نتائج مسوح التضخم بأميركا تعكس توقعات السوق للرسوم الجمركية فقط

مع ظهور مؤشرات أولية على أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، يواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سؤالاً حاسماً: هل سيكون التضخم الناجم عن الرسوم مؤقتاً، في ظل تكيف مستوى الأسعار مع ارتفاع التعريفات الجمركية، أم سيستمر، حيث ستؤدي سلسلة من ردود الفعل المتتالية إلى ارتفاع أكبر في الأسعار؟
أحد ردود الأفعال المتتالية التي يراقبها “الاحتياطي الفيدرالي” بدقة دوماً هي “عدم استقرار” توقعات التضخم في المدى الطويل، أي أنه من غير المتوقع أن يظل معدل التضخم مستقراً. فإذا توقعت الشركات والمستهلكون ارتفاع التضخم خلال السنوات المقبلة، قد يعدّلون سلوكهم الحالي في تحديد الأسعار، والتفاوض على الأجور، واتخاذ قرارات الشراء.
سيسهم ذلك في تحويل استمرار التضخم المرتفع إلى واقع، ما سيفرض على “الاحتياطي الفيدرالي” اتخاذ مزيد من الإجراءات لخفض التضخم إلى المعدل المستهدف عند 2% من خلال الإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة، أو حتى رفعها.
الجانب الإيجابي بالنسبة لـ”الاحتياطي الفيدرالي” أنه على الرغم من أن الرسوم الجمركية أدت إلى ارتفاع توقعات التضخم هذا العام، فإن استطلاعات الرأي، والمؤشرات المعتمدة على السوق تتوقع بشكل عام أن يكون الارتفاع مؤقتاً. أما الجانب السلبي، فإن هناك استثناءً واحداً؛ وهو المؤشر الأطول استمراراً والأكثر دراسةً لتوقعات التضخم.
الرسوم الجمركية تؤثر على توقعات التضخم
وفقاً لمسح آراء المستهلكين الذي تجريه جامعة ميشيغان، والذي بدأ إجراؤه في 1946 وأصبح مسحاً شهرياً في 1978، فإن متوسط التغير المتوقع في الأسعار- بحساب الوسيط الإحصائي- خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة كان 4.2% في مايو، أي أعلى بمقدار 1.2 نقطة مئوية مقارنةً بنهاية العام الماضي، رغم تباطؤ التضخم فعلياً. بل إن الارتفاع في التوقعات طويلة الأجل هذا العام أكبر مقارنةً بالارتفاع خلال الجائحة، عندما زاد معدل التضخم.
بعد عقود من القراءات المنخفضة والمستقرة نسبياً، أصبح هذا المؤشر لتوقعات التضخم في المدى الطويل “غير مستقر”، مع ذلك، هناك أسباب تدعو “الاحتياطي الفيدرالي” إلى تخفيف قلقه، خلال الفترة الحالية على الأقل.
الأمر الأكثر أهمية أن قرارات رفع الرسوم الجمركية، وليست الزيادة الفعلية في الأسعار، هي التي تؤدي إلى ارتفاع التوقعات، فأشار نحو ثُلثي المشاركين في المسح إلى الرسوم الجمركية بشكل عفوي. وبشكل عام، فالأنباء التي سمعوها عن الأوضاع الاقتصادية هيمنت عليها الأخبار عن سياسة الحكومة. في الماضي، حدث الارتفاع في توقعات التضخم، مثل ما حدث إبان الجائحة، عندما تلقى المستهلكون مزيداً من الأخبار بشأن ارتفاع الأسعار، لكن الوضع مختلف في الفترة الحالية.
إضافة إلى ذلك، ليس مستغرباً أن يواجه المستهلكون صعوبةً في ترجمة رفع الرسوم الجمركية على نحو غير مسبوق بنسبة 25% أو 30% أو حتى 145% إلى توقعات منطقية لتضخم الأسعار، أو أنهم قد لا يدركون أن الرسوم الجمركية تسبب ارتفاعاً واحداً للتضخم. وحيث إن الضبابية مرتفعة حتى بين المحللين المحترفين، والسياسات الجمركية تتغير باستمرار، قد تتغير توقعات المستهلكين الأولية مرة أخرى مع بدء إحساسهم بتغيرات الأسعار. وبينما يعد السؤال عن التوقعات في المسح إجراءً مفيداً، فالبيئة الحالية تدفع إلى تجاوز حدود التقديرات المنطقية.
توقعات التضخم خارج النطاق المألوف
تشير زيادة الإجابات المُبالغة في المسح إلى تراجع جودة التقديرات، إذ يتوقع 20% من المشاركين في الفترة الحالية أن يبلغ متوسط معدل التضخم 15% أو أكثر خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، وهذا معدل أعلى مما حدث في 1980، عندما كان تضخم مؤشر أسعار المستهلكين الفعلي في خانة العشرات.
في السنوات الماضية أصبح مسح جامعة ميشيغان أكثر ميلاً لأن يسجل قراءات متطرفة. ففي الربيع الماضي، تحوّل من مسح عبر الهاتف إلى مسح على الإنترنت بهدف خفض التكاليف. وفي ذلك الوقت، زادت نسبة من يتوقعون أن يتجاوز معدل التضخم في الأجل الطويل 15% أكثر من الضعف، لتبلغ 10%. ثم تضاعفت النسبة مرة أخرى عندما جذبت الأخبار عن الرسوم الجمركية الاهتمام في أوائل العام.
كما أنه أكثر عرضة لأن يقدم نتائج خارجة عن المألوف مقارنةً بمسوح توقعات التضخم الأخرى، فوفقاً لمسح أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، لم يطرأ تغيير هذا العام على وسيط معدل التضخم خلال السنوات الخمس المقبلة، رغم الارتفاع الطفيف في توقعات معدله خلال العام المقبل. كما أن مسح جامعة ميشيغان يُجرى عبر الإنترنت، لكنه شهري، وتشير البحوث إلى أن المشاركين يطلعون على بيانات التضخم بعد انضمامهم إلى الدراسة، ويخفضون توقعاتهم في المقابلات اللاحقة. ويكون هذا التأثير أكثر وضوحاً خلال فترات ارتفاع الضبابية المحيطة بالتضخم.
تشاؤم شديد حيال الرسوم الجمركية
بالطبع، حتى النتائج غير المألوفة توفر فهماً أفضل للتوقعات والسلوك. ويشمل مسح جامعة ميشيغان عدداً من الأسئلة عن ظروف الشراء، إذا توقع المستهلكون أن يرتفع التضخم إلى خانة العشرات خلال السنوات المقبلة، قد يُتوقع منهم الشراء الآن، قبل ارتفاع الأسعار. زادت نسبة الناس الذين يرون أن الوقت مناسب لشراء السلع المنزلية المعمرة الكبيرة، لكن النسبة أقل بكثير مقارنةً بذروتها أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي. على الرغم من توقعات التضخم المفرطة لدى المستهلكين في الفترة الحالية، إلا أنهم لم يغيروا سلوكهم بعد.
هناك أسباب تدعو للشك في توقعات التضخم التي كشفها مسح جامعة ميشيغان، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه يجب على “الاحتياطي الفيدرالي” أن يكون أكثر ثقة في المؤشرات الأخرى.
الرسالة الأوضح التي يبعثها مسح جامعة ميشيغان ليست موجهة إلى “الاحتياطي الفيدرالي”، بل إلى البيت الأبيض. رصد المسح زيادة الآراء شديدة التشاؤم حيال التضخم خلال السنوات الماضية، والآن زيادة الآراء شديدة التشاؤم حيال الرسوم الجمركية. لذلك، رغم أن توقعات التضخم ربما أصبحت غير مستقرة، فإن استياء الأميركيين من التضخم- والرسوم الجمركية- راسخ بشدة.