اخر الاخبار

كيف تحولت “لابوبو” من دمية مرعبة إلى رمز عالمي للثروة؟

في عالم مليء بالألعاب التقليدية، تمكنت شخصية صغيرة ذات أذنين مدببتين وعينين واسعتين وابتسامة مسننة من إحداث ثورة حقيقية في السوق العالمية للألعاب القابلة للتجميع. “لابوبو” (Labubu) لم تعد مجرد لعبة، بل تحولت إلى رمز ثقافي عالمي يُقدر بمليارات الدولارات، مدفوعة بإستراتيجية تسويقية ذكية واستغلال بارع لعلم النفس الاستهلاكي ووسائل التواصل الاجتماعي.

1) ما هي لعبة لابوبو؟ وكيف ظهرت لأول مرة؟

“لابوبو” هي شخصية خيالية صممها الفنان الهونغ كونغي–البلجيكي كاسينغ لونغ عام 2015، وظهرت أولاً في سلسلة كتب مصورة بعنوان “الوحوش” (The Monsters)، المستوحاة من الحكايات الخرافية الإسكندنافية.

تتميز شخصيات “الوحوش” بمزيج من النور والظلام، وتضم مخلوقات مثل “زيمومو” و”تيكوكو” و”موكوكو” و”سبوكي” و”باتو”. في قلب هذا العالم، برزت “لابوبو” بوصفها الوحش الأيقوني، ما جعل شكلها يثير انقساماً بين من يراها جذابة ومن يعتبرها “قبيحة”.

في عام 2019، تحولت إلى منتج تجاري بعد شراكة مع شركة “بوب مارت” (Pop Mart) الصينية، التي أطلقتها ضمن صناديق المفاجآت (Blind Boxes)، لتنتقل بذلك من عالم الكتب إلى جمهور جامعي الألعاب. وتصفها “بوب مارت” بأنها طيبة القلب رغم مظهرها المشاغب، وقد أصبحت اليوم رمزاً ثقافياً وتجارياً عالمياً.

2) كيف تحولت لابوبو من فشل ذريع إلى إيرادات قياسية؟

ظهرت دمية “لابوبو” قبل نحو عقد، لكن شعبيتها لم تتحقق إلا بعد سنوات. فبعد توقيع “بوب مارت” اتفاقاً لتصنيع وبيع مجسمات الشخصية عام 2019، لم تحقق مبيعات تُذكر، وصفت تقارير عدة حينها أداء “لابوبو” بـ”النجاح المتواضع”. نقطة التحول جاءت في 2023 حين طرحت الشركة نسخاً محشوة منها على شكل ميداليات مفاتيح، لتنتشر سريعاً على حقائب المشاهير وتغزو منصات التواصل الاجتماعي.

اعتمدت “بوب مارت” على نموذج تسويقي ذكي يعتمد على الصناديق المفاجآت، حيث لا يعرف المشتري أي دمية سيحصل عليها، ما أضفى بُعداً من التشويق والمقامرة البسيطة، وحول الشراء إلى تجربة حظ. هذا التحول انعكس بوضوح على أداء الشركة؛ إذ بلغت إيراداتها في 2024 نحو 13.04 مليار يوان (1.81 مليار دولار)، وقفز صافي الربح بنسبة 185.9% ليصل إلى 3.4 مليار يوان.

وسجلت سلسلة “الوحوش” التي تضم لابوبو وحدها 3.04 مليار يوان من المبيعات، ما يعادل 23% من إجمالي الإيرادات، بنمو سنوي تجاوز 726%. كما نمت فئة الدمى المحشوة بأكثر من 1,200%. ومع توفرها الآن في أكثر من 30 دولة، تحولت “لابوبو” إلى “منجم ذهب” عالمي.

3) هل هذا هو السر الحقيقي الوحيد وراء نجاح لابوبو؟

لا، حيث يرجع صعود “لابوبو” الصاروخي أيضاً إلى مجموعة مترابطة من العوامل الاقتصادية والسلوكية، أبرزها تأثير المشاهير ووسائل التواصل. فقد بدأت شرارة الانتشار في 2024 عندما ظهرت الدمية في يد نجمة البوب الكورية ليسا على “إنستغرام”، لتتوالى بعدها صورها مع مشاهير عالميين مثل ريهانا وكيم كارداشيان. وعلى منصة “تيك توك”، تجاوز عدد مقاطع “فتح صناديق لابوبو” 1.4 مليون فيديو، ما عزز شعبيتها عالمياً دون أي حملات دعائية تقليدية. يرى خبراء أن ارتباط التصميم الغريب بالشخصيات المؤثرة عزز الإحساس بالحصرية، وحولها من مجرد لعبة إلى رمز للأنقاة والثروة، مما غير من المفهوم التشويقي الذي تقوم عليه وزاد من جاذبية المنتج.

اقرأ أيضاً: هوس دمية “لابوبو” يصل إلى بنوك الصين.. وتحرك رسمي من بكين

في المقابل، انتهجت “بوب مارت” استراتيجية “الندرة المدروسة” عبر إطلاق إصدارات محدودة من “لابوبو” لتنفد القطع خلال ثوانٍ. هذه الندرة عززت الشعور بـ”فقدان الفرصة” ودفع المستهلكين للشراء السريع، فيما سجلت نسخ نادرة أسعاراً خيالية في سوق إعادة البيع وصلت إلى 150 ألف دولار في أحد المزادات، مما حول الدمية من مجرد موضة عابرة إلى مقتنى استثماري.

عنصر آخر مهم كان بيع الدمية عبر صناديق المفاجآت، ما أضفى التشويق على تجربة الشراء. فعدم معرفة المشترين بمحتوى الصندوق حفز الفضول وكرر عمليات الشراء للحصول على النسخ المفضلة، فيما عززت مقاطع “فتح الصناديق” هذا الزخم على الإنترنت.

وأخيراً، لم يعد جمهور “لابوبو” مقتصراً على الأطفال، بل شمل البالغين، خاصة النساء الشابات، الباحثات عن متعة التجميع والتعبير الشخصي، ما يعني اتساع قاعدة العملاء وتكريس مكانة “لابوبو” كرمز استهلاكي عاطفي وثقافي معاصر.

4) كيف اخترقت لابوبو العالم العربي عبر المؤثرين؟

في غضون أشهر قليلة، تحولت “لابوبو” من لعبة آسيوية محدودة الانتشار إلى رمز للموضة في العالم العربي. فرغم ظهورها الأول في الصين عام 2019، بدأت شهرتها عربياً في ربيع 2025، تزامناً مع إطلاق سلسلة “بيغ إنتو إنرجي” (Big Into Energy).

وأظهرت بيانات “جوجل ترندز” (Google Trends) تصاعد الاهتمام بالدمية في الإمارات والسعودية خلال أبريل ومايو، ما شكل نقطة انطلاق حقيقية، إذ انتقلت عدوى الهوس بـ”لابوبو” بسرعة إلى ثقافة المستهلك العربي، خاصة بين جيل الشباب المولع بالترندات الجديدة.

لعب المؤثرون والمشاهير العرب دوراً كبيراً في انتشارها عبر مقاطع “تيك توك” و”إنستغرام” تستعرض فتح صناديق “لابوبو” واستخدامها كإكسسوارات فاخرة، ما عزز جاذبيتها كرمز للأناقة. وكانت خبيرة التجميل هدى قطان من أبرز من روج لها، حيث شاركت متابعيها بفيديوهات تعرض تعليقها للدمية. كذلك ساهم الفنان المصري أحمد سعد بمقطع على “إنستغرام” جذب تفاعلاً كبيراً، كما استعرض مؤثرون أخرون مثل بسنت شوقي وإنجي الأنجباوي مجموعاتهم الشخصية.

هذا الزخم الرقمي انعكس على المبيعات، إذ نفدت الكميات من متاجر الإمارات، واضطرت متاجر “ذا ليتل ثينجز” (The Little Things) لتطبيق حد شراء بسبب الإقبال الكبير. بالتوازي، انتشرت نسخ مقلدة مثل “لافوفو”، ما دفع “بوب مارت” إلى تحذير العملاء.

اقرأ أيضاً: بيع دمية “لابوبو” مقابل 150 ألف دولار في الصين وسط جنون الطلب

وسم #Labubu حقق ملايين المشاهدات عبر “تيك توك” و”إنستغرام”، مع توثيق لحظات الشراء والعرض والتجميع. حتى أن مجتمعات إلكترونية خليجية تشكلت لتبادل الدمى وتوثيق تجارب الشراء. وهكذا، تحولت “لابوبو” من لعبة غريبة إلى موضة جماهيرية خلال أسابيع.

5) هل يمكن تكرار نجاح لابوبو مع ألعاب أخرى؟

نجاح “لابوبو” ليس استثناءً، بل جزء من موجة عالمية في سوق الألعاب القابلة للتجميع، يقودها جيل يبحث عن التميز والندرة. ومع انتشار منصات التواصل الاجتماعي وسرعة انتشار الترندات، وظهور شركات تبتكر شخصيات وتسوقها بذكاء، أصبحت السوق مهيأة لتكرار هذه الظواهر.

هناك أمثلة عديدة جسدت مثل هذا النجاح من قبل، مثل دمية “بيربريك” (Bearbrick) من شركة “ميديكوم” (MediCom) اليابانية، التي تحولت منذ 2001 إلى أيقونة فنية، وبيعت إحدى نسخها بمبلغ 157 ألف دولار. كذلك، دمية “سوني آنجل” (Sonny Angel) اليابانية الصغيرة، التي تُباع داخل صناديق مغلقة لإضفاء روح الإثارة أيضاً.

أما “مولي” (Molly)، التي أطلقتها “بوب مارت” عام 2016، فكانت الانطلاقة الكبرى للشركة نحو جمهور الجامعين، ومهدت الطريق لنجاح “لابوبو”، وأسهمت مع شخصيات أخرى مثل “باكي” و”سكول باندا” في بلوغ إيرادات الشركة 1.8 مليار دولار في 2024.

ويشير “بيزنس ريسيرش إنسايتس” (Business Research Insights) إلى أن السوق العالمية للألعاب القابلة للتجميع قُدرت بـ16.68 مليار دولار في 2024، ويُتوقع بلوغها 40.3 مليار دولار بحلول 2032.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *