمار الأجنبي.

إلا أن هذا التقدم بات عرضةً للخطر فجأة؛ فرفع الرسوم الجمركية، رغم استثناء الهواتف الذكية والأدوية في الفترة الحالية، يهدد بقية صادرات الهند إلى الولايات المتحدة التي تبلغ قيمتها 87 مليار دولار. 

قال أحمد: “دعك من (الصين + 1) الآن، باتت الشركات تفكر في (الهند + 1)، وتخطط للخروج من الهند”.

لم ترد وزارة التجارة والصناعة الهندية مباشرةً على طلب التعليق.

ما تأثير الرسوم الجمركية على صادرات الهند؟

قال ترمب إن رفع الرسوم الجمركية بمثابة عقوبة على الهند لشرائها النفط مخفض السعر من روسيا، وأشار إلى أن ذلك يساعد في تمويل الحرب التي يشنها الرئيس فلاديمير بوتين على أوكرانيا. لكن الهند هي الاقتصاد الكبير الوحيد الذي فُرضت عليه هذه “التعريفات الجمركية الثانوية”، رغم أن الصين هي المشتري الأكبر للنفط الروسي في المجمل.

اقرأ أيضاً: مودي يتحدى ترمب مع تصاعد الضغوط على واردات الهند من النفط الروسي

تشير تقديرات “بلومبرغ إيكونوميكس” إلى أنه في حالة استمر تطبيق الرسوم الجمركية بنسبة 50%، قد تنخفض صادرات الهند الموجهة إلى الولايات المتحدة 60%، وتتعرض نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي للخطر.

ومن دون إعفاء الأدوية والأجهزة الإلكترونية، فنسبة انخفاض الصادرات قد تصل إلى 80%. بل إن نسبة الرسوم السابقة عند 25%، الأعلى بالفعل من المفروضة على فيتنام أو ماليزيا أو بنغلاديش، كانت كافية للتهديد بانخفاض الصادرات 30%. في المقابل، تفرض الولايات المتحدة رسوماً بنحو 30% على المنتجات الصينية.

الرسوم تحدٍ سياسي أمام مودي

قال ألكسندر سليتر، مدير وحدة الهند في شركة “كيب ستون” (Capestone) للاستشارات: “إضافة إلى التحدي الاقتصادي، يواجه رئيس الوزراء مودي تحدياً سياسياً يتمثل في أن الرسوم الشاملة على الهند أعلى مقارنةً بالصين”.

تضغط الصين على جبهات أخرى أيضاً؛ فتسعى بكين إلى الحد من عمليات نقل التكنولوجيا وصادرات المعدات إلى الهند وجنوب شرق آسيا، بهدف إثناء الشركات عن نقل الإنتاج، بحسب ما كشفته “بلومبرغ” سابقاً. كما أن القيود التي فرضتها الصين على المعادن الأرضية النادرة أثرت على شركات صنع السيارات الهندية في وقت سابق من العام.

في الوقت نفسه، أفسحت رسوم ترمب الجمركية المجال أمام تقارب أكبر في العلاقات بين الهند والصين، فيُحتمل استئناف رحلات الطيران المباشرة اعتباراً من الشهر المقبل، وخففت بكين القيود على صادرات اليوريا المتجهة إلى الهند. كما يناقش الجانبان استئناف التجارة الحدودية للبضائع محلية الصنع بعد توقف استمر لأكثر من خمس سنوات، بحسب ما كشفته “بلومبرغ” الخميس.

رأي “بلومبرغ إيكونوميكس”

“توقعنا في سيناريو عدم التوصل إلى اتفاق تجاري أن يتراجع النمو المحتمل للناتج المحلي الإجمالي في المدى الطويل بما يصل إلى 1.5 نقطة مئوية، مقارنةً بتوقعاتنا المتفائلة عند 9% بحلول 2030. ويُرجح أن يكون التأثير ناتجاً عن تراجع المعنويات والاستثمارات، وانخفاض الصادرات، وعرقلة الطموحات الصناعية”، بحسب تشيتنا كومار.

مصدرو الهند يبحثون عن مخرج من مأزق الرسوم

يتجلى القلق من الرسوم الجمركية الأميركية بين عاملي المصانع. فأشار أجاي ساهاي، الرئيس التنفيذي لاتحاد منظمات التصدير الهندية، إلى أن المصدرين قد يشهدون تراجع الطلب 20% في المدى القصير. ويأتي ذلك في أسوأ فترة ممكنة، حيث يجري تقديم طلبيات 2026 في الفترة الحالية، لكن مع فرض رسوم بنسبة 50%، بدأ المستوردون في التراجع.

اقرأ أيضاً: تقارب متزايد بين الصين والهند بعد الرسوم الأميركية

وأضاف: “أتلقى ما بين 80 و90 مكالمة يومياً بشأن هذه المشكلات من المصدرين الذين يبحثون عن حلول أو مخرج من المأزق. من الصعب ممارسة النشاط في ظل هذه الأوضاع الجمركية”.

تخفض بعض المصانع الأسعار للحفاظ على العملاء. وأوضح سودير سيخري، المدير الإداري في شركة “تريند سيترز غروب” (Trend Setters Group) لصنع الملابس، أن السبيل الوحيد للحفاظ على المستوردين يتمثل في تقديم خصومات كبيرة. وتشكل طلبيات الربيع والصيف نحو 65% من إيرادات الشركة التي يديرها.

وفي مومباي، يعكف شاراد كومار ساراف، العضو المنتدب في شركة “تكنوكرافت غروب” (Technocraft Group) المتخصصة في إنتاج السقالات والأقمشة ومنتجات أخرى، على إجراء الحسابات بهدف خفض التكاليف على المستوردين، إذ يوجه نحو ثلث مبيعات الشركة إلى الولايات المتحدة. وقال: “الرسوم الجمركية الإضافية غير مبررة ولا داعي لها، وسيكون لها تأثير سلبي بالغ على تجارتنا”. 

هل هناك فرصة لخفض الرسوم على الهند؟

مع ذلك، لا يزال احتمال التخفيف قائماً؛ إذ يواصل المسؤولون الأميركيون والهنود المفاوضات التجارية، على أمل التوصل إلى الشريحة الأولى من اتفاق تجاري ثنائي بحلول الخريف المقبل، قد يؤدي إلى خفض الرسوم الجمركية.

كما سيجتمع ترمب مع بوتين في ألاسكا اليوم لإجراء محادثات بشأن أوكرانيا، وتحقيق أي تقدم في المفاوضات قد يعزز مبررات خفض الرسوم الجمركية الأميركية المرتبطة بالنفط.

اقرأ أيضاً: التصعيد بين أميركا والهند.. من الرسوم إلى تحالفات مع الخصوم

لكن الوقت ليس في صالح الهند؛ فكلما طالت حالة الضبابية، ستشرع الشركات في البحث في دول أخرى.

الضبابية تسود الشركات في الهند

قال بي سينتيل كومار، الشريك في “فيكتور كونسلتينغ غروب” (Vector Consulting Group)، إن حصة الهند في عديد من فئات هذه المنتجات صغيرة، وبوسع العلامات التجارية الأميركية تحويل سلاسل إمداداتها بسرعة إذا قررت ذلك.

تشعر “فريدا غروب” بأن خطر الرسوم الجمركية يمسها بشكل خاص، فمصانعها للأحذية يعمل بها 23,000 شخص، ويُخصص نصف إنتاجها للولايات المتحدة. كل شحنة تُعلق أو طلبية تُلغى تجلب معها خيارات صعبة تتراوح بين وقف الإنتاج أو خفضه، أو تسريح العاملين الذين أمضوا سنوات في صقل مهاراتهم.

قال أحمد: “لا يمكن اتخاذ قرارات العمل في ظل حالة الضبابية هذه. ماذا سيحدث للعاملين؟ هل أعيدهم إلى منازلهم؟ يعملون معي منذ سنوات. هم عمال مهرة. لا يمكنني أن أتخلى عنهم بهذا الشكل”. واختتم: “سيكون العمال من بين الأشد تضرراً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *