رغم شعبيته العالمية: لماذا يواجه “الرجل المحترق” أزمة مالية؟

لو قابلتم أحد روّاد مهرجان “الرجل المشتعل” (Burning Man)، فغالباً سيسهب بشرح أمور مثل قوائم الاستعدادات التي تكاد تضاهي الخطط العسكرية دقةً، ومستوى التنوير الذي ستبلغونه حين تغمركم الحرية، ثم سيخبركم بأنه لا استخدام للمال في بلاك روك سيتي بولاية نيفادا.
إن هذا المهرجان السنوي يحظر تماماً أي شكل من التجارة، ما يعني أن نحو 80 ألف مشارك يعتمدون لتسعة أيام في أواخر أغسطس على ما جلبوه من مؤن وعلى تبادل عطايا فيما بينهم. هناك قد تجد أخطبوطاً معدنياً ينفث اللهب بطول طابقين، أو هيكل طائرة تحوّل إلى ناد صاخب، لكن باستثناء مواقع محدودة يُسمح فيها بشراء الثلج لحفظ الطعام من حرارة الصحراء، ليس هنالك أي تعاملات مالية.
لكن المال يبقى شريان حياة لا يمكن لمؤسسة “مشروع الرجل المشتعل” (Burning Man Project) غير الربحية، المشرفة على تنظيم المهرجان، الاستغناء عنه. وقد تحوّل هذا في الآونة الأخيرة إلى مصدر قلق ملحّ.
في العام الماضي، أنفقت المؤسسة نحو 59 مليون دولار على إقامة المهرجان، لكن التذاكر لم تُبع بالكامل، ما قد يؤدي إلى عجز قدره 20 مليون دولار هذه السنة. آنذاك، خرج القائمون على المهرجان من الصحراء، ليجدوا أنفسهم أمام هاوية مالية. وكتبت الرئيسة التنفيذية ماريان غوديل في سلسلة رسائل نُشرت في الخريف “كل شيء بات على المحك”.
مهرجان يستقطب أثرياء التقنية
بالنسبة لأي مؤسسة تقليدية، مثل هذا الخبر كان ليدفعها نحو البحث عن مصادر تمويل على الفور، خاصة إذا كانت تملك قنوات تواصل مباشرة مع بعض أثرى أثرياء العالم.
مثلاً، لاري بايج وسيرغي برين اختارا إريك شميت كأول رئيس تنفيذي لـ”جوجل”، لعدة أسباب، منها أنه مثلهما كان من قدامى روّاد مهرجان “الرجل المشتعل”. أما داستن موسكوفيتز، فقد دعا مارك زوكربيرغ لحضور المهرجان في عام 2012، قائلاً في منشور عبر “ميديوم”: “رأيت أن التجربة ستجعله ينمو كشخص، ويجعل العالم مكاناً أفضل وأظن أن هذا ما حدث فعلًا”.
أما سام ألتمان فوصف المهرجان بأنه “أجمل ما صنعه الإنسان”، مضيفاً أنه يجسّد ما قد يبدو عليه العالم في حقبة ما بعد الذكاء الاصطناعي العام. كما يُعد كلّ من إيلون ماسك والمليونير جو جيبيا، عضو مجلس إدارة “تسلا” والمشارك في مبادرة “كفاءة الحكومة”، من روّاد المهرجان المخلصين منذ سنوات.
لكن مؤسسة “مشروع الرجل المشتعل”، التي تتمثل رسالتها في “صون قيم المهرجان وتجسيدها”، بما يشمل الاعتماد على الذات، والتعبير الفردي، وعيش اللحظة الحاضرة، مُكبّلة بفلسفتها، التي تحظر أيضاً “التسليع”. فلا يحق لها الاستفادة تجارياً من جمهورها الذي يفوق 1.6 مليون متابع على “إنستغرام”، ولا من الإبداعات التي تُعرض لأول مرة في المهرجان.
كما لا يُسمح لها بقبول الرعاية أو الترويج الإعلاني أو بيع المنتجات التذكارية، ولا تمنح عادة تراخيص لاستخدام علامتها التجارية أو منح امتيازات، وهو مأزق يزداد تعقيداً مع تراجع الحضور، إذ بات كثيرون يفضلون تجنّب الرحلة المكلفة إلى نيفادا، وعرض إبداعاتهم في فعاليات محلية.
اليوم، تنتشر نحو 100 نسخة مناطقية من المهرجان حول العالم، ينظّمها ويشارك فيها معجبون من المكسيك إلى أستراليا. وتحرص المؤسسة الأم على التزام هذه الفعاليات بمعايير السلامة ومبادئ الفلسفة الأصلية، بل وتسمح لها باستخدام الاسم والشعار. لكنها لا تطالب بأي مقابل مالي، رغم أنها تخطف الأضواء من الحدث الرئيسي.
البحث عن المال
تؤمن ماريان غوديل بأن نجاح “الرجل المشتعل” في نشر رسالته لا يتحقق إلا إذا نجح كشركة. وتعبّر عن ذلك قائلة: “لا يمكننا أن نبقى خائفين من المال، أو نعاني نقصاً منه، أو نقلق بشأنه على الدوام”. لكنها في الوقت نفسه حذرت من تحويل الحاجة المالية إلى غاية بحد ذاتها. أضافت: “يصعب عليّ النظر إلى (الرجل المشتعل) كمنتج، بحيث يكون الهدف بيع أكبر قدر ممكن منه”.
هذا الموقف يضع المؤسسة أمام معضلة غريبة، فهي في حاجة ماسة إلى الشيء الذي صُمّمت لتجاهله. واليوم، لا مفر من إيجاد مصادر تمويل، إما عبر خفض التكاليف، أو من خلال طلب الدعم من مجتمع “الرجل المشتعل” نفسه. وحذر رئيس مجلس الإدارة دينيس بارتيلز الذي أدار متحف “إكسبلوراتوريوم” (Exploratorium) في سان فرانسيسكو طيلة عقد، من أن مجرد التفكير في خطوات تجارية لتحقيق التوازن المالي قد يُفقد المهرجان خصوصيته. وقال: “القوى التي تسعى لأن تجعلك نسخة من الآخرين متغلغلة في كل مكان”.
في الواقع، لا يحتاج الأمر سوى شرارة لإثارة غضب الجمهور. فعندما أعادت المؤسسة هذا الربيع نشر مقطع فيديو ترويجي عبر “تيك توك”، ضمن حملة بيع التذاكر، ظهر فيه مشاركون يفتقرون للحشمة يقفزون على الترامبولين ويتصارعون ويتجرعون المشروبات فيما صدحت موسيقى إلكترونية صاخبة، اجتاح الغضب منصة “ريديت”. كتب أحدهم: “ما هذا الشيء؟”، فيما وصف التعليق الأعلى الفيديو بأنه يجسد “التسليع المتطرف”.
أزمات سابقة
صمد مهرجان “الرجل المشتعل” في وجه أزمات عديدة عبر تاريخه. في عام 1997، رفضت الحكومة الأميركية منح المنظمين التصاريح اللازمة، ما اضطرهم لنقل الفعالية مؤقتاً إلى أرض خاصة. وبعد نحو عقد، تحوّل خلاف بين مؤسسي الحدث إلى نزاع قضائي انتهى بانقسام مرير. وفي عام 2017، اندفع أحد المشاركين نحو ألسنة اللهب التي تلتهم المجسم الرمزي للمهرجان، وفارق الحياة متأثراً بحروقه. أما في 2023، اجتاحت أمطار موسمية غزيرة الموقع، تاركة عشرات الآلاف عالقين في مستنقع موحل، وسط تغطية إعلامية لم تخفِ نبرتها المتشفّية.
حتى في غياب الكوارث، يجذب المهرجان أعين الصحافة. ففي أول عام حقق فيه أرباحاً مجزية، تساءلت العناوين عن كيفية “تأقلم” المؤسسين مع المال. لاحقاً، صُوِّر بيع التذاكر بالكامل وظهور السوق السوداء على أنه “فضيحة”. ومع مرور الوقت، تحوّل “الرجل المشتعل” إلى ركيزة ثقافية دائمة، ومصدر لا ينضب للشماتة، فكلما اقترب المنظمون والمشاركون من تجسيد رؤيتهم المستلهمة من المدينة الفاضلة، ازداد استمتاع الآخرين برؤيتهم يتعثرون في غبار الصحراء.
قال ديفيد فيستا الذي ترأس فريق جمع التبرعات في المؤسسة عام 2024: “الأمر الجذاب والمزعج في آن معاً في مجتمع الرجل المشتعل هو الشعور بالتميز… ثمة قناعة راسخة بأننا مميزون، مذهلون، ننقذ العالم”.
أعرب فيستا، الذي غادر المؤسسة في ديسمبر، عن قلقه من أن هذا الإحساس بالتفوّق قد يمنح المجموعة شعوراً زائفاً بأنها معصومة عن الخطأ. وقال: “إذا لم ينجحوا هذا العام، سيصبح الأمر أقرب إلى محاولة أخيرة بعد فوات الأوان”.
تتفق ميرسيدس مارتينيز، العضو في مجلس الإدارة المؤلف من 22 شخصاً، معه في أن الثقة الزائدة قد تفضي إلى ثغرات خطيرة. أضافت: “هناك إحصائية معروفة بشأن من يلقون حتفهم في حوادث تسلّق الجبال، ليسوا المبتدئين، أليس كذلك؟ بل من صعدوا الجبل ست مرات، ثم غفلوا عن تفاصيل صغيرة”.
بداية التنظيم
فوق شركة لسجائر الماريجوانا الإلكترونية وأخرى ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، في الطابق الرابع من مصنع قديم بحي ميشن في سان فرانسيسكو، يقع مقر “مشروع الرجل المشتعل”. داخل المكتب، تغطي ذكريات المهرجان كل زاوية تقريباً، من صور جوية للهلال الشهير الذي يبدو عليه شكل مدينة “بلاك روك” إلى نماذج مصغرة لمنحوتات ومعابد شُيّدت بالحجم الكامل ثم أُحرقت، وخوذة بناء براقة، وقاذف لهب منزلي الصنع يلمع كقطعة فنية.
أول مرة اقترب فيها “الرجل المشتعل” من بيع ما يشبه التذاكر كانت في 1990، عندما اقترح المنظمون حين كان المهرجان في مراحله الابتدائية تبرعات بقيمة 10 دولارات لتغطية التكاليف. قبل ذلك بأربع سنوات، اصطحب لاري هارفي، وهو بستاني متخصص بتصميم المشاهد الطبيعية ويتمتع بكاريزما عالية، مجموعة من أصدقائه إلى أحد شواطئ سان فرانسيسكو، وجروا معهم تمثالاً خشبياً بدائياً أضرموا فيه النار.
مع اتساع قاعدة المشاركين، انتقل الحدث إلى صحراء نيفادا، وحرص المنظمون لسنوات على إبقاء سعر التذكرة منخفضاً، بحيث لا تشكل عائقاً أمام المبدعين، وعشاق سايبربنك والمبتكرين وراقصي النيران والمقرصنين من الجيل القديم والباحثين عن الروحانيات بأساليب معاصرة.
عندما وصلت ماريان غوديل إلى مهرجان “الرجل المشتعل” في 1995، بدايةً كمشاركة يدفعها الفضول، ثم ارتبطت بعلاقة عاطفية مع المؤسس لاري هارفي، كان عدد الحضور قد بلغ نحو 4000 شخص. ومع تحوّل علاقتهما إلى صداقة، بقيت غوديل جزءاً أساسياً من المشروع، وساهمت في تأسيس شركة محدودة المسؤولية لإدارة الشؤون المالية، وأصبحت بعدها واحدة من ستة أشخاص يُنسب إليهم الفضل في إطلاق المهرجان.
انطلاقاً من تخصصها كمديرة مشاريع حاصلة على شهادة دراسات في التصوير الفوتوغرافي، برزت غوديل باعتبارها صوت العقل، فتولّت التعامل مع الصحافة وتهدئة المسؤولين المحليين حين كانت تصرفات زملائها البوهميين تثير حفيظتهم. ومع نمو المهرجان، وتجاوز عدد المشاركين 25000 بحلول عام 2000، أصبحت تلك الاحتكاكات أكثر تكراراً.
في تلك المرحلة، كان ما يعرفه المشاركون باسم “المنظمة” (The Org) تضم نحو عشرة موظفين بدوام كامل، يركزون بشكل أساسي على تأمين الحد الأدنى من مقومات البقاء الجماعي، مثل خدمات النظافة والأمن والامتثال للقوانين المحلية والإتحادية. قالت غوديل: “لم نكن نضع قواعد إلا حين نضطر لذلك”.
تشديد حكومي
حالها كحال كثير من روّاد مهرجان “الرجل المشتعل”، تحمل ماريان غوديل في شخصيتها نزعة تحرّرية، كثيراً ما تعزوها إلى تأثير والدها، وهو “رأسمالي جمهوري” تخرّج من جامعة هارفرد، تنقلت العائلة معه عبر ولايات “حزام الصدأ” أثناء صعوده المهني في صناعة النحاس. لكنها في الوقت نفسه تدرك أهمية الإجراءات التنظيمية، خاصة حين يكون الحدث فوضوياً بطبيعته ويُقام في بيئة صحراوية قاسية.
مع اتساع المهرجان على مدى العقود الماضية، من حيث الحجم والزخم الإعلامي، اضطر المنظمون إلى مواكبة هذا النمو بالنضج المؤسسي. وقد لعبت الرقابة الحكومية دوراً أساسياً في ذلك. إذ تتذكر غوديل أن التصريح الرسمي الذي يسمح للمهرجان بشغل المنطقة الصحراوية، كان في بداياته لا يتجاوز صفحة واحدة، أما اليوم فقد أصبح وثيقة من 174 صفحة.
يُلزم التصريح المؤسسة بتقليل أثر المهرجان على جودة الهواء والمياه، وعلى المواقع الأثرية للسكان الأصليين، وحتى على كثافة بيض نوع مجهري من القشريات يُسمى “القريدس الجني”، والذي يعيش في الغبار ويُشكّل مصدر غذاء للطيور المهاجرة.
كما تولّى المهرجان مع مضي الوقت مسؤوليات إضافية، شملت صيانة معدات ثقيلة لبناء الأعمال الفنية العملاقة، وتوزيع الوقود، والإشراف على مطاره الخاص. لكن هذا التوسّع، لم ترافقه بالضرورة وفورات الحجم، إذ قالت غوديل: “كلما زاد عدد المشاركين، احتجنا إلى مزيد من الأشخاص لإدارتهم”.
في عام 2014، وفي خطوة تهدف إلى ترسيخ رسالة “الرجل المشتعل” ضمن إطار قانوني مستدام، نقل المؤسسون إدارة المهرجان إلى مؤسسة غير ربحية، وعيّنوا غوديل في منصب الرئيسة التنفيذية. وبعد سنوات قضتها خلف الكواليس، أصبحت الوجه الإعلامي للمشروع، لا سيما بعد وفاة لاري هارفي في 2018. ورغم أنها لا تُخفي ضيقها من التعقيدات الإدارية، وتقول صراحةً: “لا أريد أن أدير وكالة حكومية”، إلا أنها وجدت نفسها، على مضض، على رأس مؤسسة أقرب ما تكون إلى ذلك.
اليوم، تضم مؤسسة “الرجل المشتعل” أكثر من 140 موظفاً بدوام كامل، يتوزعون بين سان فرانسيسكو ومواقع قريبة من الفعالية في نيفادا، إضافة إلى نحو ألف عامل موسمي يتولون تشييد بنية بلاك روك سيتي التحتية وتفكيكها، إلى جانب تشغيل المدينة المؤقتة خلال المهرجان.
أما الشخص الذي يراقب الشؤون المالية عن كثب هذه الأيام فهو يوفو باركينن، محاسب فنلندي ترك وظيفته السابقة في شركة برمجيات مدرجة في البورصة، ليتولّى العام الماضي منصب أول مدير مالي في تاريخ “الرجل المشتعل”.
كحال كثيرين في الفريق، يُعد باركينن من روّاد المهرجان المتحمسين، لكنه لا يخفي شعوره بالأسى إزاء تركيزه المستمر على الجوانب المالية. وقال وهو يتأمّل جداول الميزانية: “هذا ممل. هذا عمل احترافي. هذا أقرب إلى وول ستريت. وهذا، بصراحة، لا يشبه (الرجل المشتعل) إطلاقاً”.
خسارة مالية مع كل تذكرة مباعة
لم يستغرق يوفو باركينن وقتاً طويلاً ليكتشف أن المؤسسة غير الربحية تمرّ بأزمة مالية. فلطالما اعتمد “مشروع الرجل المشتعل” على مبيعات التذاكر لتغطية النفقات، وتحديد تركيبة المشاركين. فتباع معظم التذاكر بسعر موحّد (بلغ 575 دولاراً في 2024)، فيما تُخصص نسبة محدودة بسعر مخفّض لمن لا يستطيعون دفع ذلك.
هذا النموذج عملي وفلسفي في آن معاً، إذ تباع 40% من التذاكر لمجموعات سبق أن شاركت في المهرجان، وهي تتولّى إرشاد الوافدين الجدد وتعريفهم بطقوس “الرجل المشتعل” منذ لحظة الوصول، إذ يُطلب من بعضهم مثلاً أن يرسموا “ملائكة الثلج” على غبار الصحراء. حتى في ظل حضور عدد من أصحاب المليارات، يبقى مبدأ “الشمول المتجذر” حجر الأساس في هوية المهرجان.
لكن ارتفاع أسعار التذاكر على مرّ السنين استبعد المشاركين الأقل دخلاً. فبحسب التعداد السنوي الذي يجريه متطوعون خلال المهرجان، تراجعت نسبة المشاركين الذين تقلّ دخولهم السنوية عن 50000 دولار من 47% في 2015 إلى 27% في 2024، فيما ارتفعت نسبة من يتجاوز دخلهم 150000 دولار من 11% إلى 29%.
لاحظ باركينن خلال مراجعته لسجلات المؤسسة الضريبية خلال العقد الماضي، أن نفقاتها ارتفعت بوتيرة تفوق بكثير معدلات التضخم. الموظفون الذين كانوا يتقاضون رواتب متدنية مقارنة بنظرائهم في مؤسسات غير ربحية أخرى، حصلوا على علاوات. كما أن تكاليف استئجار المركبات والمولدات والمعدات الثقيلة تضاعفت تقريباً بين 2019 و2024.
وضع ذلك “مشروع الرجل المشتعل” في مأزق مالي حرج، فقد بات يصعب تنظيم المهرجان من دون إقصاء المشاركين الأقل دخلاً. في المقابل، لم يكن بمقدور المؤسسة زيادة الإيرادات من خلال بيع مزيد من التذاكر، إذ إن مكتب إدارة الأراضي الاتحادي يفرض منذ عام 2019 سقفاً للحضور لا يتجاوز 80000 شخص.
خلص باركينن إلى أن سعر التذكرة الاعتيادي لم يعد يغطي التكلفة الحقيقية للمشاركة. وباتت المؤسسة تخسر المال مع كل تذكرة تُباع.
تراجع في مبيعات التذاكر
على مدى سنوات، تمكّنت المؤسسة من التغطية على أزمتها المالية عبر بيع شريحة من التذاكر بأسعار تصل إلى 2500 دولار، مخصصة لمن يرغبون بضمان مقاعدهم مبكراً وتفادي الزحام الإلكتروني عند فتح باب البيع. وبدءاً من عام 2020، كثّفت أيضاً جهودها لجمع التبرعات من جمهور “الرجل المشتعل” على اختلاف خلفياتهم، في محاولة لسدّ الفجوة المتنامية بين الإيرادات والنفقات.
لكن في عام 2024، انهار هذا التوازن. فللمرة الأولى منذ عقد، لم تُبع جميع التذاكر، وتراجع حجم الفعالية بنسبة 7% مقارنة بالعام السابق. فهل كان السبب الأمطار الموسمية التي أغرقت موقع المهرجان في الأعوام الماضية؟ أم انتشار الفعاليات البديلة؟ أم التراجع الأوسع الذي طال مهرجانات كبرى مثل “كوتشيلا”؟ أم أن الاهتمام بدأ يتلاشى فعلًا؟ قالت غوديل “هناك انطباع بأن الحماسة ربما بدأت تخبو”.
أياً كان السبب، فقد دخلت مؤسسة “مشروع الرجل المشتعل” عام 2024 وهي تتوقع أن تحتاج 10 ملايين دولار من التبرعات، لتجد نفسها أمام عجز مضاعف بلغ 20 مليوناً. ولم يعد أحد على استعداد لدفع مبالغ إضافية لحجز تذكرة مبكراً طالما أن التذاكر ستظل متاحة لاحقاً.
اضطرت المؤسسة إلى اتخاذ إجراءات طارئة، فقلّصت المقاولين وخفّضت عدد الموظفين، ونجحت في خفض التكاليف بنسبة 9% مع نهاية العام. قال باركينن: “اضطررنا اللجوء إلى بعض السحر حتى لا تنفد منّا السيولة… لولا ذلك، لكنا في ورطة حقيقية”. أمكن إنقاذ الموقف مؤقتاً، لكن المؤسسة دخلت عام 2025 بلا أي هامش أمان لمواجهة أزمة جديدة.
في أكتوبر، نشرت غوديل رسالة علنية من نحو ألفي كلمة تحت عنوان “نقطة مفصلية”، عرضت فيها الأزمة المالية التي تعصف بـ”مشروع الرجل المشتعل”، وطرحت رؤية موسّعة للمؤسسة “كقوة عالمية تبغي الخير”. استشهدت بمساهماتها في تمويل جهود الإغاثة، وبمبادرات الاستدامة البيئية على أراضيها في نيفادا وشبكة الفعاليات الإقليمية التي ألهمها المهرجان، ودعت الداعمين إلى المساهمة بتبرع شهري قدره 20 دولاراً. وكتبت: “العالم بحاجة لما نقدّمه الآن أكثر من أي وقت مضى”.
لكن الردود جاءت بمعظمها قاسية. مئات من محبّي “الرجل المشتعل” عبروا عن امتعاضهم، وقلّة منهم فقط ردوا بتعاطف. كتب أحدهم: “على المؤسسة أن تُنهي برامجها الاستقطابية المبالغ فيها ومشاريعها العقارية المشتتة وإدارتها المتضخّمة”. فيما تساءل آخرون إذا ما كانت المؤسسة تقوم بأي عمل أصلاً. وأضاف آخر: “ماريان تجلس في بيت يشتعل، وبدل إخماد الحريق، تطلب مزيداً من الخشب لبناء مخرج”. وعلّق آخر ببساطة: “بصراحة، لسنا بحاجة إليكم”. أما الشعور العام فاختُصر بعبارة واحدة تكرّرت كثيراً: “أقيموا الحفل فحسب!”.
رغم أن بعض التبرعات بدأت تتدفّق، إلا أنها كانت أقل بكثير من المطلوب. فمع نهاية عام 2024، لم تكن المؤسسة قد جمعت سوى 7 ملايين دولار من أصل 20 مليوناً كانت تحتاجها.
انتشار فعاليات مناطقية مشابهة
في هذه الأثناء، بدأ عدد متزايد من المنسحبين يتّجهون إلى فعاليات بديلة لـ”الحرق” في أماكن أخرى. هذه النسخ المناطقية باتت تتراوح في حجمها بين بضع مئات إلى عدة آلاف من المشاركين، وفي السنوات الماضية، تجاوز عدد من “يخوضون تجربة الرجل المشتعل” في الفعاليات البديلة عدد الحاضرين في نيفادا نفسها.
قال ستيفن راسبا، أحد موظفي المؤسسة، إن “مشروع الرجل المشتعل” فكّرت في فرض رسوم ترخيص على هذه الفعاليات، أو تحويلها إلى نموذج امتياز رسمي، لكنها تراجعت عن ذلك في نهاية المطاف، معتبرة أن مثل هذا التوجّه يتعارض مع فلسفتها الأساسية. فهدف “الرجل المشتعل” لم يكن يوماً حماية العلامة التجارية، بل نشر الثقافة.
ويلخّص راسبا هذه الفكرة باقتباس من الفنان سول لوِيت: “الأفكار تنتمي إلى من يفهمها”.
قد يكون مهرجان “فروستبيرن” (Frostburn) أو “قضمة الصقيع” أكثر الفعاليات المناطقية قسوة، إذ يقام خلال عطلة نهاية أسبوع طويلة في فبراير على قمة جبل بولاية فرجينيا الغربية. في مقابلة إذاعية، وصفت ريبيكا (بيكس) روزنبلوم، وهي عالمة في موسيقى الشعوب وأحد منظّمي الفعالية، المهرجان بأنه “أغبى شيء يمكن أن تفعله عن قصد”.
في نسخة هذا العام، منحت تذكرة الدخول البالغ سعرها 65 دولاراً الحضور حق الدخول إلى مرج موحل في نهاية طريق ترابي، حيث انتشرت أكثر من 100 خيمة ومركبة سكنية، في مشهد يشبه معسكر تنقيب متداع. كانت درجة الحرارة واحد تحت الصفر مع أمطار خفيفة، وهو طقس يُعتبر معتدلاً مقارنةً بالسنوات السابقة.
على امتداد ممرات موحلة، أقام المشاركون مخيمات جماعية لتقديم الخدمات والأنشطة الترفيهية. إحدى المجموعات عزلت ثلاث مظلات متنقلة للسيارات، ودفأتها بموقد يعمل بالحطب، وقدم المضيفون داخلها أطباق رامن ساخنة، بينما أدّت مغنية وصلات غنائية في الزاوية بمرافقة ثلاثة عازفي جاز.
واشتكت فئة كانت تنظم مخيماً خصصته للحميمية غير المنضبطة من صعوبة الحفاظ على دفء مراتب الهواء الموضوعة فوق أرضية متجمّدة.
أكد المشاركون أنهم لم يتخلّوا عن قيم مهرجان نيفادا، بل عن تكلفته الباهظة والمبالغة في الاستعراض. ففي “فروستبيرن”، تقلّصت العروض البصرية وقلّ ظهور الأجساد، إذ استُبدلت الملابس الضيقة الشبكية واللاصقات الكريستالية بسترات “كارهارت” وقمصان الفلانيل، لكن في المقابل، برز شعور أعمق بالحضور والانتماء.
إس. تي، مهندس يبلغ من العمر 31 عاماً، قال إن الطقس الشتوي كان تحدّياً حقيقياً بالنسبة له، إذ إن درجات الحرارة ليلاً في مسقط رأسه بجنوب غرب الهند لا تنخفض قط عن 4 درجات مئوية. وهو من هواة ثقافات الهامش، وقد أصبح من الملتزمين بالمهرجانات المناطقية بعد أن تعرّف إليها من زوجين التقاهم في مخيم لا يلتزم مرتادوه بالملابس المألوفة.
أضاف: “يقول كثيرون إن حرياتهم تُنتزع في ظل الرئيس الجديد، لكنني أقول إن ما تملكونه من حرية هنا يفوق بكثير ما يمكن لغيركم تخيّله”.
كارينا بادجيت قلّلت من شأن مهرجان “الرجل المشتعل” الرئيسي في نيفادا. وقالت فيما كانت تدفئ يديها فوق موقد فحم: “انحدر مستواه عندما ظهرت المخيمات الفاخرة الجاهزة”، حتى أنها لم تعد تحصي الفعاليات المناطقية التي حضرتها.
تحت تاج من الفرو مُثبت على خوذة لاكروس، تحدثت عن انتحار زوجها، الجندي السابق في البحرية الأميركية، وكيف وجدت نفسها تربي ابنهما ذي الأربع سنوات بمفردها. وقالت “شعرت وكأن نيزكاً سقط على عائلتنا” مضيفة أن مجتمع “الرجل المشتعل” وفّر لها مساحة تنتمي إليها وسط ذلك الفراغ.
كان هال هوملر ينتظر في الصف في مخيم قريب يقدم شطائر الإفطار. يعمل الرجل الذي بلغ منتصف العمر، في المبيعات لدى “لوز هوم إمبروفمنت”. حضر المهرجان الرئيسي لأول مرة بعد نهاية زواج استمر 25 عاماً، ويقول إن التجربة ساعدته على الانطلاق مجدداً. ومنذ ذلك الحين، بات يفضّل الفعاليات المناطقية، إذ لا تبعد فعالية “فروستبيرن” سوى 120 كيلومتراً عن منزله في بيتسبرغ، ويشارك الآن في نحو ثمانية مهرجانات سنوياً.
هذا الصيف، كان يخطط للعودة إلى بلاك روك سيتي، ولم يبد اعتراضاً على سعر التذكرة، قائلاً إنها توازي ما يدفعه للتخييم في المتنزهات الوطنية. كما لم يعترض على راتب الرئيسة التنفيذية ماريان غوديل الذي بلغ نحو 400000 دولار في 2023، مشيراً إلى أن المدير التنفيذي لشركة “لوز” يتقاضى 20 مليون دولار سنوياً، وقال: “نحن نعيش في عالم رأسمالي”.
الأثرياء لا يتبرعون كفاية
في الواقع، بعض أبرز رموز الرأسمالية هم من روّاد “الرجل المشتعل”، ويمكن لأي منهم أن يحلّ مشاكل غوديل بكتابة شيك واحد. فهي تنادي “سيرغي” و”إيلون” بأسمائهما الأولى، وقد كان عدد قليل من كبار المانحين بمثابة شريان الحياة للمنظمة: إذ إن ثلثي التبرعات التي جمعتها منذ 2014، وقدرها 60 مليون دولار، جاءت من خمسة أشخاص فقط، وفقاً لوثيقة داخلية لجمع التبرعات لم تكشف هوياتهم.
رفض فيستا، المسؤول عن التبرعات، الحديث عن الأسماء، لكنه أقرّ أن “الأثرياء يتعاملون مع المال بطريقة غريبة”. فكثير من المشاركين الأثرياء لا يترددون في إنفاق ملايين الدولارات على مركبات ذات محركات نفاثة يجوبون بها في الصحراء، أو على مخيمات مترامية الأطراف يترأسون فيها أجواء الاحتفال. لكن حماستهم تفتر حين يتعلق الأمر بتمويل المنافع العامة، مثل 3.2 مليون دولار أنفقتها مؤسسة “مشروع الرجل المشتعل” العام الماضي على دورات المياه المتنقلة.
قالت غوديل إن كبار المانحين كثيراً ما يدعون إلى التقشف خلال فعاليات جمع التبرعات، مضيفة: “غالباً ما ينطلقون من منطق الأعمال، ويطرحون أسئلة صعبة من قبيل: ما الذي خفضتموه؟”. لكنها ترى أن هذا تفكير قاصر، وتضيف: “أفضل طريقة لدعم (الرجل المشتعل) هي نقيض ذلك تماماً، أي أن نُقبل على المشروع ونتساءل: كيف يمكننا الارتقاء به؟”.
(لم يستجب إيلون ماسك وسيرغي برين لطلبات التعليق).
من أبرز المدافعين عن هذا التوجّه عضو مجلس الإدارة فرهاد محيط. خلال مقابلة عبر “زووم”، ظهر مرتدياً قميصاً بنفسجياً مصبوغاً بتقنية “تاي داي”، واستعاد بدهشة شعوره في عام 2005 حين أدرك أنه أنهى “مرحلة الصيد والجمع من حياته”، بعدما بيعت الشركة الأولى التي شارك في تأسيسها، “شوبزيلا” (Shopzilla)، مقابل 564 مليون دولار.
أما مشروعه التالي، “فليباغرام” (Flipagram)، فقد استحوذت عليه شركة “بايت دانس” (ByteDance) في 2017، وهي الشركة التي أطلقت لاحقاً منصة “تيك توك”، مقابل مبلغ لم يُكشف عنه.
محيط يشارك بانتظام في فعاليات “الرجل المشتعل” برفقة زوجته وأطفاله وعائلته الموسعة، ويشرف على بناء بيت شاي مزخرف يقدّم مشروبات منكهة بالهيل وسوربات مثلّجة. ويُعرف بكرمه اللافت، ففي عام 2023، وزّع مخيّمه كيلوغراماً كاملاً من الزعفران الإيراني، وهو أيضاً من كبار المانحين لمشروع “الرجل المشتعل”.
قال إن السعي إلى الكفاءة “أصبح من سمات العالم الأوسع”، لافتاً إلى أن أحد أفراد عائلة ماسك كان عضواً في مجلس إدارة المشروع. (يُشار إلى أن كيمبال ماسك، الشقيق الأصغر لإيلون، ورد اسمه في الملفات الضريبية للمؤسسة، لكن الأخيرة تؤكد أنه، وبناءً على رغبته، لم يُدرج اسمه على موقعها الإلكتروني، ولم يستجب لطلبات تعليق).
ومع ذلك، يرى محيط أن محاولة تطبيق مبدأ الكفاءة على “الرجل المشتعل” أمرٌ مثير للسخرية، وقال بانفعال: “نجرّ كل هذه المعدات إلى وسط صحراء لعينة، نبني واحدة من أكبر المدن في نيفادا، نحتفل لأسبوع، نحرق كل شيء، ننظف أدق ذرة من الغبار، ثم نعود إلى منازلنا. هل هذه كفاءة؟ الكفاءة الحقيقية هي أن تبقى في بيتك!”
طلب مساهمات أكبر من المشاركين الأغنياء
من أجل تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسة، يقترح محيط ما يشبه الضريبة الطوعية على الثروة، إذ يدفع المشاركون العوائد النظرية الذي كانت أصولهم لتحققها لو استُثمرت في سوق الأسهم خلال تواجدهم في مهرجان “الرجل المشتعل”، مع اقتطاع مساهماتهم الفعلية من نفقات أو دعم للحدث.
ولشرح فكرته، أنشأ موقعاً إلكترونياً يحمل اسم “حاسبة المال المتوقف مبدئياً في الرجل المشتعل” (Burning Man Money on Principled Pause Calculator)، يوضّح من خلاله أن شخصاً يملك أصولاً قدرها 100000 دولار وينفق 1000 دولار لحضور المهرجان، لن يُطلب منه أي مبلغ إضافي. لكن مع تزايد الأصفار وارتفاع الثروة إلى 10 مليارات أو حتى 100 مليار دولار، يختلف الوضع، ما يوحي بأنه يفكر في أسماء بعينها. قال: “مليار وثلاثمئة مليون دولار، إلى هذا الحدّ تنمو أموالهم في أسبوع واحد. هذا في أسبوع فقط”.
أضاف أنه في حال تجاوزت الإيرادات الناتجة عن هذا النموذج تكلفة تنظيم الحدث، فإنه على استعداد لقلب المعادلة، أي إلغاء رسوم التذاكر كلياً، وتوزيع الفائض على المشاركين تحت مسمّى “دخل شامل لروّاد الرجل المشتعل”.
وأكد أن أعضاء مجلس الإدارة وقيادة “الرجل المشتعل” متحمسون للفكرة، رغم أنها ما تزال في طور التصوّر النظري. وقد عرضها حتى الآن على ثلاثة فقط من أصحاب الثروات الهائلة، “لا أحد منهم ممن يخطرون في بالك”، وأشار إلى أن أياً منهم لم يرفضها جازماً.
حالياً، تقوم استراتيجية “الرجل المشتعل” من أجل الاستمرار على تغيير في النبرة أكثر من تغيير في النهج. ففي نسخة هذا العام، المقررة في أواخر أغسطس، تواصل المؤسسة بيع التذاكر عبر شرائح متفاوتة الأسعار، في محاولة لرفع متوسط العائد، وتتراوح أسعارها بين 225 و3000 دولار.
لكن الرسالة هذا العام باتت أكثر وضوحاً وحزماً: على من يستطيع تحمّل التكلفة أن يدفع على الأقل متوسط كلفة المشاركة، والتي قُدّرت في عام 2023 بنحو 749 دولاراً. كما أصبحت التذاكر الأغلى تُسوَّق بوضوح كوسيلة لدعم حضور ذوي الدخل المحدود، تحت شعار: “مزيد من الرجل المشتعل لمزيد من الناس”، كما ورد على الموقع الرسمي للمهرجان.
تركيز على الجيل الشاب
في اليوم الذي طُرحت فيه أول شريحة من التذاكر للبيع في فبراير، كانت غوديل تتابع حركة الموقع مباشرة مع ثلاثة من زملائها عبر رسائل “سلاك”. سجلت التذاكر ذات السعر العادي مبيعات جيدة، ومع حلول المساء شعرت بشيء من الارتياح. وقالت: “لم نتجاوز بعد أي عقبة مالية كبرى، لكننا على الأقل قادرون على الاستمرار”.
(بعد أسابيع قليلة، بدأت تواجه مخاوف جديدة، من بينها احتمال أن يعيق الرئيس دونالد ترمب مشاركة الزوار الدوليين في المهرجان، علماً أن نحو 20% من روّاد “الرجل المشتعل” يأتون من خارج الولايات المتحدة).
في ذلك اليوم، كانت غوديل قد أمضت ساعات طويلة في رحلة طيران عبر البلاد، وتستعد لإلقاء كلمة رئيسية في مؤتمر حول المهلوسات، وكان الإرهاق بادياً في صوتها. فالأزمة المالية تمثّل اختباراً حقيقياً لقيادتها، وهي الآن في مطلع الستينيات من عمرها، وتقول إنها بدأت تفكر في مرحلة خلافتها، رغم أن ذلك سيعني للمرة الأولى تسليم دفة القيادة لشخص لم يكن جزءاً من النشأة الأولى.
وعندما سُئلت عن المدة التي تنوي البقاء فيها في منصبها، أجابت بأنها بدأت بالفعل العمل على خطة الانتقال. وأضافت: “سينفد صبري قريباً”.
الآن، ينصب تركيز غوديل على كسب الجيل الجديد. ففي مساء يوم جمعة من ذلك الشهر، استضاف عدد من الموظفين والمتدربين في العشرينات من عمرهم فعالية تعارف في المقر الرئيسي، خُصِّصت لأبناء الجيل زد الراغبين باستكشاف عالم “الرجل المشتعل”. كان المنسق الموسيقي يضع مقطوعات لتشابيل روآن، فيما تجوّلت غوديل بين الحضور بروح مرحة، وقد ثبتت على رأسها قرن يونيكورن لامع.
فيما كانت طائرة درون تحلّق فوقها، أمسكت بالميكروفون لتشكر المنظمين وتُقدّم نفسها. قالت للحضور إنها شاركت في “الرجل المشتعل” لما يقارب نصف عمرها، “وربما قبل أن يولد بعضكم أصلاً”، لكنها أوضحت أن ما يشغل بالها اليوم هو المستقبل. وأضافت “الرجل المشتعل‘ سيتطور، وسيتطوّر معكم أنتم”.
لاحقًا، خُصّصت جلسة أسئلة وأجوبة، تلتها مسابقة معلومات عامة مع جوائز، من بينها تذكرتان مجانيتان لحضور المهرجان. وعندما سأل أحد الحضور: ما الذي يحتاجه (الرجل المشتعل) أكثر من أي شيء آخر؟ وكيف يمكن المساعدة؟ لم تأت غوديل على ذكر كلمة “مال”، وأجابت: “التواصل”.