كيف تحولت العلاقة بين ماسك وترمب من دعم مطلق لعداء علني؟

منذ اللحظة التي تحالف فيها دونالد ترمب وإيلون ماسك، كان الرهان في واشنطن على أن علاقة الرئيس بـ”الصديق الأول” الذي موّل حملته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض، لن تستمر.
انتهت العلاقة أخيراً هذا الأسبوع، بعد تصريحات متبادلة بين أثرى شخص في العالم ورئيس الولايات المتحدة، اللذين أمضيا معظم يوم الخميس في توجيه انتقادات قاسية لبعضهما على منصات التواصل الاجتماعي وأمام الصحفيين في المكتب البيضاوي.
كشف ترمب للصحفيين عن “خيبة أمله الكبيرة” في ماسك بسبب الانتقادات القاسية التي وجهها الملياردير لمشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي قدمه الحزب الجمهوري. بينما أوضح ماسك في منشور على “إكس” (“تويتر” سابقاً)، منصة التواصل الاجتماعي التابعة، أن ترمب ما كان ليفوز بفترة رئاسية ثانية دون مساعدته، وكتب الرئيس التنفيذي لشركتي “تسلا” و”سبيس إكس” (SpaceX): “يا له من نكران للجميل”.
رغم أن الخلاف بينهما بدا حتمياً، كان انحدار مستوى العلاقة إلى تبادل الانتقادات العلنية أمراً مفاجئاً، حتى مع طبع ترمب المتقلب، الذي غالباً ما استبعد الحلفاء والمساعدين السابقين من دون ضجة.
الخلاف بين ترمب وماسك يستعر
أمضى ماسك الأشهر الأولى من ولاية ترمب الثانية في إشادة متملقة، وتحمُل بعض رد الفعل السياسي على التخفيضات الكبيرة في الموازنة وإقالة الموظفين، وهو أمر يشكل ركيزة أساسية لأجندة ترمب.
في المقابل، منح ترمب ماسك، المبتدئ في العمل الحكومي بمنصب مؤقت، صلاحيات واسعة النطاق بشكل غير مسبوق لإعادة هيكلة الجهاز البيروقراطي الفيدرالي، مع قيود محدودة أحياناً من رؤساء الوكالات الذين صدّق مجلس الشيوخ على تعيينهم بالفعل.
لكن الخلاف بينهما وصل ذروته يوم الخميس باتهام ترمب لماسك بمحاولة إفشال مشروع قانون الإنفاق، نظراً لأن إلغاء الإعفاءات الضريبية على المركبات الكهربائية سيؤثر سلبياً على صافي أرباح “تسلا”، بينما اتجه ماسك إلى منشورات على منصة التواصل الاجتماعي لنفي التصريحات التي أدلى بها ترمب في المكتب البيضاوي، وسخر من الرئيس بمنشوراته السابقة قائلاً: “أين هذا الرجل اليوم؟”.
بل وصل الأمر بماسك إلى استطلاع آراء متابعيه على منصة التواصل الاجتماعي عما إذا كان يجب عليه “تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة يمثل فعلياً 80% من الوسط”.
دعم ماسك ينقلب إلى انتقادات
بدأت العلاقة بين ترمب وماسك تزدهر في ذروة حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وتوطدت مع انضمام ماسك إلى الإدارة الجديدة بهدف تقليص البيروقراطية الفيدرالية، في منصب يتماشى مع المصالح التجارية لقطب التكنولوجيا، فيما تتوافق توجهاته السياسية مع فكر آخرين في الإدارة الجديدة، مثل روس فوت، مدير مكتب الإدارة والميزانية.
إلا أن العلاقة تدهورت هذا الأسبوع بسبب مهمة لا مفر منها؛ الشروع في تحويل خطاب الإدارة حول الإنفاق إلى أمر واقع عبر مشروع قانون ضريبي يشكل محور أجندة ترمب المحلية.
كشف ماسك، بمنشورات على منصة التواصل الاجتماعي حث فيها المشرعين إلى رفض ما يصفه ترمب بأنه “مشروع قانون جميل ومهم”، عن خلاف يتصاعد منذ أسابيع بينه وبين الرئيس، سببته في البداية صدامات مع أعضاء الحكومة حول تقليص ميزانيات الوكالات وعدد العاملين فيها، واختلافات مع الإدارة حول خطط الرسوم الجمركية الشاملة.
يهدد خلاف ماسك العلني مع ترمب بتبعات أكبر على الحلفاء الذين ساعدهم في تولي مناصب مهمة في مختلف الوكالات الفيدرالية خلال فترة ترأسه إدارة الكفاءة الحكومية التي حث ترمب على إنشائها.
كما يثير الشك في إمكانية استمرار الملياردير الأكثر إنفاقاً في انتخابات 2024 باعتباره مصدراً موثوقاً لتمويل الحملة الانتخابية للحفاظ على سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي، وترسيخ تيار ترمب السياسي.
تحذيرات سابقة من ماسك
أشار ستيف بانون، كبير مستشاري البيت الأبيض للشؤون الاستراتيجية السابق الذي كُلف في 2017 بالتصدي لماسك بخصوص مطالبه بشأن المتطلبات التنظيمية للسيارات الكهربائية والبطاريات، إلى أنه حذر ترمب ودائرته المقربة من رائد الأعمال بعد انتخابات 2024.
وأضاف بانون، الذي انتقد ماسك بشكل متكرر في بودكاست “وور رووم” الذي يقدمه: “حذرت الفريق الانتقالي، هذا شخص لا يمكن التنبؤ بسلوكه، وغير ناضج، ونرجسي، وقد ينقلب على أي شخص، بما فيهم الرئيس، عندما يكون ذلك في صالحه”.
وأوضح أن سقوط ماسك من منزلة “الصديق الأول” كان حتمياً، إذ لم يتمكن من تحقيق خفض في الميزانية بقيمة تريليون دولار كما ادعى خلال الفترة الانتقالية، و”كان يفتقر بشدة إلى الكفاءة، وكذب بشأن قدرته على إيجاد تريليون دولار من التخفيضات في الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام. ضلل الجميع، بمن فيهم الرئيس”.
عمل مسؤولو الإدارة الأميركية الذين استاؤوا من سطوة ماسك وأسلوبه في التعامل، على ترسيخ نفوذهم في السلطة التنفيذية من جديد بعدما أعلن عن مغادرته إدارة الكفاءة الحكومية، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر.
شملت هذه المساعي تعيين شخص مقرب من كبيرة موظفي البيت الأبيض، سوزي وايلز، في منصب رئيس موظفي “ناسا”، وهي وكالة حكومية بالغة الأهمية بالنسبة لـ”سبيس إكس” الشركة التي تشكل نحو ثُلث ثروة ماسك الصافية.
كان سحب ترشيح جاريد آيزاكمان، حليف ماسك الذي كان متوقعاً أن يدير وكالة الفضاء، بتوجيه من سيرجيو غور، مدير موظفي مكتب الرئاسة، الذي نشبت خلافات بينه وبين ماسك خلال فترة عمله في إدارة الكفاءة الحكومية، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر.
الاستمرار في دائرة ترمب المقربة لا يدوم
قال ستيفن مايرو، مدير شركة “بيكون بوليسي أدفايزرز” (Beacon Policy Advisers)، إن “جزءاً كبيراً من نفوذ ماسك يعود إلى اعتباره امتداداً لترمب. لكن في ظل الخلاف الحالي بينهما، قد يتراجع هذا النفوذ”.
وتابع: “أتحدث دوماً عن الدائرة المتغيرة المحيطة بترمب، هناك أشخاص يدخلونها ويخرجون منها دوماً. ما كنت لأقول إن علاقة ماسك بترمب انقطعت. لكن في ظل سحب ترشيح آيزاكمان وانتقاده العلني لمشروع قانون الضرائب، يبدو أنه في مرحلة الخروج من دائرة المقربين من ترمب”.
أشار مسؤول في البيت الأبيض في رسالة إلكترونية، إلى العديد من التبرعات السابقة التي قدمها آيزاكمان إلى الديمقراطيين، وأوضح أنها السبب في إلغاء ترشيحه. وفي حوار على بودكاست يوم الأربعاء، قال آيزاكمان إنه لا يعتقد أن هذا هو السبب، نظراً لأن هذه المعلومات كانت متاحة للعامة منذ فترة طويلة.
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ليز هيوستن إن “الرئيس ترمب هو صاحب القرار النهائي بشأن من ينال شرف الخدمة في إدارته التاريخية، وأي ادعاءات تخالف ذلك عارية تماماً من الصحة”.
لم يرد ماسك على رسالة تطلب التعليق. فيما اعتبر أحد المستخدمين على منصة “إكس” أن سحب ترشيح آيزاكمان “ضربة موجعة لوكالة الفضاء”، ورد عليه ماسك بأنه يتفق معه تماماً.
كلفة كبيرة لخفض الإنفاق
يُنهي الخلاف رحلة مليئة بالتقلبات استمرت 11 شهراً منذ دعم ماسك لترمب في يوليو 2024. أنفق ماسك مئات ملايين الدولارات لانتخاب ترمب والجمهوريين في 2024، وعندما فاز الرئيس السابق والجديد على كامالا هاريس في انتخابات نوفمبر، لجأ إلى ماسك لقيادة جهود ترمي إلى تقليص حجم الحكومة ونطاق عملها.
بدأ ماسك يشق طريقه في تقليص الجهاز البيروقراطي الفيدرالي، بينما أصدر ترمب وابلاً من الأوامر التنفيذية، يهدف كل منها إلى تفكيك الدولة الإدارية بوتيرة بات البيت الأبيض يطلق عليها اسم “سرعة ترمب”.
مع ذلك، إحراز التقدم السريع في تنفيذ أولويات المحافظين كان له كُلفة دفعها ماسك، الذي شهد انخفاض ثروته الصافية بسبب تلطيخ سمعته داخل البلاد وخارجها، بسبب تحركاته السياسية وارتباطه بترمب، من بين أسباب أخرى.
تشير التقديرات إلى أن ثروة ماسك الصافية، التي يرتبط الجزء الأكبر منها بأداء “تسلا”، انخفضت 64.1 مليار دولار منذ بداية العام، بحسب البيانات التي جمعها مؤشر “بلومبرغ” للمليارديرات، ما يمثل أكبر خسارة دفترية يتكبدها أي من أغنى 500 شخص في العالم.
مشروع القانون يهدد ثروة ماسك
أما في الفترة الحالية، يُحتمل أن يطغى مشروع القانون الذي يحمل بصمة الرئيس على أي نجاح قد يدعي ماسك تحقيقه في ما يتعلق بخفض العجز المالي الذي يمثل بالنسبة له الأولوية السياسية القصوى، “بكلفة ومخاطر شخصية كبيرة”، على حد وصفه.
توقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن يؤدي مشروع قانون الضرائب والإنفاق، الذي أقره مجلس النواب ويشكل محور أجندة ترمب التشريعية، إلى ارتفاع عجز الموازنة الأميركية بأكثر من 2.4 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، إذ سيخفض الإيرادات 3.67 تريليون دولار، بينما سيقلص الإنفاق 1.25 تريليون دولار فقط.
يتجاوز ذلك أشد تقديرات إدارة الكفاءة الحكومية تفاؤلاً لحجم الوفورات، فيشير موقعها الحكومي الإلكتروني، الذي يعرض الوفورات المُقدرة، إلى أن الإدارة وفرت على دافعي الضرائب نحو 180 مليار دولار منذ بداية العام، رغم ذلك، فإن “جدار الإيصالات”- وهو قائمة تفصيلية بالعقود والمنح وعقود الإيجار الملغاة منذ يوم التنصيب- يبيّن أقل من نصف هذا المبلغ فقط.
ما يزيد الخطر على ثروة ماسك أن مشروع قانون ترمب سيلغي بعض الحوافز الضريبية المهمة التي دعمت أداء شركاته. دعا ماسك بنفسه رئيس مجلس النواب مايك جونسون إلى الإبقاء على التخفيضات الضريبية للسيارات الكهربائية، بحسب شخص مطلع على الأمر. لكنه خسر هذه المعركة في النهاية.
في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ” الخميس، لم يؤكد جونسون ما إذا كان ماسك تواصل معه بشأن التخفيضات، لكنه كشف أنهما سيتحدثان في وقت لاحق من اليوم، وأضاف أن ماسك يبدو “متشبثاً بموقفه بشدة حالياً، لا يمكنني أن أستوعب الدافع وراء ذلك”.
دعم ماسك لترمب لم يمنع الخلافات
تزايد انتقاد ماسك لحزمة الإنفاق تدريجياً. مع ذلك، صعد ماسك نبرة الانتقاد يوم الثلاثاء، فوصف في منشور على منصة “إكس” مشروع القانون بأنه “مليء ببنود الإنفاق السياسي المفرط” و”كارثة مشينة”.
ما زاد من سوء موقف البيت الأبيض، أن ماسك تبنى نفس الحجة التي تسعى الإدارة نفيها، وهي أن مشروع القانون سيؤدي إلى ارتفاع كبير في عجز الموازنة الفيدرالية.
بحلول بعد ظهر الأربعاء، كان ماسك يكتب منشورات عن “عبودية الديون”، ويشارك صورة للممثلة أوما ثيرمان تحمل سيف ساموراي، من ملصق فيلم “كيل بيل” (Kill Bill)، في إشارة إلى دعوته لقتل التشريع.
بدا أن الخلاف بين المليارديرين المتباهيين الذين يشتهران بالسعي إلى جذب الاهتمام وعدم تقاسمه، يتزايد منذ فترة.
رغم تبني ماسك دوره في إدارة الكفاءة الحكومية واستمرار ظهوره الدوري في البيت الأبيض، فقد اختلف مع بعض سياسات ترمب.
انتقد ماسك الرسوم الجمركية، الأداة الرئيسية في أجندة ترمب الاقتصادية، لكونها أداة أثبتت قدرتها على التسبب في اضطرابات هائلة في الأسواق التي ينشط فيها ماسك، بما يشمل البطاريات التي تعد عنصراً حاسماً لمستقبل وحدتي السيارات والطاقة في “تسلا”.
أشار مستشار خارجي لترمب إلى أن الرئيس ظل غاضباً بخصوص واقعة، كشفت عنها صحيفة “نيويورك تايمز”، تضمنت محاولة ماسك الحصول على إحاطة سرية من البنتاغون عن نتيجة اندلاع حرب مع الصين، حيث يملك مصالح اقتصادية كبيرة عبر “تسلا” بالأخص.
مع تزايد الغضب الشعبي من خفض إدارة الكفاءة الحكومية الأحادي ميزانيات وعدد العاملين في الوكالات الفيدرالية، كبح ترمب جماح ماسك علناً، بتأكيده أن مسؤولي الحكومة لهم القرار النهائي في التخفيضات المقترحة.
وخلال حضوره “منتدى قطر الاقتصادي” في 20 مايو، كشف ماسك لمحررة “بلومبرغ” ميشال حسين اعتزامه التراجع عن تقديم التبرعات السياسية، بعد شهور فقط من إنفاقه نحو 300 مليون دولار لدعم حملة ترمب الناجحة للوصول إلى البيت الأبيض.
استبعاد ضرر مباشر على “سبيس إكس”
أما في الكواليس، فقد أثارت إقامة ماسك المؤقتة في الجناح الغربي استياء بعض المسؤولين، بحسب المستشار الخارجي وشخص من داخل الإدارة.
ولفت المستشار الخارجي بالأخص إلى تعامل ماسك الفظ مع وايلز، التي أدارت حملة ترمب الناجحة، قبل الانضمام إلى الإدارة. وكان حليف وايلز القديم بريان هيوز هو من كُلف بمنصب رئيس موظفي “ناسا”، وهو منصب يمكنه من أداء دور رقابي في الوكالة التي تعد محوراً أساسياً في مستقبل “سبيس إكس”.
في المقابل، أشار مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض إلى أن العلاقة بين وايلز وماسك كانت ودية وتعاونية، وأن كبيرة موظفي البيت الأبيض كانت تجتمع أسبوعياً مع رائد أعمال التكنولوجيا خلال قيادته إدارة الكفاءة الحكومية.
وأشار إلى أن هيوز طالما أراد العمل في “ناسا”، وأن تعيينه هناك لم يكن محاولة لمراقبة ماسك و”سبيس إكس”.
استبعد شخص مطلع على “سبيس إكس” احتمال أن يؤدي التوتر بين ماسك وترمب إلى تأثير سلبي مباشر على الشركة، نظراً لأنها رسخت مكانتها المهيمنة في مجال إطلاق الصواريخ في الوقت الذي واجهت فيه الشركات المنافسة صعوبات.
لكنه أشار إلى إحباط من تضرر سمعة العلامة التجارية للشركة، في البداية لدى الديمقراطيين الذين صُدموا من دعم ماسك لترمب واستراتيجيات إدارة الكفاءة الحكومية، والآن لدى مؤيدي ترمب في واشنطن، الذين يُرجح أن يدعموا الرئيس في مواجهة ماسك.
مكاسب أخرى لماسك
لكن فترة الوفاق بين ماسك وترمب حققت مكاسب بطرق أخرى، بحسب مايرو، بالأخص في المجالات التي أوقفت فيها الحكومة أو إدارة الكفاءة الحكومية جوانب من الإدارات التنظيمية التي دخلت سابقاً في خلافات مع شركاته.
قال مايرو إن “بالنسبة لماسك شخصياً، فقد انتهت مشاكله مع لجنة الأوراق المالية والبورصات”، مشيراً إلى تحقيقات الجهة التنظيمية. واختتم: “لطالما رغب في تحويل (إكس) إلى تطبيق شامل، والآن تُلغى العديد من القواعد التنظيمية التي كانت ستمنع ذلك”.