بنوك “وول ستريت” تراهن على الأسواق الناشئة بعد سنوات من التجاهل

تتوقع بنوك في “وول ستريت” أن تحقق الأسواق الناشئة عوائد أفضل بعد سنوات من العوائد الضعيفة، بسبب صعود الأسهم الأميركية بشكل كبير، ما جعل الأسواق الناشئة أقل جاذبية خلال تلك الفترة.
يعد قسم إدارة الاستثمارات في “مورغان ستانلي” و”إيه كيو آر كابيتال مانجمنت” (AQR Capital Management) و”بنك أوف أميركا” و”فرانكلين تمبلتون” من بين المؤسسات التي تراهن على أن الأمور قد بدأت أخيراً تتحول لصالح أسهم الأسواق النامية.
يصف مايكل هارتنيت من “بنك أوف أميركا” هذه الأسواق بأنها “السوق الصاعدة القادمة”. وتتوقع شركة “إيه كيو آر” أن تحقق تلك الأسواق عوائد سنوية تقارب 6% بالعملة المحلية خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، متجاوزة بذلك مكاسب الأسهم الأميركية بالدولار التي تبلغ حوالي 4%.
رغم تعافي “إس آند بي 500” في الأسابيع الأخيرة، إلا أن المؤشر ظل مستقراً على مدى العام حتى إغلاق يوم الجمعة، بينما ارتفع مؤشر مكافئ للأسواق الناشئة بنسبة 10%. ويداعب هذا الارتفاع الآمال في أن تنتهي فترة امتدت لنحو خمسة عشر عاماً من الوعود التي لم تتحقق، حيث صعد المؤشر الأميركي الرئيسي بأكثر من 400% مقابل تقدم ضعيف بلغ 7% فقط لأسهم الدول النامية.
ضعف الدولار وتصاعد حرب ترمب التجارية
تشمل الأسباب التي تدفع المستثمرين للابتعاد عن الولايات المتحدة، ضعف الدولار الأميركي وتقلبات مؤشر “إس آند بي”، والتساؤلات حول مدى استدامة سندات الخزانة الأميركية كملاذ آمن، وذلك في ظل تصاعد حرب التجارة التي أشعلها الرئيس دونالد ترمب.
كما أن المخاوف من زيادة الديون والعجز، والتي دفعت وكالة “موديز” يوم الجمعة إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، تزيد من الصعوبات التي تواجه استمرار تفوق السوق الأميركية.
اتجه بعض المستثمرين الباحثين عن بدائل للسوق الأميركية إلى الين الياباني والسندات الألمانية واليورو، لكن أولئك المستعدين لتحمل المزيد من المخاطر يعيدون التفكير في سحب السيولة بسرعة من الأسواق الناشئة وتحويلها إلى الولايات المتحدة في أوقات تشهد تحديات تؤثر على الأسواق.
تحذيرات من تراجع الدولار ونهاية الاستثنائية الأميركية
قالت كريستي تان، خبيرة استراتيجيات الاستثمار لدى “فرانكلين تمبلتون”، والتي تروّج لسندات الدول النامية باعتبارها أدوات استثمار بديلة لسندات الخزانة الأميركية: “خطر انخفاض قيمة الدولار هو بمثابة إنذار للمستثمرين”. و”نعتقد أن حقبة الاستثنائية الأميركية قد انتهت في الوقت الحالي”.
إن تراجع الدولار لمدة أربعة أشهر حتى أبريل يعني أن المكاسب بالعملة المحلية التي تشير إليها “إيه كيو آر” تزداد عند تحويلها مرة أخرى إلى الدولار الأميركي. وحقق مؤشر العملات في الأسواق الناشئة التابع لشركة “MSCI” رقماً قياسياً في بداية مايو بعد ارتفاعه نحو 5% منذ مطلع العام.
قالت جيتانيا كاندهاري، نائبة رئيس قسم إدارة الاستثمار في “مورغان ستانلي”: “أخيراً أصبح لدينا المحفّز المطلوب”، مشيرة إلى أنها أعلنت قبل عامين أن عصر الأسواق الناشئة قد بدأ، عندما انتقلت من الاستثمار في الأسهم الأميركية إلى أسهم الأسواق الناشئة.
وأضافت أنها أكثر ثقة هذه المرة، فاستناداً إلى المتوسطات التاريخية، يمكن لضعف الدولار أن يسهم بنسبة ثلث عوائد أسهم الأسواق الناشئة. وبعد أن أخفق صندوقها في مواكبة سوق الأسهم الأميركية خلال العامين الماضيين، حقق الصندوق عائداً بنسبة 17% هذا العام، متفوقاً على 97% من الصناديق المنافسة، حسب بيانات جمعتها “بلومبرغ”.
قطاعات داخلية جذابة بعيدة عن الرسوم
بدأت كاندهاري تبحث بشكل أكثر تفصيلاً أو تعمقاً في الفرص الاستثمارية بالأسواق الناشئة، في قطاعات البنوك والكهرباء والصحة والدفاع التي تعتمد على الطلب المحلي، وبالتالي تكون أقل عرضة لتأثير التعريفات الجمركية المرتفعة.
في شركة “إيه كيو آر”، يوجه المدير التنفيذي كريس دوهيني اهتمامه نحو شركات الأسواق الناشئة ذات رؤوس الأموال الصغيرة، التي يتوقع أن تحقق أداءً جيداً على المدى المتوسط إلى الطويل.
بلغت التدفقات المالية إلى صناديق الاستثمار المتداولة المدرجة في الولايات المتحدة والتي تستثمر عبر الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى تلك التي تستهدف دولاً معينة، 1.84 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي في 9 مايو، وهو أكثر من ضعف المبلغ المسجل في الأسبوع السابق عليه، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ”.
مخاطر جوهرية في فئة الأصول الناشئة
من المؤكد أن التقلبات في الأسواق والاضطرابات السياسية والأزمات المحلية هي من السمات الجوهرية لفئة الأصول في الأسواق الناشئة، وقد تواجه المكاسب هذا العام بعض العقبات. كما أن نمو الأرباح غير المنتظم لدى بعض الدول النامية مقارنة بالولايات المتحدة والأسواق المتقدمة الأخرى، إلى جانب تكاليف المعاملات، يجعل بعض المستثمرين يترددون في اتخاذ القرار.
قال مايكل بيلي، مدير الأبحاث في “فلتون بريكفيلد برونيمان” (Fulton Breakefield Broenniman): “من ناحية، ينمو الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة بوتيرة أسرع من الأسواق المتقدمة، لكن القضية الحقيقية هي نمو الأرباح المتكرر”.
وتابع “إحدى الأمثلة على المدى الطويل هي الصين، حيث ينمو الاقتصاد بسرعة، لكن غالباً ما تقوم الشركات الصينية بإصدار كميات كبيرة من الأسهم، مما يؤدي إلى خيبة أمل في نمو الأرباح، مقارنةً بالولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى خارجها”. وأشار إلى أن “الهند تمثل سوقاً ناشئة جذابة نظرياً، إلا أن دخولها صعب بسبب ارتفاع تكاليف المعاملات، والعوائد طويلة الأجل كانت مماثلة لمؤشر إس آند بي 500”.
وحتى الآن، لم يظهر تحول من الولايات المتحدة إلى الأسواق الناشئة في بيانات تدفقات رؤوس الأموال الأوسع، في حين يظهر تزايد الإقبال على الأصول الأوروبية، بحسب غابرييلا سانتوس، كبيرة استراتيجيي السوق لمنطقة الأميركيتين في قسم إدارة الأصول لدى “جيه بي مورغان”.
مرونة السياسات النقدية في الأسواق الناشئة
لكن إذا استمر الدولار في الضعف “فقد يمتد الأثر غير المباشر لانخفاض العملة الخضراء لتصبح الأصول في الأسواق الناشئة أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب”، على حد سانتوس. مقارنة ببعض الأسواق الناشئة الكبرى، تبدو الولايات المتحدة مقيدة في قدرتها على دعم الاقتصاد مع اقتراب ديونها المستحقة من 30 تريليون دولار. فقد تحركت دول مثل الهند والفلبين بسرعة عبر تخفيضات حادة لسعر الفائدة، في حين يتوخى الاحتياطي الفيدرالي الحذر في تخفيف السياسة النقدية بشكل مفرط خوفاً من إعادة إشعال التضخم.
قالت تان من “فرانكلين تمبلتون”: “الأسس الاقتصادية في الأسواق الناشئة الكبرى قوية، وتتميز بديون خارجية أقل ونسب دين إلى الناتج المحلي الإجمالي ملائمة”، مشيرة إلى تركيا والسعودية وكوريا الجنوبية وعدة دول آسيوية. و”هذه الهيكلة المنخفضة للديون تمثل عامل جذب كبير، لا سيما مقارنة بالولايات المتحدة”.