“بريكس” تُبقي مشروع المدفوعات العابرة للحدود قيد البحث

لم تتمكن دول مجموعة “بريكس” مرة أخرى، من تحقيق تقدم كبير في نظام المدفوعات عبر الحدود للتجارة والاستثمار، الذي تناقشه منذ عقد من الزمن.
وفي بيان صدر مع انطلاق اجتماعهم في البرازيل يوم الأحد، تعهّد القادة بإجراء محادثات إضافية بشأن إمكانية تعزيز التكامل التجاري للكتلة التي تضم 10 دول.
وجاء في البيان: “نُكلّف وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، حسب الاقتضاء، بمواصلة النقاش بشأن مبادرة المدفوعات العابرة للحدود لمجموعة بريكس”. ومن المقرر عرض استطلاع أعده البنك المركزي البرازيلي خلال قمة ريو دي جانيرو التي تستمر يومين.
ورغم طموحات المجموعة، إلا أن التقدم كان بطيئاً، في وقت تتغير فيه تيارات التجارة العالمية بسرعة، لدرجة قد تجعل اللحاق بها أمراً مستحيلاً.
قد يكون عدم التوصل لاتفاق بمثابة “فرصة ضائعة”، إذ يتعرض الدولار الأميركي لضغوط متواصلة بسبب سياسات الرئيس دونالد ترمب المتقلبة.
شهد الدولار أسوأ بداية عام له منذ 1973، نتيجة الحرب التجارية التي أطلقها ترمب وهجماته على تردد مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، مما هزّ الأسواق وأثار الشكوك حول تفوّق الأصول الأميركية، ودفع المستثمرين للبحث عن بدائل. وقد شكّل ذلك فرصة للأسواق الناشئة، يُتوقع أن تستمر في الاستفادة منها.
ورغم دعم جميع الأعضاء لفكرة المدفوعات العابرة للحدود، التي ورد ذكرها لأول مرة في بيان قمة عام 2015، إلا أن الجوانب الفنية للاندماج تبقى معقدة.
وقال ثلاثة أشخاص مطلعين على المناقشات إن أنظمة البنوك المركزية في بعض الدول لم تُصبح جاهزة بعد. وأوضحوا أن تكييف هذه الأنظمة سيستغرق وقتاً، وأنه من غير المرجح حدوث ذلك قريباً.
عوائق أمام تنفيذ المقترح
تشمل المناقشات آليات الدفع، وأنواع العملات المستخدمة، وكيفية تنفيذ البنية التحتية وتقاسم التكاليف. وأعرب شخصان عن وجود مخاوف أمنية بشأن الأنظمة المدمجة، وأشارا إلى أن التوسّع الأخير في مجموعة “بريكس” تسبب أيضاً في تأخير العملية.
وقال أحد الأشخاص إن واقع كون عدة عملات في الكتلة غير قابلة للتحويل، ووجود عقوبات على دول أعضاء مثل إيران وروسيا، يعقّد الأمور أكثر. وذكر شخص آخر أن بعض الدول قد تجادل بأن التكلفة المرتبطة بإنشاء نظام موحد وصيانته لا تُبرّر، نظراً لما لديها بالفعل من ترتيبات تجارية ثنائية. وقد طلب جميع الأشخاص عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لخصوصية المحادثات.
من جهتها، استغلّت الصين الارتباك الأميركي لإطلاق حملة واسعة النطاق تهدف إلى تعزيز الدور العالمي لليوان. وفي خطاب ألقاه الشهر الماضي، عرض محافظ البنك المركزي الصيني بان غونغ شنغ رؤية لأسواق مالية أكثر انفتاحاً، مع لعب اليوان دوراً محورياً في تدفقات رؤوس الأموال العالمية.
وتعمل بكين على استكشاف إطلاق أول عقود آجلة للعملة المحلية، والتي قد تنافس أدوات التحوّط المماثلة في الأسواق الخارجية مثل سنغافورة وشيكاغو، كما توسع نظام المدفوعات الخاص بها، المعروف باسم “CIPS”، ليشمل المزيد من البنوك الأجنبية.
ردّ فعل ترمب
جدّد قادة “بريكس” تأكيد التزامهم بتوسيع نطاف التمويل بالعملات المحلية، وتنويع مصادر التمويل، وتعزيز التعاون التجاري من أجل دعم النمو الشامل والتنمية المستدامة.
وتُظهر وثيقة حصلت عليها “بلومبرغ” وتستعرض آخر مستجدات تفكير المجموعة، أن النقاشات حول منصة استثمارية جديدة تُعرف باسم “NIP” لا تزال متعثرة.
وتُعد هذه المنصة بمثابة محاولة لسد فجوة في تمويل التنمية، من خلال توفير مرونة أكبر، وتقليص الاعتماد على التمويل بالعملات الصعبة.
لكن الوثيقة أشارت إلى أن “تنوع المقاربات والمقترحات المطروحة، والطبيعة المعقدة للقضايا ذات الصلة، تتطلب إجراء حوار تقني إضافي من أجل تعزيز الفهم المشترك للقيمة المضافة المحتملة للمنصة وإطارها التشغيلي”.
تلويح أميركي برسوم جمركية
هدّد الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول “بريكس” في حال قررت التخلي عن الدولار في تجارتها الثنائية. وقد أدى هذا التهديد إلى تنامي الاهتمام بتطوير أنظمة دفع محلية وأدوات أخرى لتسهيل التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء.
غير أن فكرة التخلي عن الدولار وإنشاء عملة موحدة للكتلة ليست مطروحة على الطاولة، بحسب ما أفاد به عدة مسؤولين. وقال ثلاثة أشخاص إن رد فعل الرئيس الأميركي لم يعرقل محادثات “بريكس” حول الأنظمة المتكاملة.
وقالت تاتيانا روسيتو، سكرتيرة العلاقات الدولية في وزارة المالية البرازيلية، في مقابلة: “إحدى وسائل التقارب بين الدول تتمثل في خفض تكاليف التمويل للعمليات التجارية. ومن الوسائل لتحقيق ذلك هو استخدام المزيد من العملات المحلية”.
وأضافت: “تقول البنوك إنه اعتماداً على توقيت تنفيذ العملية، قد تكون هناك حاجة لاستخدام معدل تحويل اليوان إلى الدولار. لكن الهدف النهائي هو ألا نحتاج لذلك”.
وتابعت: “إذا وُجدت سوق سائلة، فستحصل على سعر صرف مباشر بين الريال واليوان، أو الريال والروبية، أو الريال والراند”، وأضافت: “لكن هذا سيتوقف على توفر كتلة ضخمة، وحجم كبير من التجارة والاستثمار”.
معدلات فائدة مرتفعة
أشار بيان “بريكس” أيضاً إلى التحديات الإضافية الناجمة عن “تقلبات السياسات النقدية والمالية في بعض الاقتصادات المتقدمة” بالنسبة للدول التي تواجه بالفعل مستويات مرتفعة من الدين.
وجاء في البيان أن “ارتفاع أسعار الفائدة وتشديد شروط التمويل يفاقمان مواطن الضعف المرتبطة بالديون في العديد من الدول”.
وتجري الكتلة أيضاً محادثات بشأن إنشاء مبادرة متعددة الأطراف للضمانات الائتمانية، تركز على تحسين “الجدارة الائتمانية في دول بريكس والجنوب العالمي”.
وستُحتضن المبادرة، التي تُعرف باسم “BMG”، داخل بنك التنمية الجديد، ومن المقرر أن تنطلق من دون مساهمات رأسمالية إضافية، وفقاً لما جاء في البيان.