اخر الاخبار

كيف تعلم أبناءك في عصر الذكاء الاصطناعي؟

يطمح كلّ أب وأم لرؤية أولادهم في أعلى المراتب، فيبذلون الغالي والنفيس من أجل تأمين أفضل فرص تعليمية لهم، على أمل أن تُفتح أمامهم أبواب مستقبل مهني واعد وحياة مستقرة.
لكن في عصر تتسارع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتُسند إليها مهام كانت يوماً حِكراً على أصحاب المهارات العليا، وفي ظلّ التحذيرات المتكررة من قادة التكنولوجيا بشأن زوال ملايين الوظائف، تزداد مخاوف الأهل من أن تذهب استثماراتهم في تعليم أبنائهم أدراج الرياح.

بات هذا الهاجس يؤرّق كثيراً من أولياء الأمور، الساعين لتحصين مستقبل أبنائهم في سوق عمل لم تعد فيه حتى أكثر المهن المرموقة بمنأى عن الخطر.

فملايين الوظائف التقليدية قد تختفي تدريجياً أو تطرأ عليها تحوّلات، فيما تنشأ وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدّمة تواكب واقعاً تقنياً يتبدّل بسرعة. ومؤخراً، حذّر داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة “أنثروبيك” (Anthropic)، من احتمال اختفاء نحو 50% من وظائف المبتدئين في المهن المكتبية خلال خمس سنوات فقط، وهو تحوّل بدأ يلمسه الخريجون الجدد الذين يواجهون صعوبة في إيجاد وظائف تناسب مؤهلاتهم.

تلعب المدارس والمؤسسات التربوية الدور الرئيسي في تهيئة أجيال قادرة على مواكبة متطلبات مهنية تتغير بوتيرة غير مسبوقة، بما يحافظ على العنصر البشري في صدارة مشهد يزداد فيه حضور الآلة.

وبالفعل، بادرت بعض الدول إلى تطوير مناهجها التعليمية في هذا الاتجاه، منها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أدرجت مفاهيم الذكاء الاصطناعي ضمن التعليم المدرسي منذ سن الرابعة.

 والسؤال الذي يفرض نفسه: هل ستعيد المؤسسات التعليمية ابتكار مناهجها وبرامجها لتواكب تحولات سوق العمل المستقبلية، أم تبقى أسيرة نماذج دراسية عفا عليها الزمن؟

1) أي مهارات تحتاجها سوق العمل المستقبلية؟

بحسب تقرير مستقبل الوظائف 2025 الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي، يُتوقّع أن تتغيّر 39% من المهارات الأساسية المطلوبة في سوق العمل بحلول عام 2030، في ظل تسارع التحوّلات التقنية واعتماد الشركات على الذكاء الاصطناعي والرقمنة.

ويشير التقرير إلى أن القدرة على الإبداع والابتكار والتفكير التحليلي والنقدي ستكون من أهم المهارات المطلوبة في عصر الذكاء الاصطناعي.

وفي بيئة عمل تتغير بوتيرة متسارعة، تبرز أيضاً أهمية المرونة والقدرة على التكيّف، إلى جانب التعلّم المستمر كشرط أساسي لمواكبة تطورات التقنية. ولا تقل أهمية المهارات العاطفية والاجتماعية مثل الذكاء العاطفي والتواصل الفعّال والعمل الجماعي، التي تُعدّ ضرورية في بيئات العمل التعاونية التي تجمع بين البشر والآلة.

اقرأ أيضاً: كيف تتوقى أن يسلبك الذكاء الاصطناعي وظيفتك؟

كما يحتفظ تطوير مهارات القيادة والتأثير الاجتماعي بدور محوري في إدارة الفرق وقيادة التحولات التنظيمية. وتبقى المهارات الرقمية في صدارة المشهد، مثل إتقان أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات وأمن المعلومات، التي باتت ركائز لا غنى عنها لأي مسيرة مهنية ناجحة.

فإعداد الطلاب لوظائف المستقبل، بما في ذلك تلك التي لم تُنشأ بعد، يستلزم أنظمة تعليم مرنة تدمج بين التخصصات، انطلاقاً من فهم بأن التقنية لم تعد مجالاً منفصلاً، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مختلف الحقول والمعارف، ومتداخلة بعمق مع القيم والسياقات الإنسانية.

2) لماذا تظهر فجوة متزايدة بين مقاعد الدراسة وسوق العمل؟

لا تزال العديد من المؤسسات التعليمية متمسّكة بنماذج دراسية تقليدية، تركّز على الحفظ والتلقين أكثر من تنمية المهارات العملية والفكر النقدي. هذا الجمود في تحديث المناهج يخلق فجوة متنامية بين ما يتعلّمه الطلاب داخل الفصول الدراسية وما يحتاجه أصحاب العمل في سوق تشهد تحوّلات متسارعة بفعل الرقمنة والذكاء الاصطناعي. ونتيجة لذلك، يتخرّج كثير من الشباب وهم يفتقرون إلى مهارات تساعدهم على التكيف مع بيئات العمل الحديثة، ما يزيد من صعوبة اندماجهم المهني ويعمّق الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.

في هذا الإطار، أشارت بيانات الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلى أن معدّل البطالة بين الحاصلين على شهادات جامعية في الولايات المتحدة من الفئة العمرية بين 22 و27 عاماً ارتفع إلى 5.8% هذا الربيع.

اقرأ أيضاً: الخريجون الجدد في أميركا يواجهون أسوأ سوق عمل منذ سنوات

وفي قطاع التكنولوجيا، تشير بيانات من شركة SignalFire، إلى أن كبرى الشركات في هذا المجال خفّضت تعيين الخريجين الجدد بنسبة 25% خلال عام 2024 مقارنة بالعام الذي سبقه، فيما بلغ هذا التراجع 11% في الشركات الناشئة.

ورغم إدراك كثير من النظم التعليمية حول العالم لأهمية تحديث المناهج بما يواكب متطلبات العصر الرقمي، إلا أن هذا المسار لا يخلو من تحديات معقدة. فالبنية البيروقراطية الثقيلة في قطاع التعليم غالباً ما تبطئ وتيرة الإصلاح، إذ يتطلب تعديل المناهج اعتماد قرارات مركزية وإجراءات مطوّلة للمصادقة والتنفيذ.

إلى ذلك، يواجه المعلمون أنفسهم فجوة معرفية في التعامل مع أحدث التقنيات، حيث يحتاج كثيرون إلى إعادة تأهيل وتدريب مكثف لاكتساب مهارات الذكاء الاصطناعي والتعليم الرقمي. وفي المقابل، لا توفّر معظم الدول ميزانيات كافية لتجهيز المدارس بالبنية التحتية الرقمية المطلوبة، من مختبرات متقدّمة إلى برمجيات تعليمية حديثة.

3) كيف حدّثت بعض الدول مناهجها للتأقلم مع عصر الذكاء الاصطناعي؟

مع تصاعد تأثير الذكاء الاصطناعي على مختلف جوانب الحياة، بدأت دول عدة حول العالم باتخاذ خطوات جادّة لدمجه ضمن مناهج التعليم المدرسي.

فقد أعلنت الإمارات عزمها إدخال الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الدراسية في المدارس الحكومية العام الدراسي المقبل، في إطار مساعيها لتصبح قوة إقليمية في مجال تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

سيتم تطبيق المنهج الجديد خلال العام الدراسي 2025-2026، ويشمل جميع المراحل من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، ويتضمن المقرر الدراسي مفاهيم أساسية وتطبيقات عملية للذكاء الاصطناعي، إلى جانب التوعية الأخلاقية المرتبطة باستخدامه.

وفي الصين، أعلنت لجنة التعليم في بلدية بكين أن مدارس العاصمة الصينية ستوفر ما لا يقل عن 8 ساعات من دروس الذكاء الاصطناعي سنوياً اعتباراً من الفصل الدراسي المقبل، الذي يبدأ في 1 سبتمبر، حيث يمكن للمدارس تقديم هذه الدورات بشكل مستقل أو دمجها في مناهج قائمة مثل تكنولوجيا المعلومات والعلوم.

اقرأ أيضاً: روبوت الدردشة قد يصبح مدرس طفلك المفضل قريباً

فنلندا التي تُعتبر من الدول الرائدة عالمياً في تطوير أنظمة التعليم، بدأت منذ عام 2021 تجربة دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الأساسي عبر برامج طُبّقت في عدد من المدارس، ركّزت على المفاهيم التقنية وتأثيراتها المجتمعية. وأصدرت وزارة التعليم الفنلندية في مارس 2025 توصيات وطنية رسمية لتطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل التعليم، شملت إرشادات قانونية وأخلاقية تضمن استخدامه بشكل آمن وفعّال. كما بادرت مؤسسات تعليمية مثل CCE Finland بإطلاق برامج تطبيقية لدعم المدارس والمعلمين في دمج هذه التقنيات ضمن المناهج.

وفي بعض المدارس في الولايات المتحدة، بدأ الذكاء الاصطناعي يأخذ دور المعلّم. مثلاً، حصلت أكاديمية Unbound على موافقة ولاية أريزونا الأميركية لتطبيق نموذج تعليمي قائم على الذكاء الاصطناعي كبديل للمعلمين البشر.

وبموجب هذا البرنامج، يحصل بموجبه الطلاب على حصة دراسية مدتها ساعتين يومياً، تقدمها لهم أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تعد الدروس التعليمية بناءً على احتياجات كل طالب على حدة.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يصل حقل التدريس.. مدرسة أميركية تعتمد على نموذج لتعليم الطلبة
 وبعد الانتهاء من الحصة الدراسية المركزة، يخصص باقي اليوم للورش العملية التي تشمل موضوعات مثل محو الأمية المالية، وريادة الأعمال، وفن الخطابة العامة.

وفي هذه الورش، لا يوجد معلمون تقليديون، بل مرشدون يتولون قيادة الجلسات ويوجهون الطلاب ويعملون على تطوير المهارات العملية التي تسعى الأكاديمية من خلالها إلى توفير معرفة تتجاوز الدروس التقليدية في الفصول الدراسية.

وسبق للأكاديمية أن اختبرت هذا النموذج في مدارس خاصة، وقالت إن النتائج تظهر زيادة كبيرة في معدلات نجاح الطلاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *