طفرة إنتاج النحاس في الصين مهددة مع تراجع رسوم المعالجة عالمياً

أصبح التوسّع المتواصل بطاقة معالجة النحاس في الصين خلال السنوات القليلة الماضية مصدر قلق عالمي، في وقت تتسابق فيه المصاهر حول العالم لتأمين الخامات اللازمة لإنتاج هذا المعدن الصناعي الحيوي.
قفز الإنتاج في أكبر دولة مصنّعة للنحاس المكرّر إلى مستوى قياسي هذا العام، رغم تصاعد الحروب التجارية التي تُعكّر آفاق الطلب. هذه المنافسة المتزايدة منحت شركات التعدين الكبرى في العالم قوة تفاوضية أكبر.
فقد تراجعت رسوم معالجة النحاس، التي تُعد عادةً مصدراً رئيسياً لإيرادات المصاهر، إلى ما دون الصفر في السوق الفورية. واقترحت شركة التعدين التشيلية “أنتوفاغاستا” (Antofagasta Plc) رسوماً سلبية على الإمدادات المتعاقد عليها مع المصاهر للنصف الثاني من العام.
يُغذّي هذا الوضع المتوتّر لدى المصاهر في جميع أنحاء العالم، توقعات باتّجاهها إلى تقليص الإنتاج، إذ أغلقت شركة “غلينكور” (Glencore Plc) منشأة في الفلبين في فبراير الماضي. كما تحوّل تركيز السوق إلى صمود إنتاج الصين بشكل مفاجئ، ما يطرح تساؤلات حول مدى إمكانية استمراره.
إنتاج الصين أكثر مقاومة للضغوط المالية
يقول محلّلون ومسؤولون تنفيذيون في القطاع إن إنتاج الصين أكثر مقاومة للضغوط المالية، لأن الشركات المملوكة للدولة بات تهيمن عليه اليوم، إلى جانب مصاهر كبيرة وفعّالة ومنخفضة التكاليف نسبياً. فقد جرى افتتاح ثلاثة مصانع رئيسية جديدة العام الماضي، ما عوّض بالكامل الأثر السلبي على العمليات الأصغر حجماً.
لكن في المقابل، لا تزال هناك شريحة كبيرة من السوق الصينية تتكوّن من مصاهر صغيرة مملوكة للقطاع الخاص، وهي أكثر تعرّضاً لتقلّص السوق الفورية. وتقدّر مجموعة “سي آر يو” (CRU)، أن هذه المصاهر تُشكّل نحو ربع إنتاج الصين.
وقال كريغ لانغ، المحلّل الرئيسي لدى الشركة: “حتى لو كنت تملك قدرات مالية هائلة ومستعداً للعمل بخسائر، فإنك في نهاية المطاف قد تضطر إلى خفض الإنتاج ببساطة لأنك لن تتمكّن من تأمين مركزات النحاس”.
مخاطر كبيرة لصناعة صهر النحاس عالمياً
الرهانات كبيرة بالنسبة لصناعة صهر النحاس على مستوى العالم. فمع مواجهة جميع المنشآت ذات التكاليف المرتفعة لخسائر، فإن كلّ طن من الإنتاج الصيني يواصل مقاومة الضغوط المالية، يعني مزيداً من الألم للمصاهر في مناطق أخرى.
وقد تراجعت رسوم معالجة المركزات إلى مستويات سلبية في ديسمبر، وبلغت سالب 60 دولاراً للطن الشهر الماضي. ويتم خصم هذه الرسوم من تكلفة المركزات، وهي تمثّل عادةً جزءاً كبيراً من إيرادات المصاهر. واليوم باتت العقود طويلة الأجل مهدّدة أيضاً بالانزلاق إلى المنطقة السلبية، ما يعني أن المصاهر تدفع عملياً أكثر من قيمة النحاس المستخلص من الخامات.
في فبراير، حين كانت الرسوم أعلى من مستواها الآن، قال غاري نايغل، الرئيس التنفيذي لشركة “غلينكور”، إنه لن يُبقي منشآت النحاس الخاسرة مفتوحة. وأوقفت الشركة مصهراً في الفلبين، وتعمل حالياً على خفض التكاليف في منشآت بكندا.
وأشار غرانت سبور، المحلّل لدى “بلومبرغ إنتليجنس” إلى أن المصاهر الأوروبية الأقدم قد تكون معرّضة للخطر، بينما قد تحظى المصاهر اليابانية بحماية نسبية بفضل ملكية شركاتها الأم لحصص في مناجم تشيلية. وأضاف: “المعركة من أجل البقاء ستكون صعبة للغاية”.
تدهور متسارع في التوقعات
صحيح أن انهيار الرسوم يعود جزئياً إلى تباطؤ نسبي في نمو الإنتاج المنجمي على مستوى العالم، لكن المحرّك الرئيسي هو الزيادة السريعة في طاقة الصهر. إذ يُتوقّع أن يرتفع إنتاج النحاس المكرّر في الصين بنسبة 10% خلال النصف الأول من هذا العام، ونحو 5% للعام بأكمله، وفقاً لشركة الأبحاث “شانغهاي ميتالز ماركيت” (Shanghai Metals Market).
ويعتمد الرهان على صمود إنتاج الصين إلى حدّ كبير على الاعتقاد بأن المصانع المملوكة للدولة تحظى بالحماية، لأن الحكومات المحلية ترغب في حماية الوظائف والنمو الاقتصادي.
وقالت شركة “سافانت” (Savant) وهي مشروع مشترك بين “ماريكس غروب” (Marex Group Plc) وشركة التحليل الجغرافي “إيرث آي” (Earth-i)، في مذكرة الشهر الماضي: “هذا نتيجة لنموذج اقتصادي أقل استجابة للظروف السوقية السائدة، إذ يمكن تشغيل المصانع بهوامش ربح ضئيلة للغاية، أو حتى بخسائر، لفترات طويلة”.
مرونة أكبر لقطاعات “صديقة للمستقبل”
رغم أن تقليص الطاقة الإنتاجية الزائدة في الاقتصاد الصيني بات أولوية سياسية متزايدة في بكين مؤخراً، إلا أن قطاعات تُوصف بأنها “صديقة للمستقبل” مثل النحاس، وهو معدن ضروري لعمليات التحوّل إلى الطاقة النظيفة، تُمنح مرونة أكبر مقارنة بقطاعات تُعد في حالة تراجع هيكلي، مثل تكرير النفط.
أما المنتجون خارج الصين فلا يملكون مثل هذا الهامش. فقد شكّل توقّف منجم “كاكولا” للنحاس التابع لشركة “إيفانهو ماينز” (Ivanhoe Mines Ltd) في وسط أفريقيا ضربة لإمدادات الخام، في وقت تُضيف فيه تطورات مثل تسريع عمليات مصهر “مانيار” (Manyar) التابع لشركة “فري بورت ماكموران) (Freeport McMoRan Inc) في إندونيسيا، مزيداً من طاقة الصهر إلى السوق.
وقال يونغتشنغ تشاو، المحلّل لدى “بينشمارك مينيرالز إنتليجنس” (Benchmark Minerals Intelligence Ltd)، إن المصاهر الكبيرة قد تتمكّن من مواصلة الإنتاج في الوقت الراهن، مستفيدة من سنوات سابقة من التدفقات النقدية القوية. لكن المصاهر الأقل كفاءة تبقى معرّضة للخطر.