من الفكة إلى الكريبتو.. كيف تغير شكل العيدية في العالم العربي؟

استيقظت الفتاة الصغيرة ندى محمد، ذات الثماني سنوات، باكراً. ارتدت ملابسها الجديدة التي وضعتها جانب وسادتها في الليلة الماضية، وسرّحت شعرها بعناية، ثم لحقت بإخوتها، منتظرةً بلهفةٍ دورها لتنال العيدية من كبار العائلة، في تقليدٍ متوارثٍ أباً عن جد.
فندى، مثلها كمثل ملايين الأطفال في العالم العربي، تنتظر العيد بلهفة للحصول على العيدية في كل عيد فطر وعيد أضحى. وعادةً ما يردّ الآباء هذه العيدية بالمثل لأطفال العائلة الآخرين، في تقليدٍ يبرز حركة المال الدوّارة خلال مواسم معيّنة.
تتخذ العيدية أشكالاً عديدة حول العالم، كما تطوّرت بسرعة على مدار السنين الماضية. ففي ظلّ التطور التكنولوجي، برزت أساليب حديثة لتقديم العيدية، من خلال حلول مصرفية وتطبيقات رقمية تتيح تحويل المبالغ بسهولة وسرعة وأمان. ومؤخراً، لجأت بعض الدول الغربية إلى تقديم العيدية على شكل عملات مشفّرة في مواسم رأس السنة والكريسماس والأعياد الأخرى، وهو أمرٌ قد نراه قريباً في عالمنا العربي، بفضل انتشار هذه العملات، والسماح بالدفع باستخدامها في أماكن متزايدة، إضافةً إلى زيادة قيمتها في بعض الأحيان بسرعة لافتة، إذا ما توفرت لها الظروف الاقتصادية والعالمية الملائمة.
ونظراً لأهمية هذا الطقس الشعبي، تستعد البنوك العربية لتزايد الإقبال على السحوبات النقدية، من أجل الحصول على ما يُعرف بين الناس بـ”خُردة العيد”، بهدف تجهيز العيديات وتوزيعها.
الدورة الاقتصادية وراء العيدية
مع كل ورقة نقدية تُقدَّم كعيدية، سواء لطفل صغير، أو من زوج لزوجته، أو من كبير العائلة للشباب الأصغر سناً، أو حتى من أصحاب العمل لعمّالهم، يتحرّك المال في دائرة من التبادل والاستهلاك تنعكس مباشرة على الأسواق والأنشطة التجارية.
كما يزيد الطلب على استبدال النقود القديمة بنقود جديدة من المصارف في السعودية والكويت ومصر ودول عربية أخرى، فللأوراق النقدية الجديدة والنظيفة رونق خاص، حتى بات استبدال الأموال القديمة بجديدة تقليداً راسخاً.
ومواكبة لهذا الطلب الموسمي، تعمد بعض المصارف المركزية في الدول العربية إلى تخصيص أجهزة صراف آلي لتوفير الأوراق النقدية الجديدة، وتضخ كميات إضافية من الفئات الصغيرة، حرصاً على تلبية احتياجات العملاء.
ففي قطر، على سبيل المثال، أطلق مصرف قطر المركزي مبادرة “خردة العيد”، حيث يوفّر أجهزة صراف آلي مخصصة لسحب الفئات النقدية الصغيرة من 5 و10 و50 و100 ريال قطري، تُوزع في عدد من المناطق.
وسجلت هذه الصرافات الآلية إقبالاً قياسياً في عيد الفطر 2025، حيث بلغت قيمة السحوبات نحو 182 مليون ريال قطري (حوالي 50 مليون دولار)، بحسب المصرف المركزي.
أما في مصر، ووفقاً لتعليمات البنك المركزي، يمكن صرف النقدية الجديدة من أى فرع من فروع البنوك، ولكن بشروط معينة، حيث تم منح الأولوية للعملاء الذين لديهم حسابات مصرفية، مما يمكنهم من الحصول على مبالغ أكبر، فى حين أن بعض البنوك توافق على صرف مبالغ محدودة لغير العملاء، وتختلف قيمة المبالغ المتاحة لكل عميل تبعاً لنوع حسابه البنكى، فضلًا عن الحصة النقدية المتوفرة فى كل فرع، حيث تسعى البنوك إلى توزيع النقود الجديدة بعدالة لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من العملاء.
ورغم اتخاذ العيدية أشكالاً مختلفة من بطاقات هدايا وألعاب وملابس ومجوهرات وغيرها، يبقى للعيدية النقدية طابعاً مميزاً. إذ كان استطلاع للرأي أجراه موقع “يو غوف” (YouGov) عام 2023، أظهر أن حوالي نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في السعودية والإمارات يفضّلون تقديم وتلقي الهدايا النقدية لمناسبة العيد.
نشاط التحويلات الرقمية في العيد
مع تطور الخدمات المصرفية، بات بالإمكان تحويل العيدية بأمان وسهولة بفضل تطبيقات التحويل الفوري والمحافظ الإلكترونية التي أدت إلى ظهور “العيدية الرقمية”.
وفي الإمارات، أشارت تقارير إعلامية محلية إلى ارتفاع بنسبة 50% في التحويلات المالية عبر التطبيقات الرقمية خلال فترة عيد الفطر الماضي، بالأخص مع إرسال عدد كبير من المقيمين الأموال إلى عائلاتهم في الخارج.
وكانت هذه التطبيقات قد شهدت انتشاراً واسعاً خلال فترة الجائحة، حيث أتاحت تحويل العيديات بسهولة مع الحفاظ على قيود التباعد الاجتماعي.
هل تصبح العيدية كريبتو؟
في ظل التحوّل الرقمي المتسارع والتوسع في استخدام العملات المشفّرة، بدأ الحديث عن اتخاذ العيدية طابعاً جديداً، مثل الاستعاضة عن النقد الورقي بالعيدية على شكل عملات مشفرة.
فبدل تقديم مغلّف يحتوي على حفنة من النقود، يمكن تقديم جزء من عملة “بتكوين” أو غيرها من الأصول المشفّرة، كهديّة رمزية تحمل في طيّاتها استمرارية لتقليد قديم وفرصة استثمارية، في آنٍ معاً.
وكانت الولايات المتحدة شهدت في موسم عيد الميلاد 2024 ارتفاعاً ملحوظاً في الإقبال على تقديم هدايا على شكل عملات مشفرة، كما تتيح العديد من منصات تداول العملات المشفرة خدمات تقديم هدايا الكريبتو بكل سهولة، سواء عبر بطاقات الهدايا الرقمية أو التحويل المباشر.
وتُعد الإمارات من الدول الرائدة في تبني العملات المشفرة، وبحسب بيانات “ستاتيستا” (Statista)، يتوقع أن تبلغ نسبة مستخدمي العملات المشفرة في الإمارات 32.74% من سكان البلاد خلال عام 2025.، فيما تسجل السعودية نمواً سريعاً في هذا المجال. وتتوقع بعض شركات تداول العملات المشفرة أن تنتقل العدوى من الدول الغربية إلى نظيرتها العربية، بحيث تصبح العيدية على صورة كريبتو مع توغل الاقتصاد الرقمي في المنطقة.
ما تأثير العيدية على الحركة الاقتصادية؟
تسهم العيدية في تنشيط الحركة الاقتصادية خلال فترة الأعياد، إذ تعتبر من العوامل المؤقتة التي تعزز من الاستهلاك المحلي. ويتجه إنفاق العيديات غالباً نحو شراء الألعاب والحلويات والملابس والإلكترونيات، إلى جانب تزايد الإقبال على الأنشطة الترفيهية مثل زيارة مدن الملاهي ودور السينما والمطاعم، ما ينعكس مباشرة على ازدهار الحركة التجارية وإنعاش تلك القطاعات الاقتصادية خلال أيام العيد.
كما تقدم العيدية فرصة لتعليم الأطفال مبادئ الإدارة المالية في عمر مبكر، إذ تمنحهم تجربة مباشرة مع المال، تساعدهم على تعلم الادخار واتخاذ قرارات صغيرة تعزز لديهم حسّ التوازن والمسؤولية. ويمكن للوالدين استثمار هذه المناسبة لتشجيع الطفل على تقسيم العيدية إلى أجزاء: جزء للادخار وآخر للشراء وثالث للعطاء، ما يُرسّخ قيم الكرم والانضباط المالي في آنٍ معاً.
وعلى الصعيد النفسي، تمنح العيدية الطفل شعوراً بالتقدير والاستقلال، وتعزز ثقته بنفسه حين يُمنح حرية التصرف بمبلغ خاص به. كما تقدم بعض المصارف حسابات خاصة بالأطفال، تتيح لهم ادخار عيدياتهم وتنمية وعيهم المالي منذ سن مبكرة.
تفاوتات اجتماعية
في ظلّ تفاوت الأوضاع المعيشية بين الأسر، تظهر فروقات في قيمة العيدية، ما قد يثير أحياناً مشاعر المقارنة أو الإحراج لدى الأطفال حين يعلمون بما حصل عليه أقرانهم من زملاء المدرسة أو الأقارب.
في هذا السياق، يبرز دور الأهل في تقديم عيديات متوازنة تتسم بالرمزية أكثر من القيمة، وتوعية الأطفال بأن العيدية ليست مقياساً للمكانة أو مقدار الحب، بل تعبير بسيط عن الودّ والمشاركة والفرح الجماعي بالعيد.