مؤشرات وول ستريت تتجاهل مخاوف الرسوم وتقترب من مستويات قياسية

دعمت موجة صعود قوية لأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، انتعاشاً واسعاً في الأسواق الأميركية، حيث وصلت قيمة شركة “إنفيديا” إلى 4 تريليونات دولار لفترة وجيزة.
ارتفعت سندات الخزانة الأميركية بعد مزاد ناجح بقيمة 39 مليار دولار، في حين هبط الريال البرازيلي بشدة بعد إعلان الرئيس دونالد ترمب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات القادمة من البرازيل، في واحدة من أعلى المعدلات التي يفرضها ضمن الحزمة الجديدة المقرر تنفيذها في أغسطس.
وأرسل المستثمرون مؤشر “إس آند بي 500” إلى مسافة بضع نقاط فقط من مستواه القياسي، متجاهلين المخاوف المرتبطة بالتصعيد التجاري. ووفقاً لمؤشر “الخوف والطمع” التابع لشبكة “سي إن إن”، فإن الأسواق باتت الآن في حالة “طمع شديد”، في إشارة إلى قوة الزخم الصعودي.
وارتفع مؤشر أسهم الشركات العملاقة بنسبة 1.1%، مع تمديد “إنفيديا” مكاسبها منذ بداية العام إلى أكثر من 20%. وفي إشارة أخرى إلى شهية المخاطرة، تجاوزت “بتكوين” عتبة 112 ألف دولار للمرة الأولى.
موجة رسوم جديدة ومخاوف التضخم
أصدر ترمب جولة جديدة من رسائل المطالب الجمركية يوم الأربعاء، جاء فيها أن البرازيل ستواجه أحد أعلى معدلات الرسوم حتى الآن. وأشار ترمب في خطابه إلى معاملة الرئيس السابق جاير بولسونارو، مطالباً السلطات بإسقاط التهم الموجهة إليه في قضية محاولة انقلاب مزعومة.
وقال مارك هاكيت من شركة “ناشونوايد”: “الأسواق دخلت في فترة هدوء رغم سيل العناوين المتعلقة بالتجارة”، مضيفاً أن “ردة فعل السوق تجاه صعود وهبوط أخبار الرسوم أصبحت باهتة، والمحفز التالي سيكون موسم الأرباح، والذي قد يشهد بعض التقلب بالنظر إلى الارتفاع الكبير منذ أبريل وتوقعات المستثمرين المرتفعة، والحاجة المحتملة لفترة من التماسك”.
وفي سوق السندات، توقفت موجة بيع دامت خمسة أيام، مع تراجع عوائد السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 6 نقاط أساس إلى 4.34%. وجذب بيع سندات بقيمة 39 مليار دولار عائداً بلغ 4.362%، أي أقل قليلاً من مستويات ما قبل المزاد، ما يشير إلى أن الطلب فاق التوقعات. ويُنتظر طرح سندات لأجل 30 عاماً بقيمة 22 مليار دولار يوم الخميس.
خلاف داخل الفيدرالي حول أثر الرسوم
أظهرت محاضر الاجتماع الأخير للجنة السوق المفتوحة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي (17-18 يونيو) وجود انقسام بين المسؤولين حول مسار أسعار الفائدة، مدفوعاً باختلاف وجهات النظر حول تأثير الرسوم الجمركية على التضخم.
وجاء في المحضر: “بينما أشار بعض المشاركين إلى أن الرسوم ستؤدي إلى ارتفاع واحد في الأسعار من دون تأثير طويل الأمد على التوقعات التضخمية، رأى معظم المشاركين أن هناك خطراً من تأثيرات أكثر استدامة على التضخم”.
ورغم أن هذه المخاوف ساهمت في تأخير قرار خفض الفائدة، فإن كريس زاكاريلي من “نورثلايت أسيت مانجمنت” يرى أن ذلك لا يُغيّر ديناميكيات السوق الصاعدة.
وقال: “معظم المستثمرين يعتقدون أن الاقتصاد قوي والأرباح ستبقى صامدة، وهم متحمسون لشراء الأسهم. لكننا نرى أن الحذر ضروري، لأننا لم نشهد بعد الأثر الكامل للرسوم على أرباح الشركات وإنفاق المستهلك، نظراً لتأجيل تنفيذ العديد منها”.
مؤشرات على شهية مخاطرة متزايدة
بحسب مارك هاكيت من “ناشونوايد”، فإن عودة مؤشر “إس آند بي 500” إلى تقييمات الذروة الدورية تشير إلى شهية قوية للمخاطرة، وقد يكون هذا مرتبطاً بتفسير إيجابي للبيانات الأخيرة. وأضاف أن المؤشر استعاد بعض الزخم الفني بدعم من قيادة قوية في قطاعات الصناعة والمال والتكنولوجيا.
وقال: “صعود إنفيديا اليوم، لتصبح أول شركة تتجاوز عتبة 4 تريليونات دولار، هو أحدث مثال على هذا الزخم”.
وجاء ارتفاع سهم “إنفيديا” بعد تعافٍ مذهل من بداية صعبة للعام، حين أثارت مخاوف من تباطؤ الإنفاق، مدفوعة بمنافسة شركة “ديب سيك” الصينية وحرب ترمب التجارية، ضغوطاً على شهية المخاطرة.
ومنذ بداية 2023، ارتفع السهم بأكثر من 1,000%، وتستحوذ الشركة حالياً على نحو 7.5% من الوزن الكلي لمؤشر “إس آند بي 500″، وهي من أعلى النسب المسجلة على الإطلاق.
ووفقاً لاستراتيجيي “بيسبوك إنفستمنت غروب”، فإن الشركات العملاقة تاريخياً تميل إلى مواصلة صعودها بعد تجاوز عتبات تريليونية معينة من القيمة السوقية.
عودة الأموال السريعة وتفاؤل مؤسساتي
بدأ مستثمرو الأموال السريعة بالعودة تدريجياً إلى سوق الأسهم الأميركية بعد تفويتهم للموجة الصعودية، ما يعزز الآراء بأن الأسهم قد تواصل ارتفاعها إلى مستويات غير مسبوقة.
ويُظهر مقياس لبنك “بي إن بي باريبا” لمراكز المستثمرين، بما في ذلك مستشاري التداول على السلع وصناديق استهداف التقلب وصناديق التحوط، ارتفاعاً متواصلاً في مراكز الأسهم، ليقترب من المستوى المحايد.
ويأتي ذلك بعد موجة صعود استمرت عدة أشهر دفعت “إس آند بي 500” من حافة السوق الهابطة إلى قمم جديدة. ووفقاً للبنك، كانت آخر مرة ركزت فيها المؤسسات على الأسهم بهذا القدر، في خضم انتعاش حاد في عام 2023.
وقال كريغ جونسون من “بايبر ساندلر”: “نعتقد أن التوجهات العامة للأسهم تبقى صعودية، حتى مع عودة القلق بشأن الحرب التجارية. ورغم أن الأسهم قد تواجه بعض الضغوط في الأمد القصير، فإن المستثمرين أصبحوا أكثر لا مبالاة تجاه أخبار الرسوم، وبدأوا يركّزون على خطوط الاتجاه”.
وبدورها، رفعت مجموعة “غولدمان ساكس” هذا الأسبوع توقعاتها للأسهم الأميركية، مستندة إلى القوة المتواصلة في أكبر الشركات الأميركية كأحد العوامل التي تدفع السوق إلى المزيد من الارتفاع.
وقال أنطوني ساغليمبيني من “أميريبرايز”: “إذا سار السيناريو كما هو متوقع، واستقرت النشاطات الاقتصادية، واستمرت الأرباح، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، وظلت المفاجآت السلبية ضمن حدود محتملة، فإن السوق أمام فرصة للصعود حتى نهاية العام”.
لكنه حذر في الوقت نفسه من أن “مخاطر خيبة الأمل باتت مرتفعة الآن، خصوصاً بعدما رأينا مدى سرعة تغيّر السرد الاستثماري العام نتيجة سيل الإعلانات الصادرة من البيت الأبيض”.