اخر الاخبار

هل يقودنا قانون “العبقرية” الأميركي إلى أزمة مالية جديدة؟

إذا كان من المقرر أن تُذكر هذه الدورة التشريعية للكونغرس الأميركي بشيء، فربما يكون بسبب تسميات قوانينها السيئة. أولاً، كان هناك “مشروع القانون الكبير والجميل”، الذي لم يكن كذلك فعلاً. والآن هناك “قانون العبقرية”، وهو أيضاً لا يرتقي إلى اسمه.

“قانون التوجيه وإرساء الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأميركية”، المعروف اختصاراً بـ”Genius Act” الذي أقره الكونغرس هذا الأسبوع، سيعمل على تنظيم العملات المستقرة وتحويلها فعلياً من أوراق مالية إلى وسيلة دفع. ورغم الحاجة إلى بعض التنظيم، خاصة مع تفكير بعض تجار التجزئة في إصدار عملاتهم المستقرة الخاصة، فإن تعميم هذه العملات لا يبدو خطوة عبقرية.

مخاطر محتملة على النظام المالي

هذا القانون سيُدخل قدراً هائلاً من المخاطر إلى النظام المالي وإلى المستهلكين. ولماذا؟ فالولايات المتحدة تمتلك بالفعل وسيلة دفع تُدعى الدولار؛ وهي تؤدي وظيفتها بشكل جيد إلى حد بعيد.

طوال معظم تاريخ العملات المشفرة، كان من غير الواضح ما هي استخداماتها، باستثناء الدفع مقابل السلع والخدمات في الاقتصاد غير الرسمي. صحيح أن تقنية الترميز (Tokenization) قد تساهم في تسريع وتحسين كفاءة عمليات الدفع، إلا أن المشكلة الكبرى كانت دائماً في التقلبات الحادة: العملات المشفرة لا تمثل مخزوناً مستقراً للقيمة، وبالتالي ليست وسيلة دفع موثوقة. تحاول العملات المستقرة معالجة هذه المشكلة من خلال السعي للحفاظ على ربطها بالدولار. ويمكن تحقيق هذا الربط بعدة طرق، وأكثرها شيوعاً هو استخدام أصول منخفضة المخاطر مثل أذون الخزانة كضمانات.

لكن هذا لا يضمن ربطاً مثالياً بالدولار. فحتى سعر الصرف بين الدولار وعملة “تيذر” (Tether)، وهي العملة الأكثر شيوعاً والمدعومة في الغالب بأذون الخزانة، لا يزال يشهد بعض التقلبات. صحيح أنها أكثر استقراراً من العملات المشفرة غير المحوطة، لكنها ليست مثالية.

لأول مرة.. سوق العملات المشفرة تحطم حاجز 4 تريليونات دولار

تشابه مع بنوك القرن 19

تشبه الجهات المصدرة للعملات المشفرة إلى حد كبير البنوك في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، والتي كانت تصدر عملاتها الخاصة وتنظمها الولايات. وبنفس الروح، ينص “قانون العبقرية” على أن الشركات التي تصدر عملات مستقرة بقيمة تقل عن 10 مليارات دولار ستخضع لتنظيم الولايات، في حين ستخضع الجهات الأكبر لتنظيم “الاحتياطي الفيدرالي”.

لكن الحقبة المالية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر كانت مليئة بالفوضى. فقد كانت الرقابة المستمرة ضرورية، لأن أي تلميح إلى انخفاض قيمة العملة كان يؤدي إلى تدافع على البنوك وانهيارها. وكانت الولايات تعتمد معايير مختلفة، وعدد منها لم يُحسن تنظيم بنوكه المحلية؛ مما أدى إلى فقدان الثقة في النظام المالي.

دانيل موس: عهد “الملك دولار” يبدو آمناً حتى الآن

في ذلك الوقت، لم يكن لدى المستهلكين خيارات، إذ لم تكن هناك عملة ورقية عالمية متاحة على نطاق واسع. أما اليوم، فالأميركيون ببساطة يستخدمون الدولار. ولا يحتاج البائعون للقلق بشأن تقلب قيمته، ولا يحتاج حاملوه للقلق من انهياره. فالبنك المركزي يضمن استقراره. ورغم نوبات التضخم العرضية، فإن “الاحتياطي الفيدرالي” يملك سجلاً قوياً في هذا المجال.

تعميم العملات المستقرة يحمل أيضاً مخاطر على النظام المالي. إذ إن مصدري العملات المستقرة أصبحوا بالفعل أحد مصادر الطلب الرئيسة على أذون الخزانة الأميركية. فقد اشترت “تيذر” أكثر من 33 مليار دولار من هذه الأذون العام الماضي، وهي الآن تملك أكثر مما تملكه ألمانيا من هذه الأذون. وإذا توسعت السوق، فإن بعض البنوك تتوقع أن يُصبح مصدرو العملات المستقرة مشترين أساسيين لتريليونات الدولارات من أذون الخزانة.

وربما يجد المسؤولون في الحكومة هذا الوضع جذاباً، لأنه يساعد في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة. لكن في المقابل، فإنه يضيف خطراً نظامياً. فإذا حدث تدافع على عملة مستقرة كبيرة، سيتعين بيع كل تلك الأذون بسرعة؛ ما قد يؤدي إلى أزمة مالية أو حتى يتطلب خطة إنقاذ.

محدودية الفوائد الاقتصادية للقانون

من المفيد التساؤل عما إذا كانت هناك فوائد حقيقية لـ”قانون العبقرية”. صحيح أنه سيجعل المدفوعات أكثر كفاءة من النظام الحالي الذي يعتمد على البنوك وبطاقات الائتمان والخصم؛ والتي تفرض جميعها رسوماً غير بسيطة. لكن لكي تحقق شركات العملات المستقرة أرباحاً، سيتوجب عليها أيضاً فرض رسوم.

حالياً، تعتمد هذه الشركات في معظم إيراداتها على العوائد من أصولها الاحتياطية. لكن من أجل الامتثال للتنظيم الفعال أو حتى لبناء الثقة، يجب أن تكون هذه الأصول مستقرة السعر (بالنسبة إلى الدولار) وسائلة تماماً. بعبارة أخرى، يجب أن تكون من النوع الذي لا يدرّ عائداً. والطريقة الوحيدة لتحقيق الأرباح مع تغطية تكاليف الامتثال هي فرض رسوم. ومن المرجح أن تكون هذه الرسوم غير أقل بكثير من تلك التي تفرضها شركات بطاقات الائتمان أو البنوك.

هل تتراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي حالياً؟

الصين مستعدة تماماً بانتظار تسونامي الدولارات الرقمية

وهناك أيضاً مخاوف محددة تتعلق بالقانون نفسه: فهناك نقص في التدقيق التنظيمي، ما يجعل الاستخدام غير المشروع ممكناً. كما أن أحكام الإفلاس والتنفيذ غير كافية. وتثار أيضاً مخاوف بشأن تضارب المصالح؛ لا سيما مع الرئيس، الذي تُصدر عائلته عملاتها الخاصة.

لكن السؤال الأكبر هو: لماذا تريد الحكومة تسهيل استخدام العملات المستقرة كوسيلة دفع؟ فإضافة إلى أنها تخلق مخاطر لا داعي لها، فإنها تقوض الدور الحكومي الأساسي في إصدار الدولار. لدى “بنك التسويات الدولية” اقتراح أفضل: للحصول على فوائد العملات المشفرة مع تقليل مخاطرها، ولدمج التكنولوجيا بشكل أفضل في العمل المصرفي المركزي، يكفي ببساطة ترميز الدولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *