اخر الاخبار

تهديد ترمب بفرض رسوم على كندا يربك استراتيجية كارني لتجنب التصعيد

لا يبدو أن أياً من محاولات كندا نفعت حتى الآن في تحصينها من تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

فما كاد يمرّ أسبوع على استئناف ترمب ورئيس الوزراء مارك كارني المحادثات التجارية التي تسعى كندا من خلالها إلى التوصل إلى اتفاق بحلول 21 يوليو، حتى أطلق الرئيس الأميركي هجوماً جديداً ضد واحدة من أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، مهدداً بفرض رسوم جمركية بنسبة 35%.

كرر ترمب في الرسالة تذمره المعتاد من القيود على استيراد منتجات الألبان الأميركية وتدفق الفنتانيل عبر الحدود، والعجز في الميزان التجاري الأميركي، الذي يغذّيه أصلاً إلى حد كبير اعتماد المصافي الأميركية على النفط الكندي. وقد أدى منشوره على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تراجع فوري في قيمة الدولار الكندي، ما يعكس صدمة الأسواق من هذا التصعيد المفاجئ.

مسار متعثر نحو التوصل لاتفاق

رسالة ترمب عمّقت المأزق السياسي الذي يواجهه مارك كارني: فكيف يردّ على تهديدات الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية من دون تعريض اقتصاد بلاده شديد الارتباط بالسوق الأميركية للخطر؟

سلفه جاستن ترودو جرّب مساري الاسترضاء والمواجهة. فقد خصصت حكومته إنفاقاً ضخماً لتعزيز قدرات حرس الحدود وتجهيزاتهم التقنية، في محاولة لمعالجة هواجس ترمب بشأن الهجرة غير النظامية وتدفّق الفنتانيل. لكن الرئيس الأميركي مضى قدماً في فرض الرسوم، فردّ ترودو قبيل مغادرته منصبه في منتصف مارس، بفرض ضرائب استيراد بنسبة 25% على سلع أميركية تقدر قيمتها بعشرات مليارات الدولارات، من الصلب والألمنيوم وأدوات الصيد إلى البستنة ومستحضرات التجميل.

أما كارني، فتبنّى نهجاً أكثر تصالحية، متجنباً الرد على بعض الرسوم الأميركية على الصلب والألمنيوم، ومقدّماً إعفاءات من الرسوم التي فرضها ترودو. لكن الآمال بتحقيق اختراق سرعان ما تبخّرت في أواخر يونيو، عندما أنهى ترمب المفاوضات احتجاجاً على ضريبة كندية مرتقبة على الخدمات الرقمية كانت ستطال شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.

تراجعت كندا عن الضريبة الرقمية بعد يومين فقط، لكن أجواء التهدئة لم تدم طويلاً.

فبعد أشهر من المفاوضات، لم يُفلح لا نهج رئيس الوزراء السابق ولا الحالي في تجنيب كندا المصير نفسه الذي تواجهه دول مثل اليابان وكمبوديا وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا، وغيرها من البلدان التي تتهددها الرسوم الجمركية الأميركية.

وقال كارل شاماتا، كبير استراتيجيي السوق في شركة “كورباي” (Corpay Inc)، في اتصال هاتفي “كان هناك أمل بوجود ضوء في نهاية النفق، لكن تبيّن للأسف أن ذلك الضوء هو قطار قادم”. وأضاف “يبدو أن المفاوضات بين ترمب وكندا، وغيرها من الدول، لم يكن لها أي تأثير يذكر في مجرى الأحداث”.

من جانبه، تعامل مارك كارني مع رسالة ترمب كأنها مجرد موعد جديد. وكتب في منشور على منصة “إكس” مساء الخميس “طوال فترة المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، دافعت الحكومة الكندية بثبات عن عمّالنا وشركاتنا. وسنواصل ذلك قبل الوصول إلى المهلة الجديدة المحددة في الأول من أغسطس”.

قال شموتا إن خطوة ترمب تضيف مزيداً من الضغط على الاقتصاد الكندي، وتُعمّق حالة الترقب والقلق.

وأضاف “إنها بمثابة جرس إنذار لكل من كان يعتقد أن انتخاب كارني سيؤدي تلقائياً إلى فتح أبواب الأسواق الأميركية، فالأمر ليس بهذه البساطة”.

ديناميات سياسية

كان كارني، الذي لم تمر سوى بضعة أيام على إجازته القصيرة التي يمضيها داخل كندا، يواجه أصلاً ضغوطاً متزايدة للوفاء بوعده الانتخابي بالتصدي لترمب، وفي الوقت نفسه محاولة التوصل إلى اتفاق مع رئيس متقلب اشترت بلاده نحو 75% من صادرات كندا العام الماضي.

وقال أوليفر لافيل، كبير استراتيجيي الاقتصاد الكلي في شركة “ثييل ماكرو” (Thiel Macro) “في أبريل، كانت الديناميات السياسية شديدة التعقيد، فقد فاز كارني بالانتخابات مستنداً إلى خطاب يرى في تصعيد الرسوم الجمركية عاملاً يوحّد الصفوف”.

اقرأ أيضاً: صادرات كندا إلى الولايات المتحدة تتقلص تحت وطأة الرسوم الجمركية

أما رئيس وزراء مقاطعة كولومبيا البريطانية، ديفيد إيبي، فردّ بلهجة حادّة على تهديدات ترمب، قائلاً في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي “هذه الرسالة متخبطة ومليئة بالمغالطات”، مضيفاً “هناك شتائم أخرى تخطر على البال لوصفها”.

من جهته، دعا مكتب رئيس وزراء أونتاريو، دوغ فورد، الحكومة الفيدرالية في بيان إلى “العمل على مدار الساعة” للتوصل إلى اتفاق ينهي الرسوم الجمركية كافة.

ويمثّل مقترح ترمب فرض رسوم بنسبة 35% تصعيداً جديداً مقارنة بالرسوم السابقة البالغة 25%، والتي كانت تُفرض على السلع غير المتوافقة مع اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA).

ونقلت “بلومبرغ” عن مسؤول أميركي أن السلع المتوافقة مع اتفاق التجارة ستبقى معفاة من الرسوم الجديدة البالغة 35%، لكن الوضع لا يزال متقلباً وقد يطرأ عليه تغيير.

البحث عن شركاء تجاريين جدد

أظهرت بيانات التجارة الأميركية أن 58% من الواردات الكندية في مايو كانت متوافقة مع الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وفقاً لراندال بارتليت، نائب كبير الاقتصاديين في مجموعة “ديجاردان” (Desjardins). وأوضح أن الشركات عزّزت التزامها بالاتفاق في المراحل الأولى من الحرب التجارية، لكن وتيرة الامتثال تباطأت لاحقاً. ومع ذلك، قد تؤدي خطوة ترمب الأخيرة إلى إعادة تسريع هذا المسار.

من جانبه، أشار لافيل إلى أن تجنّب نسبة كبيرة من السلع الكندية للرسوم الجديدة البالغة 35% قد يدفع كارني إلى الامتناع عن التصعيد وفرض رسوم مضادة. وقال “ما لم تتفاقم الأمور بشكل كبير، فإن معدل الرسوم الفعلي سيبقى محدوداً، أو على الأقل أقلّ مما قد يتصوّره البعض في البداية”.

اتفق بارتليت وشموتا على أن تهديد ترمب الأخير يعزّز احتمالات أن يقدم بنك كندا على خفض سعر الفائدة، رغم أن فرض كندا لرسوم انتقامية محتملة قد يزيد المشهد تعقيداً.

من جانبها، اعتبرت هيذر إكسنر-بيرو، الزميلة الأولى في “معهد ماكدونالد-لورير”، أن هذا التطوّر “يعزّز عزيمة كندا على إيجاد شركاء تجاريين جدد”. وأضافت “لدينا فائض في الغذاء والطاقة والمعادن الحيوية، ونحن شريك تجاري موثوق لا يفرض شروطاً سياسية. وعلينا أن نستفيد من خياراتنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *