“نيسان”: كيف دخلت شركة السيارات اليابانية الأزمة وهل تجد مخرجاً؟

سجلت “نيسان موتور” (Nissan Motor) صافي خسارة بلغ 670.9 مليار ين (4.5 مليار دولار) خلال العام المالي المنتهي في مارس الماضي، وهي أكبر خسارة سنوية منذ نحو ربع قرن. كما أعلنت شركة السيارات اليابانية اعتزامها إغلاق سبعة مصانع بحلول السنة المالية 2027، وتسريح 20 ألف عامل، وخفض الطاقة الإنتاجية السنوية من 3.5 مليون وحدة العام الماضي إلى 2.5 مليون وحدة، ما يعادل نحو 28.6%.
السؤال المطروح هنا: كيف آلت الأمور بـ”نيسان” إلى هذا الوضع؟
1) كيف نجت “نيسان” من أزمات سابقة؟
أبرمت “رينو” و”نيسان” في مارس 1999 تحالفاً بمقتضاه ستستثمر الشركة الفرنسية 5.4 مليار دولار للاستحواذ على حصة 36.8% في نظيرتها اليابانية، وتعيّن كل منهما تنفيذيين في الأخرى. لكن الشركة اليابانية سجلت أكبر صافي خسارة سنوية على الإطلاق في العام المالي التالي قدره 684.4 مليار ين (6.46 مليار دولار). وخرجت “نيسان” منذ هذه الأزمة على يد كارلوس غصن، التنفيذي السابق في “رينو” والذي عُيّن مديراً للعمليات في “نيسان” في إطار التحالف، عبر “خطة إنعاش نيسان” التي بدأ تنفيذها في أبريل 2001.
قام غصن بتقليل تكاليف المشتريات وأغلق المصانع وألغى 21 ألف وظيفة واستثمر المدخرات في 22 طرازاً من السيارات والشاحنات في 3 سنوات، وبعد فترة ليست بالطويلة احتفت به مجلات “المانغا” المصورة واحتشد الناس حوله طلباً لتوقيعه خلال جولاته بالمصانع. بشكل عام، انهال عليه التبجيل الوطني لإنقاذه شركة السيارات التي تخلى عنها الجميع، لكنه تلقى انتقادات لراتبه في اليابان، حيث يعد راتب المدير التنفيذي موضوعاً حساساً.
في نوفمبر 2018، بينما كان غصن يشغل منصب رئيس مجلس إدارة “نيسان” اليابانية، إذ أُلقي القبض عليه في اليابان بتهم الفساد المالي وعدم الإبلاغ عن راتبه وهي تهم نفاها غصن. وبعدها هرب إلى لبنان في نهاية ديسمبر 2019، وانتهت الأزمة- رغم استمرار تبعاتها- بإقالته ومعركة قضائية شنتها عليه “نيسان”، شملت دعوى تطالبه فيها الشركة بتعويض قدره 95 مليون دولار.
2) كيف انزلقت “نيسان” إلى الأزمة الحالية؟
عانت صانعة السيارات اليابانية من تداعيات قضية غصن، التي أدت إلى انهيار تحالفها الثلاثي مع “رينو” و”نيسان”، وأفضت إلى عملية إعادة هيكلة، مولتها الشركة عبر بيع كامل حصتها في “دايملر” الألمانية، مثلما فعلت “رينو”، مقابل 1.4 مليار دولار.
كما تضررت “نيسان” من حرب أوكرانيا، إذ انسحبت بالكامل من روسيا، وعلقت عمل مصنعها في سانت بطرسبرغ، وتكبدت في أكتوبر 2022 خسارة قدرها 687 مليون دولار، إذ آلت أسهم وحدة التصنيع المحلية إلى المعهد الروسي لأبحاث السيارات (NAMI) مقابل يورو واحد.
رغم أن الشركة طرحت أول سيارة كهربائية بالكامل، “نيسان ليف” (Leaf)، تُنتج بكميات كبيرة في العالم، لم تتمكن من مواكبة التطورات في المجال، في ظل هيمنة “تويوتا”، واحتدام المنافسة مع “تسلا” والشركات الأوروبية، وإقبال المستهلكين على العلامات التجارية المحلية في الصين، أكبر سوق في العالم للمركبات الكهربائية. كما عانت “نيسان” من تراجع المبيعات في ظل الاعتماد على طرازات قديمة فقدت جاذبيتها لدى العملاء.
بدأت المخاوف من تعثر “نيسان” في الظهور نوفمبر الماضي، مع الإعلان عن انخفاض صافي الدخل 94% خلال النصف الأول من العام المالي، وخطط لتسريح 9 آلاف موظف، وتقليص الطاقة الإنتاجية 20%. وقد حذرت الشركة في أواخر أبريل الماضي من تسجيل 5.3 مليار دولار خسائر خلال السنة المالية المنتهية في مارس في ظل تزايد أعباء إعادة الهيكلة.
كما تأثرت “نيسان” بالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على السيارات المستوردة، إذ اضطرت إلى وقف بيع طرازين من سيارات الدفع الرباعي “إنفينيتي”، المجمعة في المكسيك، داخل السوق الأميركية.
3) هل تنتشل الشراكة “نيسان” من أزمتها؟
نجح التحالف مع “رينو” في إنقاذ “نيسان” من الإفلاس قبل نحو 25 عاماً. لكن مساعي الشركة اليابانية في الشراكات الجديدة باءت بالفشل. وإثر أنباء في ديسمبر 2024 عن اندماج محتمل مع “هوندا”، ارتفع سهم “نيسان” المتعثرة نحو 24%. لكن أُعلن رسمياً عن فشل المفاوضات، التي كانت ستفضي إلى إنشاء إحدى أكبر شركات السيارات في العالم، في فبراير.
في المقابل، اتفقت “رينو” و”نيسان” على خفض حصة الملكية المتبادلة من 15% إلى 10%، في إطار تفكيك تحالفهما طويل الأمد بشكل كبير، وإعفاء “نيسان” من التزام سابق بالاستثمار في مشروع “أمبير” (Ampere) للسيارات الكهربائية.
بعد انهيار مفاوضات الاندماج مع “هوندا”، كشفت “بلومبرغ ” عن عدد من الشركات التي تدرس الاستثمار في “نيسان”، مثل “كيه كيه آر آند كو”، وهون هاي بريسيشن إندستري” (Hon Hai Precision Industry)، مُنتجة “أيفون” التايوانية. لكن لم تبرم أي صفقات فعلية، ولا تزال صانعة السيارات اليابانية المتعثرة تبحث عن شراكات جديدة.
4) ما الجهود التي بذلتها “نيسان” للخروج من الأزمة؟
شرعت الشركة في عملية إعادة هيكلة واسعة النطاق؛ فعينت إيفان سبينوزا رئيساً تنفيذياً جديداً، خلفاً لماكوتو أوشيدا الذي أطاح به فشل المفاوضات مع “هوندا”، في مطلع أبريل. كما تولى غيوم كارتييه منصب رئيس الأداء التنفيذي، وإيتشي أكاشي المسؤول التنفيذي الأول عن التكنولوجيا، وتيجي هيراتا مسؤولية التصنيع وإدارة سلاسل التوريد.
وعلى هامش معرض شنغهاي للسيارات في أبريل، تعهدت “نيسان” باستثمار 1.4 مليار دولار إضافية في الصين، مشيرةً إلى أن سوق السيارات المحلية، التي تحتدم فيها المنافسة، تشكل الفرصة المثلى لمساعدة الشركة اليابانية في تطوير المركبات الكهربائية.
كما تخطط “نيسان” لإغلاق مصنعين في اليابان، إلى جانب منشآت في المكسيك والهند والأرجنتين وجنوب أفريقيا، في إطار عملية إعادة الهيكلة وخفض التكاليف، وفقاً لصحيفة “يوميوري” اليابانية نقلاً عن مصادر لم تسمها. إلا أن “نيسان” أشارت في بيان إلى أن هذه “مجرد تكهنات” لا تستند إلى معلومات رسمية صادرة عن الشركة.
5) ماذا ينتظر “نيسان” في الفترة المقبلة؟
امتنعت “نيسان” عن إصدار توقعات للأرباح التشغيلية للعام المالي الذي سينتهي في مارس 2026. وتهدف إجراءات إغلاق المصانع السبعة وتقليص العمالة 15% إلى خفض التكاليف بمقدار 500 مليار ين (3.43 مليار دولار).
قال إسبينوزا الخميس في مؤتمر “مستقبل السيارات” الذي تنظمه صحيفة “فاينانشيال تايمز” في لندن، إن “وضع سيولة الشركة جيد، لكن علينا التحرك بسرعة. يجب علينا في الفترة الحالية الاعتماد على أنفسنا”. مشيراً إلى أن تحسن السيولة يعزز وضع الشركة في أي مفاوضات في المستقبل حول شراكات.
وأضاف أن توسعة نطاق الشراكة الممتدة منذ عقدين بين “نيسان” و”دونغ فنغ موتور غروب”، الشركة الصينية المملوكة للدولة، والتعاون بين الشركتين خارج الصين أحد الخيارات. فيما ستواصل “نيسان” البحث عن شراكات جديدة.
ورغم كشفه عن عدم وجود خطط لدى “نيسان” لإغلاق مصنعها في سندرلاند في المملكة المتحدة، أكد أن على الشركات التزام نهج “عملي”، وعدم تقديم أي ضمانات بشأن مستقبل المصنع.