مؤشرات وول ستريت تصطدم بحائط التضخم

توقفت موجة الصعود القوية للأسهم الأميركية مع ارتفاع التضخم الذي دفع عوائد السندات والدولار للارتفاع، في وقت قلّص فيه المتعاملون رهاناتهم على خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة الشهر المقبل.
وبعد صعود بنسبة 30% من أدنى مستوياته في أبريل، تحرك مؤشر “إس آند بي 500” بشكل طفيف، وسط مكاسب في أسهم كبرى شركات التكنولوجيا، بينما تراجعت أكثر من 350 سهماً في المؤشر. وقفز سهم “إنتل” بعدما تردد أن الحكومة الأميركية تبحث شراء حصة في الشركة، في حين أصدرت “أبلايد ماتيريالز” توقعات سلبية بعد إغلاق السوق.
ارتفعت عوائد سندات العامين 6 نقاط أساس إلى 3.73%. ورغم أن أسواق المال ما زالت تتوقع خفضاً لا يقل عن نصف نقطة مئوية لأسعار الفائدة في 2025، فإن احتمالات الخفض في سبتمبر تراجعت إلى نحو 85%. كما ارتفع الدولار أمام جميع عملات الاقتصادات المتقدمة.
تسارع التضخم بأسعار الجملة
تسارع التضخم في أسعار الجملة الأميركية في يوليو بأكبر وتيرة منذ ثلاث سنوات، ما يشير إلى أن الشركات تمرر جزءاً من تكاليف الاستيراد المرتفعة المرتبطة بالرسوم الجمركية. وارتفع مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 0.9% عن الشهر السابق و3.3% عن العام الماضي، فيما قفزت تكاليف الخدمات 1.1% الشهر الماضي.
ورغم أن بيانات أسعار المستهلكين هذا الأسبوع أشارت إلى انتقال أقل حدة للتكاليف في يوليو، ومع تباطؤ سوق العمل، يتوقع على نطاق واسع أن يخفض الفيدرالي الفائدة الشهر المقبل. لكن بيانات التضخم القوية قد تدفع بعض المسؤولين للتريث.
كريس زاكاريلي من “نورثلايت أسيت مانجمنت” قال إن قفزة مؤشر أسعار المنتجين تظهر أن التضخم يتغلغل في الاقتصاد حتى وإن لم يشعر به المستهلكون بعد، مضيفاً: “بالنظر إلى أرقام مؤشر أسعار المستهلكين المعتدلة الثلاثاء، فهذا مفاجئ وغير مرحب به على الإطلاق”.
أما كلارك جيرانن من “كالباي إنفستمنتس” فقال إن قوة مؤشر أسعار المنتجين مقارنة بمؤشر أسعار المستهلكين تعني أن الشركات تتحمل معظم تكاليف الرسوم بدلاً من تمريرها للمستهلك. ومع ارتفاع تكاليف المدخلات، فإن ذلك قد يؤثر على أرباح الشركات في الربعين الثالث والرابع، بحسب فؤاد رزاق زاده من “سيتي إندكس” و”فوركس دوت كوم”. لكنه أضاف أن التأثير السلبي محدود حالياً.
تأثير محتمل على قرار الفائدة
رزاق زاده أشار إلى أن الفيدرالي قد يتجاوز هذه الزيادة باعتبارها لمرة واحدة، وأن مخاوفه بشأن سوق العمل قد تجعله أكثر استعداداً لاستئناف الخفض في سبتمبر. واعتبرت جينا بولفين من “بولفين ويلث مانجمنت” أن القفزة في أسعار المنتجين تعكس ضغوط تكاليف مستمرة، بعضها ناتج عن الرسوم، لكن اتجاه التضخم الأساسي لا يزال تحت السيطرة.
وقالت: “هذا تذكير بأن طريق خفض الفائدة لن يكون خطياً، لكن الاتجاه الأوسع نحو تراجع التضخم ما زال قائماً. لا داعي للذعر، بل حان الوقت للتركيز على الأساسيات والحفاظ على التنويع والبحث عن الشركات ذات القوة التسعيرية والهوامش الصحية”.
أما كريس لاركن من “إي تريد” التابعة لـ”مورغان ستانلي” فقال إن البيانات “لا تغلق الباب أمام خفض الفائدة في سبتمبر، لكنها تقلص الاحتمال قليلاً مقارنة بما كان عليه قبل يومين”.
إيان لينغن من “بي إم أو كابيتال ماركتس” رأى أن الأرقام أضعفت التوقعات لخفض بمقدار 50 نقطة أساس، وقدمت ذخيرة للمتشددين المشككين حتى في خفض بمقدار 25 نقطة أساس الشهر المقبل.
وتوقع تييري ويزمان من “ماكواري غروب” أن يقدم الفيدرالي خفضاً “متشدداً” وليس “متساهلاً” في سبتمبر، إذا لم تطرأ تغييرات جوهرية على البيانات أو الأسواق. أما يوجينيو أليمان من “رايموند جيمس” فقال إن الأثر الكامل للرسوم سيظهر في بيانات الشهر المقبل، ما يعقّد قرار سبتمبر، حيث يظل خفض بـ25 نقطة أساس مرجحاً، لكن خفض 50 نقطة أساس “أصبح على الأرجح خارج الحسابات”.
مواقف رسمية متباينة
وزير الخزانة سكوت بيسنت قال إنه لا يدعو إلى سلسلة من التخفيضات، بل يشير فقط إلى أن النماذج تقترح أن “المعدل المحايد” أقل بنحو 1.5 نقطة مئوية. وأوضح في مقابلة مع “فوكس بيزنس”: “لم أقل للفيدرالي ما عليه فعله”، في إشارة إلى تصريحاته السابقة حول إمكانية بدء سلسلة تخفيضات.
رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس ألبرتو موساليم، قال لشبكة “سي إن بي سي” إنه من المبكر بالنسبة له اتخاذ قرار بشأن خفض الفائدة في اجتماع الشهر المقبل، فيما أشار نظيره في ريتشموند توم باركين، إلى مؤشرات على تحسن أوضاع المستهلكين في يوليو بعد ضعف في وقت سابق من العام.
ومن الآن، يستعد المحللون والمستثمرون لمتابعة تقرير مبيعات التجزئة الجمعة ومؤشر رئيسي لثقة المستهلكين، بحثاً عن دلائل على شعور الأسر الأميركية حيال الاقتصاد.