نيوم تفتح أبوابها: هل تعيد السعودية رسم ملامح السياحة في البحر الأحمر؟

تعيد مدينة نيوم السعودية رسم ملامح السياحة العالمية من قلب الصحراء السعودية، عبر مشاريع فاخرة وطموحة تجمع بين التقنية الحديثة والتصميم المعماري المبتكر. فمن مدينة تروجينا الثلجية إلى جزيرة سندالة البحرية، وواحة ليجا الجبلية، تقدم المملكة تجارب سياحية استثنائية تُنافس الوجهات العالمية.
ورغم أن هذه المشاريع تستهدف الأثرياء في مرحلتها الأولى، إلا أن المملكة تخطط لتوسيع نطاقها لاحقاً ليشمل الطبقة المتوسطة، مما قد يعيد رسم خارطة السياحة الإقليمية.
نستعرض في هذا المحتوى التفسيري أبرز المشاريع ومواعيد بدء استقبالها للزوار والتحديات التي قد تواجه تلك المشروعات.
1) ما أبرز المشاريع السياحية في مدينة “نيوم”؟
تقدم مدينة نيوم مشروعات سياحية متنوعة، أبرزها تروجينا (Trojena)، المعرفة باسم مدينة الثلج في قلب الصحراء.
تقع تروجينا على ارتفاع يتراوح بين 1500 و2600 متر فوق سطح البحر، وتُعد أول منتجع للتزلج في الهواء الطلق في الخليج العربي. تتميز بتضاريس جبلية ومناخ بارد نسبياً، مما يجعلها وجهة فريدة للسياحة الجبلية، ومن المقرر أن تستضيف تروجينا دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029.
وتتضمن ناطحة سحاب كريستالية بارتفاع 330 متراً من تصميم “زها حديد أركيتكتس”، تطل على بحيرة صناعية وتُربط بالمناطق المحيطة عبر “تلفريك”.
وإلى جانب تروجينا، تُعتبر سندالة المشروع الأول الذي افتتحته “نيوم”، وتقع الجزيرة على مساحة 840 ألف متر مربع في البحر الأحمر، وتستهدف عشاق اليخوت والسياحة الفاخرة. صُممت الجزيرة لتشبه فرس البحر، وتضم مرسى لليخوت بسعة 86 رصيفاً، بالإضافة إلى ثلاثة فنادق فاخرة، وملعب غولف، ومجموعة مطاعم راقية.
فيما يقع مشروع “ليجا” في واحة طبيعية بين الأودية والجبال، وتضم ثلاثة فنادق فاخرة تُقدم تجارب سياحية متنوعة، مع الحفاظ على 95% من المساحة كمنطقة طبيعية. الفندق الأول هو فندق المغامرات صممه المعماري كريس فان دوين، ويتميز بتصميم متدرج يُحاكي تضاريس الوادي، وتُشبه واجهته سلّماً طبيعياً يصعد على جدران الجبال. يُدمج الفندق في المنحدرات الصخرية، مما يُوفر تجربةً مثيرة لعشاق التسلق والمغامرات.
والفندق الثاني هو فندق الواحة من تصميم المعماري ماريو كوتشينيلا، ويقع في قلب أكبر واحة في الوادي. يتميز بتصميم رأسي ينبثق من الصخور، مع واجهة تتألف من خمس شفرات تُضفي طابعاً ديناميكياً، ويُوفر مناظر بانورامية.
أما الفندق الثالث فهو فندق العافية صممه المعماري شون كيلا، ويُعد ملاذاً للراحة والاسترخاء. يتميز بواجهة عاكسة تُحاكي البيئة المحيطة، مما يُوفر تجربة غامرة للضيوف. يُركز الفندق على تعزيز الصحة والعافية من خلال تصميمه المتناغم مع الطبيعة.
وهناك أيضاً “أكويليوم”، وهو مشروع فريد يتمثل في مدينة تحت الأرض داخل جبل بارتفاع 450 متراً، مع مدخل عبر ساحة تحت الماء، ويُقدم تجربة معيشية رقمية متكاملة. ويمتد شارع رئيسي عبر ساحة المشروع يربط بين الفنادق الفاخرة، والمطاعم، والمعارض الفنية، ومناطق التسوق، مما يوفر تجربة حضرية متكاملة تحت الأرض. ويعتمد تصميم أكويليوم على أن تكون المدينة جزءاً لا يتجزأ من البيئة الطبيعية، حيث تُدمج في الجبل دون التأثير على المنظر الطبيعي الخارجي.
كما يمزج مشروع تريام بين الصحراء وبحيرة فيروزية، ويُقدم منتجعاً فاخراً مع تجارب استرخاء وسط الطبيعة، صُمّم المنتجع على شكل جسر بطول 450 متراً وارتفاع 36 متراً فوق سطح البحر، يربط بين ضفتي البحيرة، ويضم 250 غرفة فندقية فاخرة. يُتيح هذا التصميم للزوار تجربة فريدة تُشعرهم وكأنهم يطفون فوق المياه.
2) ما المنتجعات التي بدأت استقبال الزوار، وما توقيت انطلاق المشروعات الأخرى؟
افتتحت “نيوم” أولى وجهاتها السياحية، جزيرة سندالة، في أكتوبر 2024، لتكون بوابة السياحة البحرية الفاخرة، مستهدفة استقبال نحو 2400 زائر يومياً بحلول 2028.
أما المشاريع الأخرى، مثل تروجينا، فمن المخطط افتتاحها في 2026، بينما يُتوقع أن تبدأ وجهات مثل ليجا وأكويليوم في استقبال الزوار تدريجياً بين 2025 و2026، وفقاً للجدول الزمني المعلن من “نيوم”. أما مشروع “تريام” فلم يُحدد موعد انطلاقه بعد.
3) من هم الزوار الذين تستهدفهم نيوم بشكل رئيسي؟
تستهدف مشروعات “نيوم” السياحية في مرحلتها الأولى جذب الزوار الأثرياء، خاصة من أوروبا، الصين، والهند، مع تركيز على هواة اليخوت والسياحة الفاخرة. فمثلاً، جزيرة سندالة صُمّمت لتكون وجهة فاخرة لليخوت، وتضم فنادق ومرافق راقية.
مع ذلك، تُشير تصريحات رسمية إلى أن المملكة تسعى لاحقاً لتوسيع نطاق السياحة ليشمل الطبقة المتوسطة، خاصة من الأسواق الناشئة مثل الهند والصين عبر تطوير مرافق وخدمات بأسعار تنافسية، تشمل خيارات إقامة متنوعة تتراوح بين المنتجعات الفاخرة والفنادق الاقتصادية، بالإضافة إلى تنظيم فعاليات عامة لجذب الشرائح المتوسطة.
ومن هذه الفعاليات برامج ثقافية وفنية تشمل إقامة معارض فنية، ومهرجانات موسيقية، وورش عمل تفاعلية، تهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي وجذب الزوار الباحثين عن تجارب ثقافية مميزة.
وأيضاً فعاليات ترفيهية عائلية مثل عروض الأداء المباشر، والأسواق المحلية، والأنشطة الترفيهية في الهواء الطلق، التي تُقام في مناطق مثل “ذا لاين” وتروجينا، وتستهدف العائلات والزوار من مختلف الأعمار.
4) ما التحديات التي تواجه مشروعات “نيوم” السياحية؟
تواجه مشاريع “نيوم” السياحية تحديات معقدة تشمل تضخم التكاليف والتأخير في الإنجاز، إذ تجاوزت ميزانية بعض المشاريع، مثل تروجينا، التقديرات المبدئية بسبب صعوبات هندسية وارتفاع أسعار المواد الخام. كما شهدت جزيرة سندالة تأخيرات تجاوزت ثلاث سنوات عن الموعد الأصلي. إلى جانب ذلك، تبرز المخاوف البيئية المتعلقة بتأثير المشاريع على الحياة البرية والموارد الطبيعية في منطقة البحر الأحمر.
علاوة على ذلك، تعتمد “نيوم” ومشروعاتها على تقنيات ناشئة عديدة لدعم رؤيتها البيئية الطموحة، مثل تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، وهي تقنية لم تنجح حتى الآن عملياً، مما يزيد من تعقيد التحديات التقنية التي تواجه المشروع.
كما قلّصت السعودية طموحاتها متوسطة الأجل لمشروع “ذا لاين” ضمن مدينة “نيوم”، أحد أبرز مشاريع “رؤية 2030″، إذ خفّضت تقديرات عدد السكان المستهدفين بحلول عام 2030 من 1.5 مليون إلى أقل من 300 ألف، مع توقعات بأن لا يتجاوز طول المدينة المكتمل 2.4 كيلومتر من أصل 170 كيلومتراً مخططاً. وتزامن ذلك مع تسريحات في صفوف العمال لدى بعض المقاولين، وسط غموض بشأن اعتماد ميزانية “نيوم” لعام 2024، بحسب “بلومبرغ”.