اخر الاخبار

كيف تتغير الخريطة الفصلية لاستهلاك النفط عالمياً؟

في سوقٍ يُفترض أنها تعرف قواعدها، بدأت إحدى المسلّمات القديمة في التلاشي. لسنوات، كان الشتاء رمزاً لازدهار الطلب النفطي، حين تشتعل المدافئ وتبدأ الطائرات رحلاتها نحو الجنوب. لكن اليوم، يتغير المشهد. والقاعدة الجديدة؟ الصيف يطلب أكثر.

في يوليو 2025، وبينما تتصاعد حرارة الأرض حرفياً وسياسياً، تشهد أسواق النفط حالة فريدة من اللايقين: حرب إسرائيلية-أميركية خاطفة ضد إيران استمرت 12 يوماً، اشتباك دائم في أوكرانيا، وقرارات “أوبك+” التي تبدو وكأنها تسير على خيط مشدود لضبط السوق.

لكن وسط هذه الدوامة، يكاد المحللون يجمعون على أمر واحد: الطلب على النفط، رغم كل شيء، لا يزال صامداً؛ ومستمراً في النمو.

معادلة معكوسة

في مقال نشرته “بلومبرغ”، لفت الكاتب خافيير بلاس إلى أن الطلب في الفصل الثالث بات يتفوق على الرابع؛ خلافاً للمألوف قبل عام 2014. السبب؟ تحولات عميقة في أنماط الاستهلاك، حيث تراجع استخدام النفط والكيروسين في التدفئة، مع صعود الغاز والكهرباء، خصوصاً في أوروبا وأميركا الشمالية.

لكن هذا يختلف من منطقة إلى أخرى في العالم، ففي الوقت الذي أخذت فيه الدول الصناعية تستخدم الغاز والطاقات البديلة لتوليد الطاقة، نرى القصة مختلفة في الشرق الأوسط حيث أن الحرارة التي تلامس 50 درجة مئوية تحوّل مكيفات الهواء إلى آكل نهم للنفط في فصل الصيف. ومع عطلات الصيف التي تُطلق ملايين السيارات والطائرات في نصف الكرة الشمالي، فإن الصيف -لا الشتاء- من يحتضن ذروة الاستهلاك.

وقال محلل الطاقة الأول في “إنرجي إيكونوميست” البريطانية، إحسان الحق، في مقابلة مع “الشرق”: الدول الغربية لم تعد تستخدم النفط والكيروسين كثيراً في تدفئة بيوتها كما كان الحال قبل نحو 20 عاماً.

توقعات “أوبك”

رغم هذا التحول السلوكي، فإن توقعات “أوبك” الشهرية حول نمو الطلب على النفط تشير إلى أن الطلب في الربع الرابع من العام أكثر منه في الربع الثالث، وأكدت المنظمة ذلك في الأرقام التي تنشرها شهرياً. ففي آخر تقرير لها لشهر يوليو، توقعت أوبك أن ينمو الطلب العالمي على النفط في الربع الرابع إلى 107.52 مليون برميل يومياً، مقارنة بـ107.01 مليون برميل يومياً في الربع الثالث. وتستمر توقعات المنظمة حول نمو الطلب في الربع الرابع مقارنة بالثالث كما كانت قبل 2014 ولحد الآن.

لكن هل هذه البيانات تعبّر عن الواقع؟ أم أن تقاليد التوقعات تُثقل على حسّ السوق الجديد؟

جغرافيا المخاطر: من مضيق هرمز إلى منصات تكساس

تواجه السوق حالياً جملة عوامل متشابكة قد تعزز توقعات نمو الطلب على النفط في النصف الثاني من العام الجاري، وأبرزها:

المخاطر الجيوسياسية:
تصاعد مستويات الاضطراب في الشرق الأوسط واحتمالية حدوث تعطيلات في الإمدادات من المناطق الرئيسية المنتجة للنفط غالباً ما يكون المحفز الأول لارتفاع الأسعار، خاصة أن مشكلة النووي الإيراني لم تُحلّ تماماً حتى الآن. وهناك مفاوضات ستبدأ في تركيا الجمعة القادمة بين إيران وثلاث دول أوروبية، هي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، قد تؤدي إلى نتيجة أو لا.

سياسات “أوبك+”:
تؤثر قرارات التحالف المتعلقة بخفض الإنتاج أو زيادته بشكل كبير على إمدادات النفط. وتشير النتائج الحالية إلى أن التحالف سيقوم بالزيادة الخامسة في الإنتاج هذا العام، مما ينهي الخفض الطوعي البالغ 2.2 مليون برميل يومياً في أكتوبر المقبل.

التعافي الاقتصادي:
أدى تطور اقتصادات العالم الكبرى، خصوصاً الصين والولايات المتحدة، إلى عودة الثقة وزيادة النشاط الصناعي. لذلك، يُتوقع أن ينمو الطلب على النفط بشكل معتدل عالمياً.

التحول نحو الطاقة المتجددة:
بينما تشير التوقعات طويلة المدى إلى انخفاض تدريجي في الاعتماد على النفط، فإن الطلب في المدى القصير إلى المتوسط لا يزال قوياً، خاصة في قطاعات النقل والتصنيع. وتتوقع “أوبك”، و”وكالة الطاقة الدولية”، ومؤسسات مالية كبرى، مثل “غولدمان ساكس”، أن يزداد الطلب على “الذهب الأسود” في الربع الرابع من 2025، ما لم تحدث اضطرابات كبيرة أو تباطؤ اقتصادي غير متوقع.

النفط الصخري:
ثم هناك إنتاج النفط الصخري الأميركي. ففي مايو، بحسب “بلومبرغ”، كان قطاع النفط الأميركي يترنّح، إذ اقترب سعر البرميل من 55 دولاراً. وعند تلك الأسعار، كان يُتوقع أن يبدأ الإنتاج الأميركي في الانخفاض تدريجياً في النصف الثاني من العام، مع تراجع أكبر في 2026. غير أن الصراع الإسرائيلي-الأميركي الأخير مع إيران، الذي رفع سعر الخام إلى ذروته عند 78.40 دولار للبرميل، أتاح فرصة غير متوقعة لمنتجي النفط الصخري الأميركي لضمان أسعار جيدة، مما ساعدهم على مواصلة الحفر بمعدلات أعلى مما كان متوقعاً.

ترمب وأسعار النفط:
لا يريد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أسعار نفط تتجاوز 70 دولاراً للبرميل. وفي تغريدة له مؤخراً، قال إن سعر برميل النفط عند 64 دولاراً جيد. وكثيراً ما يربط ترمب سياسته الخارجية بأسعار النفط، إذ لا يزال يعتقد بإمكانية جلوس واشنطن وطهران إلى طاولة التفاوض. لذا، من المستبعد أن يشدد البيت الأبيض العقوبات النفطية على إيران حتى يتضح ما إذا كانت إيران جادة في مفاوضات إنهاء برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *